[x] اغلاق
صرخة ماريا وجبة فنية كاملة الدسم!
3/6/2010 10:03

*لا أعرف من أين أبدأ.. فالمائدة عامرة بالمأكولات اللذيذية والشهية، هل أبدأ من الفكرة الأساسية الرائعة، أم أرتشف من الموسيقى الجميلة، أم أبدأ بحلوايات الرقص والراقصين، أم من وجبة الإخراج الدسمة، أم أتذوق الشعر وصوت سميح القاسم. أم، أم؟؟!!
القصة وما فيها، أن الفنانة الكبيرة فريال خشيبون، دعتنا لتاول وجبة فنية على مائدة عرض فرقتها الجديد "صرخة ماريا" في قاعة الاوديتوريوم في حيفا، والحقيقة أنها طباخة ماهرة، استطاعت أن تسخر خيرة الفنانين لتقديم أروع المأكولات والمشروبات الفنية في أمسية فنية سيتحدث عنها المشاهدين الذين وصل عددهم إلى (1200) شخص، من حيفا ومن جميع المدن والقرى الفلسطينية.
**بريخت وسميح القاسم!
لنبدأ بالفكرة الأساسية.. لم أصدق قبل عدة أشهر، بأن شاعرنا الكبير سميح القاسم، نصح فرقة "سلمى- للفنون الاستعراضية" بتقديم قصيدة ليست من شعره، قام بترجمتها عن الشاعر والمسرحي الألماني التقدمي بروتلت بريخت، قبل عشرات السنين.. وقلت بنفسي إذا كان لا يملك ما يقدمه من تأليفه، فعلى الأقل ينصح بمسرحية لبريخت وليس قصيدة لا تتعدى صفحة واحدة من مجلة "الغد"!!
وهنا كان خطأي الأول والكبير.. فقديما نعتوا الشعراء بالانبياء، نظرا لبعد نظرهم وتوقع ما سيحصل في المستقبل.. وكم بالحري إذا كان الاختيار من شاعر مثل سميح القاسم، الذي يتمتع ليس فقط برؤية شعرية، فهو العاشق للموسيقى والصحفي والكاتب المسرحي والمحلل السياسي و.. و..
كان يعرف من اللحظة الأولى أن هذه القصيدة، إذا وقعت بيد مخرج موهوب، ستتحول إلى عمل فني رائع.. ولكي يؤكد بأنه لم يختار مجرد قصيدة، قام بتسجيل القصيدة بصوته، وقد تم تسخير صوته الشعري الرخيم داخل العمل، بشكل فني رائع.. وأعتقد أنه فوجئ بكيفية دمج الصوت في العمل.
أما بخصوص النص الشعري البرختي، فهنا كان خطأي الثاني.. فأنا أعرف جيدا بأن بريخت الشاعر، لا يقل أهمية عن بريخت المسرحي، وهو نفسه بريخت السياسي التقدمي، الذي عاصر أسوأ العصور الألمانية ظلاما، فمسرح بريخت هو قصيدة شعرية وشعره مسرحية وخرجت قصيدته "أولاد في حملة خلاص" كأجمل العروض التي قدمتها فرقة "سلمى" منذ أن عرفتها.
**مخرج حقيقي!
أعرف نورمان عيسى، منذ أيام الشقاوة وهو في بداية طريقه الفني، وتابعت مراحل تطوره، وعندما بدأ في مجال الإخراج، لم آخذه على محمل الجد، ولكن عنما شاهدت له مسرحية "ألف ليلة وليلة"- والتي صممت رقصاتها الفنانة المبدعة فريال خشيبون، وكان هذا اللقاء هو الذي أدى للعمل الذي نحن بصدده- تأكدت بأن نورمان مخرج حقيقي، وليس متعدي على الكار.. ولكنني أيضا لم أتصور أن يخرج من قصيدة بريخت هذا العمل الضخم والرائع، ومرة أخرى وقعت في فخ الشك، لأنه أثبت لي ما كنت تأكدت منه في السابق، فنورمان اليوم، يعتبر من المخرجين الناجحين في وسطنا الفلسطيني المحلي، وهو بمثابة حصان رابح، يمكن المراهنة عليه في كل الظروف.
**موسيقي عالمي!  
كل المفاجآت التي تلقيتها على رأسي بعد خروجي من مشاهدة العمل، كانت نابعة من معرفتي الشخصية لمعظم المساهمين في هذا العمل.. وهنا جاء دور الموسيقي ريمون حداد، فتواضع هذا الفنان، لا يعطيك أنطباع بأنه سيقيم الدنيا ويقعدها، فهو مبدع بدون ضجة، شارك في العديد من الأعمال المسرحية والغناية المتنوعة، والتي أبدع بجميعها، ولكن المنافسة في هذا المجال، لم تعطه فرصة الظهور، ولا فرصة الانطلاق الحقيقية التي يستطيع من خلالها، أن يثبت للقاصي والداني، بأنه فنان من أعلى المستويات، وأنه لا يقل عن الفنانين العالميين في هذا المجال، فقد خرجت موسيقاه، في "صرخة ماريا"، بمستوى السيمفونيات- وأنا لا أبالغ.
**بدون مفا جآت!
عندما أصل إلى الفنانة المبدعة فريال خشيبون، أقول لكم بصراحة أنها لم تفاجئني بالمرّة، فهي دائما مبدعة وخلاقة، وفي كل عمل إضافي، تتنصر على نفسها، وتثبت بأنها مصممة رقص من أخمص قدميها حتى قمة رأسها.. وكل عمل تلبسه الثوب المناسب، فقط دندن بقربها، فتبدع لك على الفور رقصة تلائم دندنتك.
لكنني اتساءل دائما: كيف تستطيع أن تبدع فريال كل هذا الابداع، وفي نفس الوقت، تدير كل كبيرة وصغيرة في فرقة "سلمى".. تراها في تصميم الملابس، وتشرف على البوستر وباقي المطبوعات، تلاحق المبيعات، تراقب منفذي الديكور والاضاءة و.. و.. و.. وغيرها الكثير.. إنها قائدة بكل معنى الكلمة.
**الحزن المفرح!!
أما بالنسبة لفرقة الراقصين والراقصات الصغار والكبار، فهذه أول مرة أرى الفرحة في عيون، كان من المفروض أن تكون باكية- حسب نص المسرحية وموضوعها.
أنهم فرحون، ويستحقون ذلك الفرح، فهم سعيدون بما يقدمون، وسعيدون بردود الفعل التي، تأتت رويدا رويدا، بعد كل حركة وكل مشهد.. التصفيق الحار، الصمت الكامل للجمهور الذي يترقب كل حركة وكل لفظ وكل نغمة.. كان لسان حلهم يقول: نحن مسيطرون على الموقف، سيطرة تامة.. وأعتقد بأن هذا يسعد كل شخص، فهنيئا لكم أيها الابطال على ما قدمتموه لنا من واجبة كاملة الدسم.
**العرض القادم
إني أنتظر العرض القادم بشوق، فأنا لم أشبع من الوجبة الأولى، وعلمت بأنه سيكون يوم السبت 5/6/2010، الساعة الثامنة والنصف، على مسرح "هيخال هتربوت"، طريق نهاريا- رأس الناقورة.. إلى اللقاء يوم هناك.