[x] اغلاق
وحش بدون أنياب!
25/8/2010 10:21

*ضمن مجموعة من الرسومات، التي هي، في الواقع، عبارة عن لوحات فنية، وبلغة منسابة تخلو من الأخطاء في القواعد والصرف، بعد تدقيقها من قبل الإعلامي والناقد نايف خوري تفاجئنا الأديبة ميسون أسدي بقصة تأتي، مع سبق لإصرار والترصّد، بتحطيم معتقدات رضعت منها أجيال.
أتطرق في هذه المراجعة إلى قصتها "موعد مع الذئب" الصادرة مؤخرًا، والتي صمم رسوماتها الفنان أسامة مصري. في هذه القصة التي تبرز بألوانها الحادة التي تحمل خطابا وجوديا، وبلغة مسجوعة (تعب، لهب؛ أحراش، فراش، فطور، طيور؛ جليد، حديد؛ خفة، عفة؛ لسان سيلان) وإن لم يكن السجع مدروسا وإيقاعيا بموسيقيته المعهودة، منسابة، رشيقة، وإن كانت مفتعلة في بعض مقاطعها، تأتينا أسدي بقصة الذئب اللطيف، الذي لا يفترس، ولا يهوى الدماء ولا يقطع الناس إربا كما تروي الحكايات والخراريف القديمة.
تحكي لنا موعد مع الذئب قصة سلمى التي تعيش داخل كوخ في ضيعة وادعة، وهي تخرج، عادة، مع أخيها لاصطياد العصافير (أنا شخصيا لا أحب صيد العصافير، لم أمارسه عندما كنت طفلا، ولا أحب ان أرى الطيور تتعذب عندما تستهدفها "النقيفة" أو "المغيطة" أو حتى "الفخاخ") كما يفعل الكثيرون. وذات يوم، تخرج سلمى وحدها فتتعثر وتسيل من ساقها الدماء. الذئب الذي تعودنا ان يكون مخيفا، وان يهجم على فريسته يفاجئنا في القصة ويقترب من سلمى ليعرض عليها المساعدة في وقف سيلان دمائها. تتفاجا سلمى وتقول له إن كلّ الذئاب التي عرفتها تختلف عنه. تلك الذئاب، كما تقول، شريرة، فكيف يعقل أن يقوم هو بمساعدتها.
وتبدأ محاضرة الذئب، التي يغيب فيها صوت سلمى، زاعما أن هذه الخراريف هي زور وبهتان من دماغ الإنسان المحموم، ليس إلا.
ويعدّد لها الأمثلة حول الوداعة والدماثة واللطافة التي يتحلى بها قائلا إن الإنسان غليظ القلب لا يرحم ولا يشفق. فهو، أي الإنسان يربي الحيوانات والدواجن ثم يذبحها، أما أصدقاؤه الذئاب من أبناء جلدته، وفروته، فهذا هو طعامهم الطبيعي، فهم، أي الذئاب، لا يكذبون، ولا ينافقون.
الذئب يقول بصريح العبارة، وإن كنا نسمع صوت المؤلفة يخرج من حنجرته، إن هناك العديد التي تثبت ادعاءه. يسرد لها قصة رومولوس وريموس اللذين قامت ذئبة بإرضاعهما عندما كانا مهجورين ومتروكين في القفار. رومولوس وريموس شقيقان توأم في الأساطير الرومانية، قاما بتأسيس مدينة روما. يعتقد الرومان أن رومولوس هو مليكهم الأول.
طبقًا للأسطورة، وُلد رومولوس وريموس، في المدينة الإيطالية القديمة ألبا لونجا. وكان الملك نوميتور يحكم ألبا لونجا لى أن أقصاه عن الحكم أخوه الأصغر أموليوس. وقام أموليوس بقتل أبناء نوميتور، وأرغم ابنة نوميتور ريا سلفيا على أن تصبح كاهنة عذراء في معبد الإلاهة فستا. وكان مفروضًا على الكاهنة العذراء، بحكم القانون، أن تظل عذراء. وكان أموليوس يأمل أن يحول ذلك بين ريا سلفيا وبين أن تنجب أطفالاً يهددون عرشه. ولكن الإله مارس أغوى ريا سلفيا، فأنجبت منه رومولوس وريموس ف مر أموليوس بإعدام ريا سلفيا، ووضع طفليها في سلة، وقذفهما في نهر تيبر. وبعد أن سارت السلة بالطفلين مع الماء، ألقى بهما النهر على الشاطئ فإذا بذئبة تجد الطفلين فتتولى رعايتهما.
أصبح الطفلان رومولوس، وريموس، والذئبة، موضوعات مثيرة للفنانين الرومان، كما نُحتت تماثيل عديدة تُصور الطفلين مع الذئبة الأم التي ترعاهما.
اكتشف راعي غنم يُدعى فاوستولوس الطفلين، فتعهدهما هو وزوجته بالرعاية بوصفهما طفلين لهما. وعندما شب الطفلان، عرفا حقيقة نسبهما، فأسقطا أموليوس وقتلاه، وأْعادا نوميتور إلى عرش ألبا لونجا.
وبدأ رومولوس وريموس، بعد ذلك بقليل في بناء مدينتيهما، غير أنهما اختلفا بشأن اختيار الموقع. ولحل الخلاف، اتفقا على أن يُؤخذ برأي من يرى منهما عددًا أكبر من النسور الطائرة.
فزعم رومولوس أنه رأى 12 نسرًا، فيكون ذلك علامة من الآلهة على أن اختياره هو الصواب. وظن ريموس، الذي رأى ستة نسور فقط، أن أخاه غشَّه. وبعد أن بدأ رومولوس في بناء سور حول الموقع الذي اختاره، جاء ريموس ووثب من فوق الخندق الذي كان سيحمل أساس السور، وأثناء تخطيه للخندق سخر من أخيه رومولوس. وبسبب هذا الغدر قُتل ريموس إما بيد أخيه رومولوس، أو بيد أحد رجاله. وأصبح رومولوس بعد ذلك الحاكم الأوحد للمدينة التي سماها روما على اسمه.
ازدهرت مدينة روما، ولكن لم يكن بها سوى الرجال، ولكي يتمكّن رومولوس- كما تزعم الأسطورةـ من توفير زوجات لرعاياه، اختطف النساء من قبيلة سابين المجاورة. انظر: السابيون. وكان رومولوس حاكمًا حكيمًا ومحبوبًا، كما كان قائدًا عسكريًا بارزًا، فأخذ يُوسِّع روما إلى أن أصبحت أقوى مدينة في المنطقة.
وبعد أن حكم رومولوس لمدة 38 عامًا، اختفى بطريقة غامضة أثناء عاصفة. وطبقًا لأسطورة لاحقة، أصبح رومولوس هو إله الحرب.
ويحكي الذئب في قصة ميسون عن طفل الغابات الذي تكرمت الذئبة وقدمت له الرعاية والحضانة فاشتهر بإقدامه وشجاعته الكبيرين.
عندما تحاول سلمى السير، بعد أن جف دمها، بمساعدة من الذئب الوديع، تحاول السير، لكنّها لا تستطيع، فيطلب منها الذئب المعطاء أن تتكئ عليه. هذا ما يحدث فيسير بها إلى مقربة من ضيعتها، فيودعها وتقوم بالاستغاثة بأهل الضيعة ليساعدوها في الوصول إلى بيتها سالمة غانمة ولتنام قريرة العين وهي تفكر بالخير الكبير الذي صنعه هذا الذئب الطيف.
تحطم أسدي، نمطية الذئب، بصورة متعمدة. ونجح في ذلك. كقارئ، تدهشني الكاتبة برؤيتها وبطريقة طرحها للموضوع. تميط اللثام عن أنياب الذئب فنجدها مثل أسنان الحليب لدى الأطفال الرضع.
بحثت في القصة عن مفاجأة، وأنا من عشاق المفاجآت في الأدب. لكنني لم أجدها، ربّما لأنها تمركزت في الرسالة التي تريد تمريرها للقارئ، وربما بسبب انهماكها بالتدفق اللغوي الموفق في القصة. ورغم ذلك سحرتني الفكرة المبتكرة التي تأتي لتغيير المعروف والمعهود ولتطعن فيه.
ذئب الأديبة في هذه القصة هو ورقة احتجاج ضدّ الذئب في ليلى الحمراء.
نبارك للأديبة أسدي إصدارها الجديد ونشاطاتها الدائبة لإدخال جرعات من النشاط الثقافي والأدبي إلى المشهد الإبداعي لدينا.