[x] اغلاق
عن الشرق والغرب وما لا يسر القلب
8/10/2010 10:17

اعتدنا أن نكرر بشكل روتيني وسريع أنه لا يأتينا من الغرب ما يسر القلب. فهل تلك المقولة صحيحة في كل زمان ومكان، أم أنه يتوجب علينا اعادة التفكير بتلك المقولة؟ خاصة وأننا نشهد في الآونة الأخيرة أحداثا وتطورات تجعل تلك المقولة في مهب الريح.
منذ مدة طويلة تثار مسألة توريث الحكم في مصر من حسني مبارك الى ابنه جمال، وتكونت معارضة قوية ومثابرة لهذا الأمر بقيادة حركة "كفاية" التي تضم عناصر من الأحزاب اليسارية والقومية وغيرها، ورغم محدودية انتشارها إلا أنها تعمل بمثابرة، وأحدثت ضجة حول الموضوع خاصة على الصعيد الاعلامي. وسبق ذلك أن قام حزب البعث في سوريا بتوريث الحكم من حافظ الأسد بعيد وفاته، الى ابنه الدكتور بشار في جلسة سريعة ومبرمجة لمجلس الشعب السوري. وهناك حديث حول نية الرئيس معمر القذافي على توريث الحكم في ليبيا لابنه سيف الاسلام. هكذا يتصرف الحكام العرب في دولهم وكأنها مزارع خاصة لهم وضمن أملاكهم الشخصية. وكأن ذلك لا يكفي حتى تأتينا الأخبار من الشرق البعيد، من كوريا الشمالية، وهي دولة تتبع النظام الشيوعي/ الاشتراكي، حيث يرغب حاكم تلك الدولة في توريث الحكم لابنه، وقد نجح في تمرير قرار في هذا الشأن في مؤتمر الحزب الشيوعي الأخير، الحزب الحاكم في تلك الدولة. ألم يسبق كوريا، حاكم كوبا الاشتراكية والشيوعية المناضل فيدل كاسترو بتوريث كرسي الرئاسة لشقيقه راول، رغم وجود الجزيرة الكوبية في أمريكا اللاتينية؟
وفي المقابل وعلى الطرف النقيض، جرى قبل أسبوعين تنافس جريء وغير معهود بين شقيقين شابين على زعامة حزب العمال في بريطانيا، حيث فاز الشقيق الصغير إيد مليفيند على شقيقه الكبير ديفيد، الوزير والزعيم السابق للحزب، ويبلغ ايد الأربعين من عمره فقط، واستطاع بتنافس ديمقراطي ومفتوح من التغلب على شقيقه داخل الحزب والفوز برئاسة الحزب، مما سيحوله الى مرشح الحزب لرئاسة الحكومة، وفرصة انتخابه رئيسا للحكومة واردة على ضوء فشل الحكومة الحالية وفقدان الثقة بها من قبل الشعب البريطاني.
ترى ما الذي يمنع من ترشيح جمال مبارك داخل الحزب الحاكم في مصر، الحزب الوطني ومنافسة والده على رئاسة الحزب، أو بعد استقالة مبارك الأب؟ وليس من الصعب على جهاز الحزب ترتيب انتخابات "صورية" ومضمونة النتائج لصالح جمال، مما يتيح له بالتالي الترشح لرئاسة الجمهورية المصرية بشكل ديمقراطي والفوز بالمنصب، بدل اللجوء للأسلوب البدائي والمرفوض، وهو أسلوب التوريث؟ أليس النموذج الغربي (البريطاني) في هذه الحالة أفضل وأكثر ديمقراطية وعصرية من النموذج الشرقي الذي ذكرنا بعض الأمثلة منه؟
وفي مكان آخر، في قرية صغيرة معزولة من بلادنا، قرية عين ماهل، برزت العقلية الشرقية "الحديثة" بأشرس تجلياتها، حين هب أهالي القرية وبعقلية "قبلية" مشرقية، جاهلية يضربون ويحطمون ويواجهون الشرطة فتقع الاصابات في صفوفهم وتنالهم الاعتقالات، ليس لأن السلطة صادرت اراضيهم وليس احتجاجا على تفاقم البطالة في القرية، وليس للمطالبة بالمساواة أو تحسين ظروف معيشتهم، انما لأن مديرة من مدينة الناصرة فازت بعطاء مديرة مدرسة في القرية!! ومن أين جاءت هذه المديرة "الغريبة"؟ من مدينة الناصرة المجاورة، التي لا تبعد سوى كيلومترات قليلة عن القرية، والناصرة هي مدينة عربية كما نعلم، إلا اذا اعتقد أهالي عين ماهل عكس ذلك، بل هي عاصمة الجماهير العربية، وحاضنة أولى لأهالي عين ماهل الذين تعلموا في مدارسها وعملوا في مصالحها ومؤسساتها. أضف الى ذلك كله أن تلك المديرة، كانت معلمة في المدرسة ذاتها، التي فازت بادارتها، فهل كانت تصلح للتعليم ولا تصلح للإدارة.
النقطة الجميلة في الموضوع وحدة أهالي عين ماهل، لكن كم تكون تلك الوحدة جميلة لو أنها تكون في وجه الظلم والتمييز، وليس في وجه أخت لنا وابنة لشعبنا. وأنا أربأ بنفسي أن أنعت اهالي عين ماهل بنعوت غير انسانية، فلي فيها أصدقاء أعزاء، متعلمين ومثقفين عشت معهم وعايشت أهالي عين ماهل، وأسألهم فقط أين طيبتكم، أين انسانيتكم؟ واذا كنتم موحدون على رفض المديرة، فلماذا لا تبحثون عن طرق أخرى لحل هذا الاشكال؟ واذا تعاملنا مع بغض بهذه العقلية "القبلية" التي كنا نظن أننا قبرناها مع نجاح الدعوة المحمدية، حين نجح النبي الكريم في الغاء القبائل والقبلية وتوحيدها تحت لواء دين واحد وقومية واحدة، كيف اذن سيتقدم ابن عين ماهل لوظيفة ليس في الناصرة بالضرورة، انما في احدى جاراتها على سبيل المثال مثل كفركنا أو المشهد أو الرينة وغيرها؟ 
وكما ذكرنا في البداية فان ليس كل ما يأتينا من الغرب لا يسر القلب، فهنا في الشرق "علل" تساهم في اخفاقنا وتخلفنا وتجعلنا نخجل من أنفسنا.. ولكن لا ننسى أن معظم ما يأتينا من الغرب لا يسر القلب فعلا.
(شفاعمرو/ الجليل)