[x] اغلاق
شفاعمريون يتذكرون يوم ودعوا عبد الناصر بمسيرات حداد وجنازة رمزية ووحدة وطنية
1/10/2010 7:20

في مثل هذا اليوم من أربعين عاما بالضبط، في الأول من تشرين الأول عام 1970 شهدت شفاعمرو، كما شهدت كل القرى والمدن والتجمعات العربية والفلسطينية في كل بقاع المعمورة، جنازة رمزية لم تشهد البلدة مثلها، لقائد حقيقي وزعيم أصيل نبت من صفوف الشعب العربي المصري، انه جمال عبد الناصر الذي فجر ثورة 23 يوليو التحررية مع زملائه من تنظيم "الضباط الأحرار" في الجيش المصري، وتحول من رئيس لمصر الى قائد للأمة العربية وأمل للشعوب المقهورة في العالم وزعيما لدول عدم الانحياز. واليوم نستذكر تلك الجنازات الرمزية وما سبقها من مسيرات حزن وغضب بعد انتشار خبر وفاة الوالد والقائد، ونقدم لكم شهادات أشخاص عاشوا وشاركوا ونظموا لتلك المسيرات.
ابراهيم شليوط، عضو بلدية شفاعمرو
دخلنا الى الصف صباحا، لم يرغب أحد بأن يتعلم، جلسنا ونحن في حالة حزن شديد، ودخلت المعلمة المرحومة بشرى قرمان، وهي ترتدي ثوبا أسود، وبعيون دامعة وبصوت متهدج قالت لنا ليفعل كل ما يريد وأطرقت برأسها على الطاولة أمامها. فطلب منها الطلاب أن يقفوا دقيقة حداد فسمحت لهم وتجاوبت معهم. وبعدها ارتفع الهمس بين الطلاب، واتفقوا على الخروج في مسيرة حزن في شوارع البلدة، وفعلا ما هي إلا دقائق واذ كل طلاب المدرسة يتجمعون في الساحة، وينطلقون في مسيرة حزينة وهم يرفعون حقائبهم السوداء، من حي المكتب حيث المدرسة الى أمام دار البلدية السابقة، الى ساحة الدير وثم شارع الناصرة القديم في حي الميدان حتى المقبرة الاسلامية وهناك ألقى أحد الطلاب كلمة، ودعا فيها الى تنظيم جنازة رمزية بعد يومين تزامنا مع  الجنازة الرسمية والشعبية لعبد الناصر في القاهرة. 
الطبيب والكاتب د. فؤاد خطيب يؤكد على رواية زميله ابراهيم ويضيف أن موقف المعلمة بشرى قرمان أمدهم بالعزم على تنفيذ ما خططوا له، فقد كانت مجموعة من الطلاب منخرطة في صفوف الشبيبة الشيوعية وأصدقاء لهم  التقوا في صباح اليوم التالي لوفاة عبد الناصر وقرروا أن يعلقوا التعليم حزنا على الزعيم والخروج بمسيرة حزن، وعمموا هذا القرار على مندوبي الصفوف وفعلا تجمع الطلاب في الساحة وخرجوا في المسيرة وصولا للمقبرة الاسلامية وهناك اختاروا الطالب منير خوري (اليوم طبيب عائلة) ليلقي كلمة حيث كان أفضل طالب في اللغة العربية، وبعد المسيرة وصلت استدعاءات من الشرطة لعدد من الطلاب للحضور لمركز الشرطة
ورسومات تتعلق بعبد الناصر وأراد المحققون معرفة من كتبها، لكن الطلاب أنكروا ولم يعترفوا. وتم ترتيب جنازة رمزية يوم الخميس قام باعدادها أصدقاء آخرون من الأكبر سنا شارك فيها الشفاعمريون من كل الأحياء والحارات والأعمار والأجناس.
ويذكر الدكتور فؤاد جيدا ساعة سمع فيها خبر وفاة القائد عبد الناصر، فيقول: كانت العائلة تجلس تستمع لحفلة أم كلثوم عبر جهاز الترانستور من راديو القاهرة، وفجأة قطع البث وأخذت تنطلق مارشات عسكرية وموسيقى حزينة، فظن أحدنا أن الراديو أصابها خلل، فقام ليعالجها واذ بالمذيع المعروف كما أظن، جلال معوض ينعي الرئيس فتناول شقيقي الراديو وقذفها غضبا فتحطمت، واسودت الدنيا في عيوننا.
ويقول الدكتور فؤاد أن ظاهرة عبد الناصر مميزة ومن الصعب أن تعاد، فنحن بحاجة للعديد من الشخصيات القيادية بحجم عبد الناصر كي تغير حال الأمة، فعبد الناصر الذي نبت كالعنقاء من رحم الأمة العربية، قطف قبل أوانه وقبل أن يحقق أماني الأمة العربية، التي جاءت الردة الساداتية وقطعتها نهائيا.
الدكتور منير خوري:
أذكر أن المسيرة كانت تلقائية وانطلقت من المدرسة الثانوية مرورا بالمدارس الابتدائية، حيث انضم طلابها الينا وحصل تجاوب من قبل الأهالي بشكل منقطع النظير. وعن الكلمة التي ألقاها في ختام المسيرة يقول أنها احتوت الشعارات والكلام الذي كنا نردده في ذلك الوقت عن عبد الناصر الوطني ودوره في رفع شأن القومية ومعاداته للاستعمار وغيرها.
السيد يوسف ناطور:
بدأ تجمع شبابي من هواة المسرح تمتعوا بروح وطنية، وقع علينا خبر وفاة عبد الناصر كالصاعقة كشخصية لا مثيل لها بكل المقاييس. اجتمعنا  في غرفة جدتي مجموعة كان منها الياس عوكل من الشبان الشجعان وجدعون صباح الذي لعب دورا في تزويدنا بالحاجيات المطلوبة، وكان المرحوم أسامة نمر ونظام ياسين وانضم الينا عبد الله حلاحلة وآخرون بعد تخطيطنا للمسيرة الحداد وصلت معلومات للشرطة.
التجأنا في اليوم التالي للمقبرة الاسلامية، وهناك قمنا بتحضير اليافطات واستعنا بالمرحومين محمد نمر وزاهر خطيب، لتزويدنا بالصور والشعارات، كنا تقريبا عشرة أشخاص منهم مروان عوكل اضافة لمن ذكرت، الذي لعب دورا في التجنيد خاصة عندما كان يرتدي ملابس جده ويتنكر لكي يهرب من أعين الرقباء، كذلك شارك فرع الحزب الشيوعي في البلدة بعدما علم بتحضيراتنا.
كما أذكر أنه كان للنساء دور بارز، حيث انضمت النساء للمسيرة وخاصة الحاجة حكمت، أم أمين الشيخ. وحاولت الشرطة منع  مسيرة الحداد، لكن ذلك أصبح تحديا بالنسبة لها وعملنا على انجاحها، وقد وقف معنا بعض الأشخاص وأذكر منهم المرحوم حسن نمر الذي تصدى للمسؤولين في الشرطة بكل شجاعة وقام برفع صورة عبد الناصر، وكذلك شفيق خورية الذي وافق على طلبنا بالقاء كلمة غير آبه لتهديدات الشرطة. كما انضم عدد من الشباب الوطنيين من الدروز.
وبعد الانتهاء من المسيرة وتحقيق هدفنا، تم اعتقال عدد من الشباب النشيطين نتيجة اخباريات و"نشاط" بعض المتعاونين مع السلطة.
الفنان مروان عوكل:
لم تشهد شفاعمرو حتى اليوم مسيرة حداد كالتي شهدتها حزنا على عبد الناصر. وكنا مجموعة من الشباب الذين تربوا على محبة عبد الناصر وكنا نسمع خطاباته في المقاهي، لذا اندفعنا للتعبير عن حزننا ولأننا كنا ملاحقين من الشرطة أخذنا ننام في الوعر، وعملنا طوال ثلاثة أيام بلياليها على التحضير للجنازة الرمزية، من اعداد تابوت وتحضير أكاليل ورود وشعارات وصور وأعلام. وانطلقت الجنازة من حي المكتب، حيث المدرسة الثانوية مرورا بالشارع الرئيسي وأخذ الناس والأهالي ينضمون اليها والمئات يتابعونها على الجوانب، مرورا بالمقبرة المسيحية حيث وضعت أكاليل الزهور وانتهاء بالمقبرة الاسلامية.
وأذكر أنه كان من مجموعة النشيطين صالح حمادة (المحامي) ويوسف ناطور والياس عوكل وآخرين، وأذكر أني توليت مهمة عرافة المهرجان الختامي، حيث قرأت أشعارا وأقوالا كذلك شاركت عايدة يوسف نمر عن النساء.