[x] اغلاق
لذكرى رحيل سمير نجّار، أبو دَخيل أوْدَعَ رصيد عمره في خزينة الوفاء
16/7/2024 8:20

لذكرى رحيل سمير نجّار، أبو دَخيل

أوْدَعَ رصيد عمره في خزينة الوفاء

بقلم: مارون سامي عزّام

 

ما زال القدر يلاحق الأشخاص أينما حلُّوا، لا يتركهم أبدًا إلّا عندما يسلِّم ودائع حياتهم النفيسة إلى وكيله الموت، فكان العم أبو دخيل واحدًا منهم، واضعًا إيّاه على مسار الآخرة المخيف الذي لا مفرَّ منه، فقابل ربَّه وهو مرتاح الضّمير، عفيف النَّفس، ومع كل هذا، فإن الحياة لم تُسعف حظّه في بداياته، وعاش حياته راضيًا بقسمته، وقطرات العرق تتصبَّب جهدًا من جبين شَرَفِه.

قضى العم سمير عمره يعمل جاهدًا من أجل توفير لقمة العيش لعائلته، دون أن يلجأ لطلب المساعدة من أحد، لم تنحنِ كرامته أمام طغيان الدَّهر، بل بقي صامدًا للنّهاية، متحدّيًا الظُّروف بجلادة، عمِلَ في بداية حياته حدّادًا، مهنة شّاقة، لم يرضَ بها، لذلك بحثَ عن شيءٍ معيشيّ يجمع أسرته حولها، فيها تعاون وشراكة، فلجأ إلى مجال المأكولات الواسع والمتنوِّع، وافتتح مطعمه المعروف إلى يومنا هذا باسم "مطعم أبو الدخيل"، رغم أن اسمه "المطعم الأهلي"، لأنه بالفعل مصلحة عائليَّة بامتياز، يعمل فيها أبناؤه كلٌّ في مجال اختصاصه، تحت رعاية والدهم، فطوَّرها من أجل راحتهم، وهُم إلى اليوم يُكملون مشواره بإخلاص. 

نهل أبناء المرحوم خبرتهم من والدتهم المرحومة نهلة، وتعتبر شريكة المرحوم في تضحياته، إذ كانت تُعِد بفرح وطيب خاطر كافّة الأكلات الصّباحيّة بشهيّة، مُرحِّبَةً بالزّبائن بابتسامة، الذين قدَّروا مجهودها المضاعَف في المطعم وفي المنزل... أتقَنَت أيضًا إعداد وجبات الغذاء بكرم، بمكوِّنات عالية الجودة. التفكير العملي للمرحوم أبي دخيل، هيأ لأسرته حِرفة الطَّهي، ليس من أجل رفاهية أهالي البلد وحسب، بل ليساند أيضًا أبناءه، فارتقى المرحوم بتجهيزات المطعم لمستوى يليق بخدمات الضِّيافة المتعارف عليها.

منطقة "باب الدِّير" الشّهيرة لوجود دير الرّاهبات التّاريخي الذي يضم كنيسة صغيرة، كانت عزيزة جدًّا على المرحوم، فمضغ فيها لقمة النّجاح، وذاق طعم الرّاحة بعد عناء السّنين، لن أنسى عندما كنتُ أراه يوميًّا يمشي بهمَّته العالية في ساحة "باب الدّير" دون تلكّؤ، لشراء بعض الحاجيّات... أصبح مطعمه علامةً فارقة في المعاملة الأخويّة التي شهد لها روّاده، لأنهم اعتبروا أصحابه إخوةً لهم، والمرحوم صار رمزًا جميلًا ومحبَّبًا من رموز اللطافة، لحبه لملاقاة النّاس ولالتقاء بهم. 

عندما كنتُ أزور مطعمه كان يجلس معي، يحَدِّثَني عن اعتزازه برجالات شفاعمرو الذين بلوروا أمجادها، رافقه دائمًا حنينه الشديد لتّاريخ البلدة الذي عايشه، وما زال يعيش في ذاكرته، لتأثُّره بتلك الفترة الذَّهبيَّة التي عاشتها شفاعمرو، وصارت محور حديثنا كلّما ارتدتُ المطعم، يكفي افتخاره بعائلات شفاعمرو الأصلية والمعروفة. 

حافظ أبو دخيل على أصالته الشفاعمريَّة التي لم يتخلَّ عنها يومًا، فجنى ثمار محبَّة النّاس له الذين أحبّوا بساطة تعامله دون تكلُّف... فأزهرت مواسم عطائه بالإنسانيَّة، لكونه قريبًا من وجدان الجميع. لقد أثبت أبو دخيل أنه رجل عصاميَّ، استطاع أن ينفِّذ مشروع مطعمه بقدراته، وجعله واقعًا منيرًا بمجهوده الحقيقي، لخَّص عراكه مع الظّروف، لذلك تفانى المرحوم في صيانة سُمعة المطعم، وأكسَبَه سخائه في تقديم الوجبات اكتفاءً ذاتيًّا، كما أكسَبَته الواجبات الاجتماعيَّة تواضعًا. 

بقيت أسرته الصغيرة شغله الشّاغل، كما كانت هموم الأسرة الشفاعمريَّة ووحدتها محطَّ اهتمامه دائمًا، مُعتبِرًا نفسه واحدًا منها، مُجنَّدًا لتقديم أي خدمة تُطلَب منه من أجل مجتمعه، وسلامة العيش المشترك. احترام الآخرين كان بالنسبة له فريضة أدّاها بشكل يوميّ، لأنه نشأ على مراعاة الغير... اليوم بعد هذا التّاريخ الحافل بالسيرة الحسنة، المتوَّجة بالنشاط، استراح العم أبو دخيل بين أحضان الحياة الأبديّة، ولكن إرثه المجتمعي سيبقى حاضرًا في ذاكرة كل فردٍ.

May be an image of 1 person