[x] اغلاق
رأي- الدين والجنس والسياسة ثلاثي يجمع المخرج نجدت أنزور بالكاتبة هالة دياب فأنجبا مسلسل ما ملكت أيمانكم
30/12/2010 11:08
لا يخفى على أحد الزوبعة الإعلامية التي حدثت حول مسلسل ما ملكت أيمانكم المأخوذ من آية قرآنية أثار إلى جانب مضامينه تجاه رجال الدين والمتدينين جدلاً واسعاً فالبعض فسره على أنه يسخر من الدين، بينما اعتبره البعض الآخر كشفاً عن المتاجرين به لأهداف شخصية وسياسية. هذا السجال دفع بأحد رجال الدين البارزين، الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي، إلى توجيه رسالة نذير ومناشدة إلى المحطات الفضائية التي تبثّ المسلسل، ناقلاً إليها "نذيراً من غضبة إلهية عارمة"، مناشداً إياها "صرف هذه المصيبة المرعبة"، حسب قوله، مندداً باقتطاع عنوان المسلسل من آية قرآنية قائلا (إنني لست متنبئاً بغيب، ولست من المتكهنين بأحداث المستقبل. ولكني أحمل إليكم النذير الذي رأته عيني، إنها غضبة إلهية عارمة، تسدّ بسوادها الأفق، هابطة من السماء وليست من تصرفات الخلائق .. إنها زمجرة ربانية عاتية تكمن وراء مسلسل السخرية بالله وبدين الله، الفياض بالهزء من المتدينين من عباد الله ، إنه المسلسل الذي أبى المسؤول عنه إلا أن يبالغ في سخريته بالله وبدينه، فيقتطع من كلام الله في قرآنه عنواناً عليه، ويسميه ساخراً: ما ملكت أيمانكم .. وإني على يقين أنه تورط من هذا المسلسل في أخطاء وانحرافات كبيرة، لا سيما إطلاق الكلمة القرآنية ذات الإيحاءات المعروفة في أذهان كثير من الحداثيين والعلمانيين والملحدين، ونحن لم نفهم من هذا الإطلاق إلا السخرية بالكلمة القرآنية. فما كان من المخرج نجدت أنزور طلب التريث في إطلاق الحكم على المسلسل ريثما ينتهي عرضه مؤكِّداً على أن رسالة المسلسل إيجابية يريد من خلالها تسليط الضوء على أخطاء فئة من المتدينين الذين لا يحجبهم الدين عن منكر أو فاحشة، ويتذرعون بالدين لمنافعهم الشخصية وشهواتهم الآثمة… فكان هذا المسلسل الذي حمل في عنوانه تحدياً كبيراً للقيم الإسلامية، وكان منذ اختياره يعزف على وتر حساس لدى المسلمين لكونه جزءاً من آية كريمة يشار من خلالها إلى الرقيق… ولقد أردت أن أمتثل لطلب المخرج وأتريث في تقييم رسالة المسلسل وهدفه وآثاره ريثما ينتهي بعد أن تابعته بنفسي منذ مدة قريبة..
يدخل المسلسل في تحليل ظاهرة نشوء التيار الظلامي السياسي، وربطه بنمو طبقات البرجوازية الجديدة (الأثرياء الجدد) في المجتمع السوري والمجتمعات العربية بشكل عام. . .هذا الربط الذي يبدو للوهلة الأولى غير مقنع بين أشخاص تجردوا من كل القيم الدينية والاجتماعية والأخلاقية حتى وصلوا إلى قمم الثراء، وبين تيارات تتبنى الفكر الديني بأشد تجلياته تطرفا، في ظاهره نسك وتقوى وورع وزهد، وفي الباطن أشكال مقرفة من التداخل مع الطبقة التي نشأت بفعل عمليات النهب والفساد، وتمارس أفظع الممارسات الأخلاقية حتى على المستوى الشخصي حتى تصبح ظاهرة مثل نسيب بك (يلعب دوره عبد الحكيم قطيفان) مجالا للمقارنة مع كثير من الشخصيات التي ظهرت عقب مرحلة التسعينيات وتورم الطبقات الجديدة، وتحول رموز الطبقة الجديدة إلى شخصيات اجتماعية تدخل العمل العام وتمارس السياسة بعد أن دان لها الاقتصاد بفعل تغلغلها في أجهزة السلطة ومشاركتها معها.
نسيب بك أو نسيب الهشيمي، الأب والجد الحنون والمثالي، يظهر حقيقة وحشيته وأنانيته عندما تعجبه امرأة (عليا ـ ديمة قندلفت)، فيعود إلى ممارسات البلطجة التي صنعت هذه الطبقة، ويلاحقها كمراهق يريد من أبيه «موبايلا» أو سيارة، يُخرج من يريد من السجن ويتسبب عبر ابنه الشاذ بفقدان المدرس النزيه أمين لعمله في التدريس عبر اتهامه بعلاقة شاذة مع ابنه، بينما ابنه في الحقيقة يمارس الشذوذ مع زملائه في المدرسة عبر الابتزاز والتهديد، وتبدو الإدارة مطواعة مع ابن البيك في فصل من يريد فصله واعادته عندما يرتئي ذلك!! ويصل الأمر بالابن المدلل إلى ممارسة شذوذه مع اقرب الناس إليه واعز الناس على نسيب بك، ابن أخته الطفل المعاق.
يدير نسيب الهشيمي إمبراطورية مالية متشعبة وشبكة علاقات قذرة، ويخوض انتخابات مجلس الشعب وينجح طبعا ويلاحق الفتيات بشبق غريب لا يشبه إلا شبقه للمال، لكنه ينسق مع الشيخ توفيق (مصطفى الخاني) بـ«التبرع» بمبالغ هائلة للتنظيم الإرهابي الذي يبدو أن للشيخ دورا كبيرا فيه، مقابل أن يضغط توفيق وجماعته على الشيخ المنافس له لينسحب ويساعدوه على تبييض صفحته أمام الجمهور الغائب عن الوعي، وهنا يبرز المسلسل الدور الخطير للمؤسسة الدينية وتجلياتها السياسية في تخدير وعي الناس، والبيع والشراء تحت غطاء من الضجيج الكلامي حول الدين وإعادة الخلافة الإسلامية وما شابه من شعارات كاذبة. . . .
على المستوى الشخصي يقدم المسلسل الشيخ توفيق كنموذج مثالي للشخصية الأصولية المتطرفة، تقوى وورع وترداد للمحفوظات الغيبية لشيوخ التطرف والتعصب من ابن تيمية إلى سيد قطب على الملأ، ونظرة دونية للأنثى تجلت في معاملته لأخته ليلى (سلافة معمار) سواء عندما كانت خارجة مع صديقاتها السافرات في المعهد، فيجن جنونه ويضربها في الشارع لأنها تخرج مع هؤلاء الفاسقات، اللاتي ينظر هو إليهن بمزيج من الحقد والاشتهاء، أو عندما يكتشف علاقتها بعامل البناء الشاب في الحارة (سعد مينه) فيقوم بتشويه الشاب وإقامة حد الزنا على أخته رغم مقاومة أبيه الشيخ عبدالوهاب رجل الدين المعتدل.
يقابل هذا السعار الأصولي الظاهر عنده مجون وتجرد من كل القيم يتجسد في علاقته بصديقة أخته ليلى حيث يستغل انفراده بها ويمارس معها الجنس، وعندما تخبره بأنها حامل يبدأ في إهانتها واتهامها بأنها هي التي أغوته ويضربها ثم يرميها من سيارته إلى الشارع، ويعيد نفس التصرف مع أرملة الشهيد التي كان يقوم بإيصال المساعدات من الإخوة إليها، فيقيم معها علاقة جنسية وحالما تخبره الأخرى أنها حامل يقتلها بدم بارد ويخبر الإخوة بأنها آثمة ووجب إقامة الحد عليها . . .هذه الثنائية بين الفساد والأصولية مع ما يتفرع عنها من تفاصيل، (مثل تداخلها مع بعض مراكز النفوذ والسلطة، ولعبة تبادل المنافع بين الأطراف الثلاثة) هي المحور الأهم في المسلسل، لكن هناك محور مهم آخر يتعلق بوضع المرأة وحالة الاستلاب النفسي والجسدي الذي تتعرض له في مجتمع متخلف لا يكتفي بالقيود المفروضة على المرأة نتيجة عقلية قروسطية، بل يضيف إليها القيود الناتجة عن الوضع الطبقي للمرأة، فالمرأة الفقيرة التي تعاني من كل القيود الاجتماعية والأخلاقية، تعيش أيضاً حالة من الاستغلال نتيجة حاجتها إلى العمل وتامين احتياجاتها واحتياجات أسرتها، ويشكل عمل المرأة لدى القطاع الخاص مكانا خصبا لاستغلالها وتحويلها إلى سلعة حيث النظرة الرأسمالية اليها كأداة إنتاج وليس ككائن بشري كما ورد في البيان الشيوعي قبل ما يقارب القرن ونصف القرن في معرض رد ماركس وأنجلز على البرجوازيين الذين يتهمون الشيوعية بإشاعة النساء.
عليا الفتاة التي تعمل في صالون حلاقة تتعرض إلى استغلال من غرام (رنا الأبيض) توصلها إلى بيع جسدها ثم إلى استغلال مرة أخرى لتغطية «العار» الناجم عن فقدها للعذرية، وينتهي بها المطاف إلى زواج هو في الحقيقة هروب من المآسي التي تعيشها والاستغلال الذي تتعرض له من غرام ومحاولات إغوائها من نسيب بيك، لكن هذا الزواج لا يلبث أن ينتهي بالطلاق لتأتي طائعة إلى مصيدة نسيب الذي يعاملها في النهاية ككل نسائه، المتعة مقابل المال. . . .حالة عليا هي جزء من محاولة المسلسل لملامسة علاقة المرأة بجسدها وبالبيئة الاجتماعية والأخلاقية، وهو موضوع شائك ويتكرر في أكثر من حالة في المسلسل، إذ تفقد ليلى رغبتها الجنسية نتيجة الكبت والانغلاق المفروض عليها، وتكون نتيجة ذلك عجزها عن ممارسة علاقة زوجية مع زوجها المتدين لكن المنفتح محمود الذي يأخذها إلى باريس ويسمح لها بخلع الحجاب والدخول في حياة باريس في محاولة لاستعادة حياتها الحقيقية، ويأتي الموت المبكر لمحمود ليرمز إلى تراجع التيارات الدينية التي تحاول تطويع الفكر الديني ليتلاءم مع العصر، وانتصار التيارات الأكثر تزمتا وانغلاقا.
تبقى الإشارة إلى حالة الأستاذ أمين وأسرته كرمز للطبقة المتوسطة التي تعيش حالة اضمحلال وتراجع في المجتمعات الشرقية، وهو يحمل قيم اجتماعية علمانية منفتحة، لكنه يدفع ثمن استقامته وتحرره من عقد المجتمع السائر نحو المزيد من التدهور من جهتي نمو الطفيليات البرجوازية وتعملقها على جسده ونمو التيارات الأصولية، فيفقد عمله، بل ويحرم من أي فرصة أخرى بعد اتهامه الظالم بالتحرش بابن نسيب بيك في المدرسة التي يدرس فيها، وترفض المدارس الخاصة وحتى أهالي الطلاب تكليفه بتدريس أولادهم!! فيما تعيش ابنته نادين تمزقا حقيقيا حين تتعرف إلى نموذج المثقف الانتهازي المنافق والمخرج المسرحي (نضال نجم) الذي يريد إغواءها باسم الحب والحرية، وحين تكتشف نواياه وتبتعد عنه يحاول إغواء والدتها (نادين)، وكذلك مع محاولتها العمل لدى محام يبدو كصورة أخرى عن الرجال الآخرين الذين لا يرون في الأنثى إلا أداة للمتعة وتحقيق الرغبات.. . تظهر هذه العائلة حالة الطبقة المتوسطة التي انحدرت قطاعات كبيرة اقتصاديا إلى القاع الاجتماعي، وهزمت معها قيمها وأخلاقياتها التي رغم كل مثاليتها وتأرجحها تبقى أنظف واقل إيلاماً من «لاقيم» الطبقة الجديدة التي تسلقت السلم الاجتماعي عبر طرق مشبوهة وغير مشروعة وهي لا تملك أي رصيد تاريخي أو اجتماعي أو وطني.
هناك محاولة لمصالحة ما بين طبقة الأثرياء الجدد نسيب بيك وبيئته وبين طبقات القاع الاجتماعي عبر صهري نسيب الذين ينحدران من بيئة فقيرة (سعيد ـ خالد القيش، وبشير ـ مهند قطيش) ويدخل هاني شقيق سعيد (يؤدي دوره الفنان الشاب يزن السيد) في الأحداث عبر اضطراره إلى ترك دراسة الهندسة لإعالة أمه المريضة والعمل مع شاب عراقي في سرقة السيارات بعد أن أدار أخوه سعيد ظهره للبيت، وتركه وحيدا مع أمه ملتحقا بنسيب بيك وثروته وأعماله، وحين يكتشف سعيد أن أمه قد انتحرت وان أخاه دخل السجن يحاول لملمة الوضع وضم أخيه إلى مملكة نسيب بيك لكن أخاه سرعان ما يتهم باغتصاب ابنه المعاق ويطرد.
لماذا تسليط الضوء على جرائم الشرف التي لا تمت للدين بصلة وما فيها من ظلم كبير للضحية ؟! لماذا تسليط الضوء على عقائد فاسدة تتعلق بمبدأ لا يمت للدين أيضاً بصلة وهو: الغاية تبرر الوسيلة، وكشف الزيغ والزيف عن قضية الجهاد والتفريق بينه وبين جرائم قتل الأبرياء وسلب أموالهم وتحديد العدو الحقيقي لأبناء الأمة…فأحداث المسلسل تتناول فئة من الفتيات اللواتي تحكَّم بهن الجهل والخوف وظروف المجتمع البعيد عن تعاليم الإسلام حتى وصلن إلى ما هنَّ عليه من الضياع والعبودية، وتسمية هؤلاء بعبارة من القرآن أطلقها الله تعالى على فئة في المجتمع وهن الإماء أمرٌ فيه ما فيه من الإساءة لأحكام الدين وتعاليمه، وخاصة أن الإسلام كان أول من وضع قدماً على طريق تحرير العبيد قبل أي أحد في العالم، (ولستُ الآن بصدد الخوض في هذه التفاصيل)، ولكن كان في هذا العنوان إساءة ربما لم يقدرها السيد المخرج أو السيدة الكاتبة… فأيُّ مقاربة كانت بين هذه العبارة وبين قصص بطلات المسلسل؟!، ولو كان المقصود استخدام أي تعبير عن الجواري والإماء لكان الابتعاد عن الدلالة القرآنية أولىى.. فقد قضينا مع المسلسل 30 ساعة من المشاهد السلبية التي تصور بشاعة تلك الفئة التي تلتزم بالدين ظاهراً ولكن في الحقيقة تتحكم بها ثلاثة أمور هي: الشهوة والجهل والسلطة…
الشهوة التي جعلت ليلى تقترب من الحرام وصديقتها ديمة تقع في الحرام وتعاشر الشباب ومن هؤلاء الشباب كان توفيق أخو ليلى، كما جعل توفيق يقارف الحرام مرات ومرات، والجهل الذي جعل توفيق أيضاً يقتل الأبرياء ويختلط عليه مفهوم الجهاد، ويسرق ويجلد أخته دون وجه حق، والجهل الذي جعل ليلى تدمي جسدها لتتخلص من شهوتها، وجعل الآنسة هاجر (الشيخة) تشجع على جلد ليلى وتحرض عليه، والسلطة التي جعلت توفيق يساعد نسيب الهشيمي في وصوله إلى مجلس الشعب مقابل المال ومقابل كسب الدعم ليبقى هو قائداً في جماعته قادراً على الحل والربط والتحكم بالعباد، والسلطة التي جعلت الآنسة هاجر تفرح بتحلق الطالبات حولها فتجنح إلى غسيل أدمغتهم لتضمن اتباعهم لها والتمسك بمرافقتها والالتفاف حولها…وهنا تكمن خطورة المسلسل في أن هذا الكم الكبير من المشاهد السلبية والمواقف المنفرة على مدى هذه الحلقات الطويلة قد شكلت لدى المشاهد رابطاً سلبياً تجاه أيِّ أحدٍ يشبه هؤلاء… أي أحد (ملتحي – ترتدي حجاباً– حجاباً أبيض مربوطاً حجاباً كحلياً– منقبة…) أي أحد كهؤلاء سيبدو لأفراد المجتمع شخصاً سيئاً منفراً قيد الاتهام ريثما تثبت براءته، وهو شخص غير مرغوب فيه في المجتمع، وهذا كما أسلفت لأن ما يمثله هؤلاء ليس مهنة كالطب أو التعليم بل هم يعبرون عن ثقافة فكرية وتوجه عقيدي ترتبط به الأمة ارتباطاً وثيقاً… وفي هذا ضرر وأي ضرر على الأجيال والمجتمع ككل في كونه يعمق الهوة بين المتدينين المعتدلين القائمين على الحق والذين لهم شكل هؤلاء ذاته، وبين عامة الناس من أفراد المجتمع والأجيال الناشئة..
لقد ترسخ التنفير من فئة المتدينين بسبب أن المسلسل لم يقدم البديل الإسلامي الإيجابي عدا شخصية الشيخ عمار الذي عمد المخرج من خلاله إلى تقديم الموقف الإسلامي الصحيح في قضية الجهاد وجرائم الشرف، ولكن الشيخ عمار لم يكن إلا كتاباً متحركاً يحكي الرأي الإسلامي ويقدمه…. بمعنى آخر لم يكن له أي بعد نفسي أو اجتماعي فلم نره أباً ولا زوجاً ولا شخصاً منتجاً في المجتمع لذا لم يكن نموذجاً إيجابياً للمسلم الحق… أما فيما يتعلق بمحمود والشيخ عبد الوهاب فأي صورة إيجابية قدمها كل منهما!!! محمود الذي وافق زوجته على نزع الحجاب واكتفى بأن طلب منها أن تختار لحياتها ما تريد وأن تعرف ماذا تريد وأنه سيبقى معها يساعدها بكل ما أوتي من قوة…!! هل هذا يعني أن الحجاب ليس فريضة!! محمود الذي اعترض وبحزم على دخول زوجته إلى البار وجلوسها مع الذين يشربون الخمر ثم سكت عندما طلبت منه أن تجرب الحياة لتختار هي ما تريد!!هل هذا يعني أن على المسلم المعتدل أن يجرب المعاصي ليختار الطاعة!! محمود الذي عمل على انتقال بيتهم من الحي الإسلامي لتعيش زوجته مبتعدة عن التيار الإسلامي المنتشر في الغرب ولتتخلص من نصائح المسلمين القاطنين فيه وانتقادهم بسبب نزعها الحجاب!! هل هذا تأكيد على تعنت المتدينين في الغرب والسعي للابتعاد عنهم ليعيش الفرد بسلام!! والشيخ عبد الوهاب السلبي الذي لا حول له ولا قوة، والذي استطاع ابنه تنفيذ حكم جاهل غبي بحق أخته فلم يفعل شيئاً ولم يحرك ساكناً!! الشيخ عبد الوهاب الذي لم يملك الجرأة ليواجه ابنته بعد أن ظلمها أخوها فلم يودعها ولم يقبل رؤيتها قبل سفرها!! الشيخ عبد الوهاب الذي لم يستطع أن يربي ابنه على نحو يميز من خلاله بين الحلال والحرام ولا حتى على نحو يلتزم فيه العفة…!! الشيخ عبد الوهاب السلبي الذي لا عمل له إلا الجلوس في الجامع!!! الشيخ عبد الوهاب الذي يتحدث بالفصحى حتى في بيته حتى نرى فيه نموذجاً جافاً وغير عملي للحياة الأسرية!! الشيخ عبد الوهاب الذي استقبل ابنته دون حجاب واعتذر منها عن جلد أخيها لها وفي النهاية يذكرها فيقول لها: أين العهد يا ابنتي؟؟ دون أن يصرح بكلمة الحجاب فتؤكد له: أن العهد هو عهد الإيمان والذرية الصالحة وأن ورده ما زال معها وستحتفظ به لابنها عبد الوهاب حتى يكبر!!! فيسكت ويصمت وينتهي الموقف!!!بربكم أهذه هي الشخصيات الإسلامية المعتدلة التي قدمها المسلسل لتقدم الصورة الحقيقية للإسلام المعتدل والمسلمين الإيجابيين؟؟؟ وهل ما قدمته هذه الشخصيات تمثل الدين الحق أم الدين كما يراه السيد المخرج والسيدة الكاتبة!!…ربما سيقول قائل الآن: وهل يُفترض أن يتم ذلك؟ لم لا يشاهد المشاهد الصورة السلبية فقط؟!! هل إذا قدم المسلسل نموذج رجل الأعمال الفاسد كان عليه أن يقدم نموذج رجل الأعمال الصالح كي لا يقال إن هذا تأكيد على أن كل رجال الأعمال فاسدون؟؟!! أقول: لا بالتأكيد إن هذا ليس ضرورياً فالنقد والإصلاح يمكن أن يكون بتقديم الصورة السلبية فقط بطريقة منفرة لتعزيز كرهها والتنفير منها… ولكن عندما تكون هذه الصورة السلبية تتعلق بمن يمثل تياراً فكرياً أو عقيدة معينة وليس مهنة معينة أو وضعاً اجتماعياً فإن الموضوع عندها يكون قد لامس خطاً أحمر وخاصة إذا كان هذا التيار الفكري أو العقيدة تتعلق بها البنية الحضارية والتاريخية لأمة ما…
السلبية الرابعة والمدمرة التي أتى المسلسل على ترسيخها والدعوة إليها حيث إن المسلسل جاء ليقول للمشاهد والمشاهدة العربية: إن أحد أساليب التخلص من استعباد المرأة وذلها وتحررها من الكبت والخوف يكون بترك الوطن الشرقي المسلم والسفر إلى الغرب (فرنسا) هناك حيث استطاعت ليلى التخلص من خوفها وكبتها وخنوعها فنزعت حجابها وتعلمت وانطلقت…. هناك أيتها الفتيات وأيتها النساء المسلمات تتخلصن من الرق والاستعباد، وتصبحن قويات قادرات على تحمل مسؤولية الحياة ولو مات زوجك وعشت وحيدة، ولكن شرط أن تبتعدي عن الأحياء الإسلامية وعن أجواء المسلمين هناك فهم لا يختلفون كثيراً عن مسلمي بلدك لا في تشددهم ولا في انغلاق فكرهم وأفقهم… أليس هذا ما قدمه المسلسل للأسف!!!!
والتأكيد على انتصار الباطل وترسيخ ثقافة الخنوع واليأس فالطالب الشاذ جنسياً يعتدي على صديقه الفقير مقابل المال ويتحدى معلمه الذي كشفه، وينجح في طرده من عمله، ويُكرَّم في مدرسته من قبل المدير ويهتف له زملاؤه ويرفعونه على الأيدي ويصفقون له لأن والده مسؤول كبير، ثم كيف تكون عقوبته في نهاية المسلسل؟ يكشفه والده فيمسكه من يده وينزله على الدرج بقوة ويضربه، ولماذا؟ لأنه اعتدى على ابن أخته الصغير وهذا يعني أننا لم نعرف سبب ما ناله الفتى من عقوبة (بسيطة بكل الأحوال) هل لأنه اعتدى على ابن أخته أو لأنه يقوم بهذا الفعل الشاذ!!!! على كل حال ضربه والده وسبه وانتهى الأمر هكذا كانت عقوبته!! (بسيطة يعني!! ) وإن ختم المخرج المسلسل بعبارة أن المدرس قدم طلباً إلى وزارة التربية وطلب إعادة التحقيق في القضية ولكن ماذا كانت النتيجة الله أعلم!!
والمسؤول الكبير نسيب الهشيمي تقول عنه الكاتبة (ولقد تم استخدام اسم‏’‏ هشيمي‏’‏ تيمنا بقول الله تعالى‏ بسورة الكهف "‏ واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله علي كل شيء مقتدرا‏" (صدق الله العظيم‏ ) للترميز لتحول ثروته إلى هباء منثور حيث أن عائلته مفككة ونسله متعفن مثل ابنه شادي الذي يعطي لنفسه الحق في استغلال سلطة والده ليستغل صديقه الفقير جنسيا‏.‏) وإنني أستغرب هذا الربط فما قدمته الكاتبة والمخرج في المسلسل لم يوحِ بشيء عن هزيمة هذا المسؤول أو خسارته، فقد استطاع أن ينال من الفتاة الفقيرة (عليا) ويقضي مأربه منها بعد أن صمدت أمامه فترة طويلة، ثم رمى لها مبلغاً من المال ومضى، وتعاون مع الجماعات الإرهابية وموَّلها مقابل أن تدعمه ليصل إلى مجلس الشعب، ثم وصل بين تصفيق الناس وتهليلهم، وانتهى المسلسل بنظرة يلقيها على الناس وهو يدخل حرم مجلس الشعب مع السادة النواب والأعضاء!!! فأين خسارته وأين عاقبته هل نفهم من هذا أن نتعظ فنتحاشى الوقوف في وجه أمثاله من حيتان الأرض وأباطرة المال لأن الوقوف لن يجدي والنصر حليفهم بالتأكيد!!!!! ثم هناك تساؤل أطرحه على استحياء: أهكذا هم أعضاء مجلسنا الموقر مثلاً!!
إلى الكاتبة الدكتورة هالة دياب المحترمة:
لقد بينتِ في دوافعك لكتابة المسلسل فقلت: نظرية الخوف‏…..‏هي التي دفعتني للفكرة‏…‏نحن نعيش في قوقعة الخوف في مجتمعنا العربي‏….‏و هذا ما يجعلنا إماء وجواري‏….‏نحن نخاف من كل شيء لا نستطيع تغييره‏….‏نخاف من السياسة ومن الدين ومن الجار ومن المجتمع ومن الزوج ومن الأب حتى من الحب ومن الرغبة ومن الجنس نخاف‏…‏ ونخاف أيضا من الحلم‏….‏فهل يا عزيزتي تجدين نفسك قد أزلت أسباب الخوف عن بنات المجتمع ونسائه ودفعتِ بعجلة مجتمعنا نحو الأمان والجرأة بهذا الطرح الذي قدمته في المسلسل؟!! وهل مساواة طرق الرق والعبودية التي تمارس ضد المرأة في مجتمعاتنا تتساوى فيها العاهرة والمتدينة!!! فتكون كل منهما عبدة وأمة ما لم تتحرر من خوفها وتثق بنفسها وتجعل الدين عبارة عن مشاعر قلبية فقط وبعض العبادات التي ليس الحجاب واحداً منها على الإطلاق، ولن يكون هذا متاحاً إلا في بلد أجنبي منفتح تحصلين فيه على حريتك كفرنسا ولندن….أليس هذا ما قدمته في المسلسل أم لك تحليل لما رأيناه آخر!!!
أنا لا أشك أن في مجتمع المتدينين والمتدينات من قد تتغلب عليهم أهواؤهم ورعوناتهم فيتورطون في الانحراف، وهذه سنّة ربانية ماضية في المجتمعات والعصور كلها،ولكن من الذي يبرر أن نلطخ بياض الاستقامة البالغ 80% من المجتمع المتدين بسواد 20% منه؟! من الذي يبرر أن نستعلن بهذه الأخطاء ونخرجها أمام الأبصار بطريقة مغرية، تشجع الشباب على اقتحامها، وتهون أمامهم من خطورتها، دون أن نبرز مظهر الاستقامة والمستقيمين، ونجعل منه مشجعاً للسير في طريقه. كلنا متورطين في أخطاء كثيرة، ولكننا مستورون بستر الله؟ فهل من العمل الإنساني أو الفني الهادف أن يأتي من يكشف عنا هذا الستر الذي تفضل علينا به الله.. إذاً المسؤولية ليست مسؤولية المخرج وحده، بل هناك المؤلف أو المؤلفة، ولعلها تتحمل من ذلك القسط الأكبر..
وفي الختام: أقول إن ما قدمه المسلسل من إساءات كبيرة للإسلام والمسلمين أكثر بكثير من الفائدة التي حققها، والتي كان من الممكن تأديتها بأسلوب آخر أكثر وعياً وأكثر حرصاً على واقع الجيل ومستقبله… وإن كانت النوايا وراء هذا المسلسل حسنة وقد كبا الفرس هذه المرة بالقائمين على إنتاجه، فإننا نرجو وننتظر من طاقم العمل نفسه عملاً آخر يقدم الصورة الإيجابية الحقيقية والمشرقة للإسلام والمسلمين المتدينين المعتدلين الذين تزخر بهم مجتمعاتنا على نحو يتم تقديمهم لكل الأجيال والتعريف بهم وحثهم على الاقتداء بهم… ننتظر عملاً آخر يقدم القدوة الإيجابية التي تعيش بسلام وأمن نفسي وتصطلح مع واقعها وتشيع الخير والمحبة حولها وتمسك بيد الأجيال نحو الخير والصلاح لا نحو التشتت والضياع لأن إعلامنا الكريم إن بقي على هذا الطريق فالقادم بالتأكيد سيكون ربما أسوأ من أسوأ ما نتخيل…!!!!