[x] اغلاق
دعوة لفتح الأبواب ومواجهة الرياح
17/9/2010 10:16

بقلم: زياد شليوط
ما أكثر الهموم في هذا العالم.. ما أكثر هموم الناس .. ما أن تجلس الى أحدهم حتى يشرع بالحديث عن الضائقة التي يعيش فيها.. كلٌّ وله قصته أو قصصه.. وأكثر ما يزعج أو يثير الناس في أيامنا هي الضائقة المالية. المال بات في عصرنا هو المشكلة وهو الحل، هو الداء وهو الدواء في عصرنا. وهل من ضائقة لا يحلها المال؟! أقساط المدارس والجامعات.. نقوط الأعراس والمناسبات.. تزويد الأبناء بالكتب والدفاتر المدرسية والقرطاسية.. تأمين الملابس للمدرسة والمناسبات والحفلات.. المصروف اليومي للأبناء والبنات.. وقود للسيارات.. تأمين.. رخصة.. رسوم المياه والكهرباء والهواتف الثابتة والخلوية.. مصاريف الأعياد والاحتفالات الآنية..
في الأسبوع الماضي حدثني والد عن همومه وأهم تلك الهموم تتلخص في تعليم ابنه في الخارج.. وشرح لي كم تكلف الدراسة في الخارج.. ما بين القسط التعليمي وأجرة السكن وأسعار بطاقة السفر في الطائرة والمصاريف اليومية للطعام وغيره. وحاول ذاك الوالد ومثله أيضا هناك العشرات وربما أكثر، حاول أن يحصل على قرض من البنك بدل أن يمد يده للأقارب والأصدقاء، لكن البنك يرفض كما شرحوا له، ان يصدر قرضا باسم الابن (الطالب الجامعي) الذي يدرس في الخارج، وعندما سألهم لماذا؟ أجابوا –وحسب روايته- بأن الطلاب الذين يدرسون في الخارج لا يحملون الشهادات عن جدارة، هكذا! ويرفع هذا الوالد صرخته مطالبا وبحق أن يكون هناك صندوق من قبل الكنيسة أو المسجد أو الخلوة، أو أي طرف أمين وصادق، لدعم الطلاب الجامعيين. وحاولت أن أطمئن الوالد المهموم بأن هناك من يفكر في الموضوع ويعمل لتحقيقه، حيث التقت مؤخرا مجموعة من المثقفين المهتمين في الموضوع، ويعكفون على تشكيل جمعية لهذا الغرض، لكن الى أن يتم اقامة الجمعية، كيف نعالج الموضوع؟
المفرقعات تقتل الخيرات
كم كنت مرتاحا للدعوة التي سمعتها من كهنة شفاعمرو هذا الأسبوع بمناسبة عيد الصليب، الذي يكثر فيه تفجير المفرقعات والألعاب النارية باهظة الثمن مقابل لحظات قليلة ومتعة زائلة، مع زوال دويها وبريقها. حيث دعا الكهنة الى التخفيف من شراء المفرقعات وتبذير الأموال عليها، وبدل ذلك أن يوفر الأهل في صندوق المبالغ لهدف انساني سام، وها هي القضية مطروحة، فلو أن كل انسان اشترى مفرقعات، قام بتوفير نصف المبلغ ولا نقول كله وأودعه في صندوق لدعم الطلاب الجامعيين، ألا يكون ذلك أجدى وأنفع؟ ومن تصاريف القدر وتزامن الأزمات أني شاهدت شبانا هذا الأسبوع أيضا يجمعون التبرعات بشكل هاديء وضمن مجموعة مختصرة لتقديمها لشاب ينوي السفر للدراسة في الخارج وهو في ضائقة مادية، فقام بعض الشبان من أصحاب الهمة والشهامة وبمبادرة ذاتية بجمع تبرعات بشكل صامت وهاديء جدا، ودون ضجيج ودون ايصالات، ودون أن يشكك أحد بنواياهم، ليقدموا ما يمكنهم تقديمه لذاك الطالب الجامعي لدعمه وتشجيعه في دراسته الجامعية. عمل انساني مبارك ورائع وأخلاقي من الدرجة الأولى.. لكن وهنا يطرح السؤال.. كم طالب أيضا يحتاج لدعم مالي، وهل كل طالب ندري به ونعرف وضعه، لماذا وألف لماذا وكثيرون يسألون ويتساءلون لماذا لا نقيم صندوقا ماليا لدعم طلابنا في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة والقاسية والتي تثقل على الأهل وتقض مضاجعهم؟
وتزامن أيضا في نفس الأسبوع قيام مجموعة أخرى بجمع التبرعات بهدف اعادة الشاب الشفاعمري هشام أرملي الى أهله ودياره من الولايات المتحدة، حيث يرقد هناك منذ عامين وهو فاقد الوعي، فلو اختصرنا من مصاريف المفرقعات وحولناها لصالح هذا العمل الانساني، ألا نشعر بالراحة والسعادة الى وقت أطول بكثير من وقت المتعة بألوان وضجيج المفرقعات؟!!
الأكاليل لا تهدينا السبيل
وهناك مسألة أخرى تستوجب التوقف عندها في هذا الباب، وما دمنا ذكرنا المفرقعات فلماذا لا نذكر أكاليل الورود التي تقدم في المآتم والجنازات؟ لا شك أن المواساة والمشاركة في العزاء أمر انساني واجتماعي ضروري وهام، ولا نقلل من شأنها بتاتا، لكن للمواساة صور وأشكال.. ما قيمة عشرات الأكاليل التي لا يراها اليوم أحد تقريبا، والتي سرعان ما تتحول الى أكوام من النفايات لا نفع يرجى منها؟ لماذا لا تحول أثمان الأكاليل وتنقل عبر أهل المأتم، الى صندوق خيري لعمل انساني؟ وهنا لا بد وأن أذكر عادة طيبة ورائعة عند اخوتنا الدروز، فعندما يحضر وفد من قرية الى قرية أخرى للمشاركة في جنازة، يقدم شيخ الطائفة في البلدة التي تشهد المأتم مبلغا من المال لشيخ كل بلدة كتقدمة عن روح الفقيد للخلوات أو المقامات المقدسة لرعايتها وصيانتها.
وهنا ربما يعترضني أحدهم متسائلا بخبث وهل تريد قطع أرزاق أصحاب محال الورود؟ بالطبع لا وألف لا، وهل عندما قرر أصحاب المحال فتح محالهم اعتمدوا على المآتم، لا سمح الله؟ المناسبات السعيدة والاجتماعية كثيرة ومتعددة وهي في ازدياد، والناس لن تتوقف عن شراء الورد في تلك المناسبات وهي أكثر من أن تحصى وتعد. ثم لست أدعو للتخلي عن الورود في الجنازات بالمرة، حيث يمكن لأهل الفقيد وأقارب الدرجة الأولى احضار عدد محدود من الأكاليل وباقات الورد والاكتفاء بها كرمز، والاستفادة من أثمان سائر الأكاليل لعمل انساني وخيري، فهل هناك أسمى من ذلك؟ ثم أليس ذلك أفضل من الاحراج عندما لا يجد أهل الفقيد/ة من يحمل الأكاليل، ويقف الكاهن يدعو وينادي الشباب أن يشاركوا في حمل الأكاليل ولا يجدهم في الغالب؟
لا إمام سوى العقل
أيها الأخوة، أيها الناس.. آن الأوان لأن نفكر بعقولنا وليس بعواطفنا، وقد سبق لشاعرنا الفيلسوف المعري أن طالبنا منذ قرون بتحكيم العقل، اذ قال "لا إمام سوى العقل مشيرا في صبحه والمساء"، فكم بالحري ونحن أبناء عصر العلم والفكر والتكنولوجيا، أن نلجأ للعقل لنتدبر أمورنا ونجد الحلول لواقعنا ونعد العدة لمستقبلنا.
 وما أكتبه هنا ليس رأيي الشخصي فحسب، مع أني أقف وراء هذه الكلمات، انما سبقني اليها آخرون وهناك العشرات بل المئات يفكرون بهذا الاتجاه، والعديدون طلبوا مني مرارا طرح هذه المواضيع في الصحافة للنقاش ولتشكيل رأي عام يتجاوب مع هذه المطالب.. وهنا لم أتعرض لمسألة الأعراس والسهرات والنقوط المبالغ بها، وقد بات هذا موضوع الساعة ومصدر قلق وهم كبير لمعظم الناس.. كذلك لم أتطرق لأعياد الميلاد لأبنائنا والتبذير الحاصل فيها، وقد سبق وكتبت في هذا المجال.. هناك الكثير من المواضيع والقضايا التي باتت بحاجة لأن يبت بها، وهذا لن يتم الا باتفاق غالبية الناس، وربما هذا يستدعي من رجال الدين لأن يدعوا لعقد اجتماع عام لرعاياهم وطرح هذه المواضيع واتخاذ القرارات بشأنها.. آن الأوان لأن نعمل ولا نكتفي بالحديث هنا أو هناك، أو الصراخ والسؤال، أو تجاهل الموضوع هربا وقلة حيلة.. علينا أن نفتح الأبواب ونواجه الريح.
(شفاعمرو/ الجليل)