[x] اغلاق
قصة موسى والخضر بين الظاهر والباطن
4/11/2010 4:29

قصة موسى والخضر بين الظاهر والباطن


سلمان نصر
روى التاريخ أن موسى عليه السلام قام خطيباً في بني إسرائيل، ولما انتهى من خطبته سأله رجل: هل تعلم رجل أعلم منك؟ قال: لا. فأوحى الله إليه أن لي عبداً بمجمع البحرين على الساحل عند صخرة هناك هو أعلم منك.
وفي حديث يقال أخبرني أبي بن كعب قال: خطبنا رسول الله فقال: إن موسى قام خطيبا في بني إسرائيل، فسئل أي الناس أعلم؟ فقال أنا، فعتب الله عليه، إذ لم يرد العلم إليه فأوحى الله إليه أن لي عبداً بمجمع البحرين هو أعلم منك. قال موسى: يا رب، فكيف لي به؟ فقال: تأخذ معك حوتاً، فتجعله في مكتل، فهو ثم، فأخذ حوتاً فجعله في مكتل ثم انطلق.
وفي رواية أخرى أن موسى لما أوتى من العلم ما أوتى ظن انه لا احد مثله فأتاه جبرائيل وهو بساحل البحر قال يا موسى انظر إلى هذا الطير الصغير يهوى إلى البحر يضرب بمنقاره فيه ثم يرتفع فأنت فيما أتيت من العلم دون قدر ما يحمل هذا الطير بمنقاره من البحر.
والرواية تقول أن موسى اصطحب فتاه يوشع بن نون واخذ معه حوتاً في مكتل، وسارا في طريقهما دون توقف حتى وصلا مجمع البحرين للقاء العبد الذي هو أعلم منه حيث وعده الله وهناك ناما ومس الحوت بعض الماء فاضطرب في المكتل وأخذ سبيله في البحر سرباً. فلما استيقظا انطلقا بقية يومهما وليلتهما ونسيا الحوت عند الصخرة وعندما أجهدهم السير توقفوا لتناول الطعام فتذكر يوشع أن الحوت أخذ سبيله في البحر وأخبر موسى عما حدث فتذكر موسى ما قاله الله له أنه في مكان فقدان الحوت سيجد العبد. فرجعا إلى الطريق الذي جاءا منه، حتى أتيا الصخرة فوجدا العبد الصالح.
وهنا طلب موسى من العبد أن يتبعه على أن يتعلم منه ما لم يعرف، فقال العبد انك لن تصبر على ما تراه. فوعد موسى العبد بأنه سيكون صابراً ولن يعصى أمراً.
ولكنه لم يصبر ولم يلتزم الصمت بعد أن خرق العبد السفينة وقال موسى جئت شيئاً إمرا (فعلت شيئاً لا يطاق) فرد العبد إني قلت لك بأنك لن تصبر على أفعالي، فطلب موسى السماح على أن يكمل الطريق معه وهذا ما حصل.
وخلال الرحلة التقيا بغلام يلعب وإذا بالعبد الصالح يقتله فغضب موسى وقال له: لقد فعلت شيئاً منكراً، فقال العبد الصالح: قلت لك انك لن تصبر على ما ترى. فتعذر موسى مرة أخرى وتابع معه السير حتى وصلا إلى قرية وطلبا من أهلها طعاماً ولكن أهل القرية كانوا لئام ولم يقدموا لهم الطعام، وبالمقابل قام العبد الصالح بترميم جدار القرية الذي كاد أن يهدم بالرغم من رفض أهل القرية تقديم الطعام له، فعجب موسى من هذا العمل، وقال: لا ينبغي أن تقيم هذا الجدار حتى يطعمونا ويروونا. وهنا قال له العبد الصالح انه لا يستطيع الاستمرار بمرافقته لأنه لم يصبر ويجب عليه مفارقته.
لكن قبل الفراق أراد العبد أن يوضح ويفسر له معنى الأعمال التي قام بها والتي لم يستطع عليها صبرا.
أما خرق السفينة فجاء من أجل منع الملك الظالم أن يأخذ السفينة غصباً لأنها ملك قوم مساكين يتعيشون عليها، فإذا كانت السفينة معيبة لم يأخذها.
وأما الغلام فقتله جاء من أجل إبعاد طغيانه وفساده عن والديه، لكي لا يقودهم إلى الجحيم من هذا الفساد في الدين، حيث يمكنهم ولادة طفل يكون سنداً لهم في الدنيا.
وبالنسبة لبناء الجدار فإن تحته كنز ليتيمين وان الله أراد أن يحفظ حقهما من لؤم أهل القرية الذين لو اكتشفوا أمر الكنز لأخذوه وضاع حق اليتيمين.
قصة موسى والخضر هي قصة رسول موحى إليه ومعه منهج حياة ممثلا في التوراة، فيه افعل ولا تفعل أي علم الشريعة، علم الظاهر، وقصة عبد صالح أتاه الله رحمة من عنده وعلمه من لدنه علماً. علم الحقيقة، علم الباطن.
في البداية أود أن أوضح أن تصنيف معاني القرآن والحديث إلى ظاهر وباطن لم يكن دعوى من الصوفية، بل كان الأساس قائم في إطار الفكر الإسلامي ذاته، وكان للتأويل سابقات نراها حتى في عهد صدر الإسلام، حيث هناك أحاديث منسوبة إلى الرسول تقول بأن القرآن ظهرا وبطناً، وهذا شاهد على أن سأله الظاهر والباطن في مدلولات القرآن، موجودة منذ فجر الإسلام. ويضاف إلى أن المصادر الشيعية تنسب إلى علي كلاماً يقول انه "ما من آية في القرآن إلا ولها أربعة معان: ظاهر وباطن وحد ومطلع".
في الفقه الإسلامي أيضا تظهر مسألة الظاهر والباطن في النصوص الدينية مثال على ذلك الإمام الشافعي ( 767-819م) يقول في معرض دفاعه عن مبدأ "القياس" في استنباط أحكام الشريعة الإسلامية، بأن العلم يحصل "من وجوه: منه إحاطة في الظاهر والباطن، ومنه حق في الظاهر"، ومسألة الظاهر والباطن يمكن أن نجد لها أصل في القرآن نفسه في سورة آل عمران الآية 7: "وهو الذي انزل عليك الكتاب منه آيات محكمات، وأخر متشابهات. فما الذين في قلوبهم زيغ يتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم".
ففي القرآن، إذاً نوعان من الآيات: نوع الآيات المحكمة وهي ذوات الدلالات الظاهرة، ونوع الآيات المتشابهة، وهي التي تحمل دلالات غير ظاهرة من النص، وإنما هي من المعاني الباطنية التي لا تنكشف إلا بالتأويل.
ومن هنا فإن الصوفية اخذوا بعلم الباطن أو بالمعنى الباطني للنصوص القرآنية والسنة بالرغم من إقرارهم بعلم الظاهر للقرآن والسنة الذي هو للعامة من المسلمين ولكن ذلك من أجل عدم وقوعهم في تناقض حكم كونهم مسلمون والإسلام هو المنطلق والإطار لتفكيرهم وسلوكهم، أو لعدم المواجهة المباشرة مع المسلمين والنظام الإسلامي المسيطر.
نعود الآن إلى تفسير قصة موسى والخضر وفق التفسير الباطني لها: القصة تدور بين شخصين الأول عالم بالعلم الباطني اللدني "فوجدا عبداً من عبادنا أتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علماً" وهو الخضر العبد الصالح، والثاني هو موسى الذي يعلم بالشريعة التي هي علم الظاهر ويريد أن يتعلم علم الباطن العلم اللدني "هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشداً ". حيث بعث من قبل الله، وجاءت الأحداث في القصة لكي تظهر مدى معرفة الخضر بما وراء الأشياء (بباطن الأشياء) ومدى محدودية موسى في علم الظاهر الذي يحمله وكيف انه لا يستطيع الوصول إلى الحقيقة بما عنده من علم وهو الظاهر، الشريعة. فموسى ينظر بعين الشريعة لهذا أنكر خرق السفينة، وقتل الغلام بغير جناية، وإقامة الجدار لقوم لا يستحقون إكراما ولا معرفة.
وأما الخضر فينظر بعين الحقيقة، ولهذا بيّن لموسى ما وراء كل أمر من هذه الأمور الثلاثة من أسرار وغيوب، ولهذا نرى أن موسى سلم للخضر، لأن موسى لم يكن معه إلا علم الظاهر، علم الشريعة والخضر كان معه علم الباطن وهو علم الحقيقة، والعلم اللدني مقدم على العلم الشرعي، حيث انه لم يأت نتيجة تعلم ولا اكتساب إنما هو علم وهبي من لَدُن الله مباشرة وبلا واسطة "وعلمناه من لَدُنا علماً".
والعلم الشرعي يعرف من النصوص، ويعلم بالشواهد والأدلة، ويطلب من العلماء ويروى بالأسانيد.
والصوفية سموا العلوم الحاصلة بطريق المكاشفات العلوم اللدنية وهي أن يسعى الإنسان بواسطة الرياضات والمجاهدات في أن تصير الطرق الحسية والخيالية ضعيفة فإذا ضعفت قويت القوة العقلية وأشرقت الأنوار الإلهية في جوهر العقل، وحصلت المعارف وكملت العلوم من غير واسطة سعي وطلب في التفكر والتأمل، والخضر هو من الأولياء والخواص لأنه لم يحتاج إلى النصوص لمعرفة الباطن أو العلوم الإلهية والحقائق الربانية فهو يقف على أسرار الكائنات، ويعلم بأحكام الجزئيات.
وأما مجمع البحرين فهو المكان الذي وعد فيه موسى بلقاء الخضر، وهناك عدة تفسيرات حول مجمع البحرين فمنها أنه ملتقى بحري فارس والروم ومنها من عنى البحران هما موسى والخضر لأنهما كانا بحري العلم وهناك من قال بأن هذا المكان هو خليج أم رشرش (إيلات) ويمكن اعتبار مجمع البحرين برزخ كما ذكر في سياق المحاضرات، برزخ بين الظاهر والباطن.
ويمكن القول أن هنالك اثر لفكرة المثل الأفلاطونية في فكرة الظاهر والباطن، حيث يرى أفلاطون أن هناك علماً يقينياً ولا بد أن يكون لهذا العلم وجود، وهو غير هذا الوجود العادي وراء هذه المشاهدة فموسى يمثل الوجود العادي المشاهد والخضر يمثل عالم المثل اليقيني. لأن الموجودات اليقينية عند أفلاطون هي جواهر مجردة لا تدركها الحواس ولا يطرأ عليها الفساد والفناء وهي العلم المعقول الذي هو أصل العالم المحسوس ومثال له، وأما الموجود المادي فليس إلا ظلاً وخيالاً له.
ومن هنا فإن أفلاطون قسم الوجود إلى عالمين: الأول: عالم الحس وهو هذا العالم المشاهد وهو دائم التغيير عسير الإدراك ليس جديراً بأن يسمى موجوداً، ولا أن يسمى إدراكه علماً، بل هو شبيه بالعلم لأنه ظل وخيال للموجود الحقيقي. أي العالم الظاهر الذي يمثله موسى في القصة.
الثاني: عالم الحقيقة عالم المجردات وفيه أصول ما في ذلك العالم الحسي، وهو مثاله الذي صيغت عليه موجوداته كلها. ففي عالم المثل يوجد لكل شيء مثال هو في الحقيقة الموجود الكامل لأنه مثال للنوع لا للجزء المتغير الناقص، فهناك إنسانية الإنسان وحيوانية الحيوان وخيرية الخير وشكلية الشكل وهكذا. وهذا هو عالم الباطن الذي يمثله الخضر في معرفته.

1
.
firas suffori
5/11/2010
ro3a !!! i like that
2
.
someone
7/11/2010
واووووووووووو ضربة للسنة من تحت الخاصرة