[x] اغلاق
الهلال والصليب ليس مجرد شعار بل جوهر الحياة المشتركة في الوطن العربي
6/1/2011 17:59

"الهلال والصليب" ليس مجرد شعار بل جوهر الحياة المشتركة في الوطن العربي
زياد شليوط

سيل من المقالات والتصريحات والأخبار والتقارير ملأت الصحف والمواقع الالكترونية العربية على مدار الأسبوع المنصرم، وجلها تندد وتستنكر وتستعظم الجريمة النكراء والاعتداء الجبان في منتصف ليلة رأس السنة الجديدة، على كنيسة "القديسين" في مدينة الاسكندرية في مصر، وسقوط 23 قتيلا فيها وأكثر من 80 جريحا، طالت عددا من المسلمين وليس المسيحيين فقط. وأول سؤال خطر ببالي أمام ذلك السيل الكبير من الكلام، هل كنا بحاجة الى جريمة بحجم جريمة كنيسة "القديسين" لكي ترتفع الأصوات وتكثر الدعوات وتطلق التصريحات وتتفجر المشاعر، ألم تكن جريمة  كنيسة "سيدة النجاة" في بغداد قبل شهرين مدعاة لمثل تلك الوقفة؟ كما تساءلت هل سيتوقف الارهاب عن تفجير الكنائس بعد هذه الحملة الاعلامية القوية، أم أنه سيستمر في مخططه اللئيم والخسيس رغم تهديد احدى الكاتبات الاسكندريات له وتحديها لهذا الارهاب الجبان الذي لن يقوى على تفريق المسيحي عن المسلم أو المسلمة عن المسيحية؟
ان نقطة الضوء التي رأيناها في سواد الغيوم الارهابية الأخيرة، هي نور شمعة التآخي والتأكيد على أخوة "الهلال والصليب" كما كنا نعيشها في طفولتنا وحداثتنا أيام المد القومي والثورات العربية التحررية، لكن تلك الشمعة للأسف، ضعف نورها وخبا مع تغير وتبدل الأحوال والظروف والقيم، حتى بتنا نفتش عنها بالمصابيح الكاشفة في السنوات الأخيرة علنا نعثر على أثر أو رسم لها. ان الأصوات الجريئة والمخلصة من رجال دين ومن نساء ورجال سياسة وفن وأدب واعلام، أعطتنا الثقة بأن هذه الأمة ما زال فيها الكثير من الخير، وأن عناصر الخير فيها أكثر بكثير من عناصر الشر والفساد. لكن عناصر الخير تملك النوايا ولا تملك القوة، تملك النية لكنها لا تملك الوحدة، ولهذا فان عناصر الشر المدججة بالسلاح وبـ"العقيدة" كما تفهمها، تبدو أكثر تنظيما وقوة على قلتها، لذا فان صوت تفجيراتها أقوى وتأثير تهديداتها أشمل.
وربما تعطينا ردود الفعل الايجابية والقلقة على مصير الوطن، والمتمسكة بالتلاحم العروبي، بارقة أمل بأن نفكر بواقعية وعقلانية وأن نتفهم ونستوعب ردود الفعل الغاضبة – الى حد الخروج عن المألوف والمعقول- لدى الجمهور المسيحي العربي، حيث ذهب البعض الى المطالبة بالرد على العنف بالعنف أو بالمقابل الهجرة من الأوطان الى الغرب. والحلان غير معقولين أو مقبولين على الغالبية المسيحية، لأنهما غير منطقيين ويتناقض الأول منهما على الأقل مع جوهر الديانة المسيحية ورسالة السيد المسيح، له المجد. فالسيد المسيح لم يدع الى محاربة العنف بالعنف، ونعرف تلك الواقعة الواردة في "الانجيل" عندما استل القديس بطرس سيفا وضرب به غلام رئيس الكهنة فقطع أذنه ليلة تسليم السيد المسيح، فنهره الأخير بأن يعيد السيف الى موضعه قائلا له "ان كل من يأخذ السيفَ بالسيفِ يهلك." كما أنه دعا الى محبة العدو والمضطهد (بكسر الهاء) ودعا الى التسامح والمغفرة للآخر خاصة عندما يخطيء ويعتدي "أحبوا أعداءكم. أحسنوا الى مبغضيكم. باركوا لاعنيكم. صلّوا لأجل الذين يفترون الكذب عليكم." (لوقا 6:27-28). ومن هنا فان دعوات الرد بالمثل على العنف مرفوضة ومناقضة لدعوة المسيح والمسيحية.
أما حل الهجرة كما يراه كثير من المسيحيين، فهو نابع من تكرار وازدياد حالات الاعتداء عليهم وعلى ممتلكاتهم ومقدساتهم، دون رد قوي من قبل السلطات أو المجتمعات التي يعيشون فيها. صحيح أنه وقعت اعتداءات على مساجد وعلى أبناء طوائف وفرق اسلامية، لكن بما أن عدد المسيحيين قليل ولا ظهر يحميهم ولأنهم لا يمتلكون السلاح أو ليس لديهم تنظيمات عسكرية، أسوة بالفرق الأخرى، أضف الى ذلك قلة عددهم وانصرافهم الى أمور الحياة والعلم والعمل وطلب السلم والأمن، والابتعاد عن الصراعات الفئوية يسهل ضربهم والتأثير عليهم وتحولهم الى التفكير في الهجرة كحل لأزمتهم، لكن هل جلبت الهجرة الأمن والأمان والهدوء النفسي لمن سبق وترك وطنه الى الغرب؟ وهل يعيش المهاجرون المسيحيون في الغرب في أوضاع أفضل، ولا أقصد الوضع المادي هنا؟ ثم من يضمن لنا مكانا وعملا وعلما اذا طلبنا الهجرة اليه؟ هل الأمور تسير بتلك البساطة، هل الهجرة مجرد كلمة وتلفظ دون أي مسؤولية؟ ألا يجدر بنا التفكير أن هذا  هذا ما تبيته لنا قوى الشر، أو ما تخطط له منظمات الارهاب الحاقدة. فهل نساعدها على ذلك؟ ثم ألم تسمعوا بتهديد الأقباط في ألمانيا ( في قلب أوروبا) وخشية السلطات هناك من حصول تفجيرات في كنائس الأقباط وغيرهم من المسيحيين حتى في دول الغرب؟ ألم تحصل تفجيرات قاتلة وأعنف في نيويورك ولندن ومدريد وغيرها؟ الارهاب لا وطن له ولا يعترف بحدود ولا تمنعه حراسة الشرطة عن ارتكاب جرائمه البشعة والمعادية للانسانية.
من هنا فانه مطلوب من غالبية أبناء المجتمع العربي الرافضة للارهاب ولضرب وتهجير المسيحيين أن تتحرك. صحيح أن الكلام والتصريحات والمشاعر تواسي وتقدم العزاء والرضى، لكنها لا تكفي أمام الواقع الجديد الأليم والعنيف، والذي يحصد الأرواح الاسلامية الى جانب المسيحية، يجب اتخاذ خطوات عملية على أرض الواقع وسريعة لاعادة بناء الثقة بالعيش المشترك والالتحام معا في المركب الواحد. 
الى أن يتم تنفيذ البرامج بعيدة المدى في التربية والتعليم والعمل والاستثمار والصناعة وغيرها من مجالات الحياة. يجب اعادة الهدوء الى نفوس المسيحيين، بان يبقى شعار "الهلال والصليب" منيعا وعدم السماح بسقوطه تحت أي ظرف، وعدم السماح لمن تسول له نفسه التفكير باسقاطه بأي وسيلة وطريقة، وذلك يتم باعتبار أتباع الصليب مساوين لأتباع الهلال، وأنهم أخوة وجسم واحد وليسا جناحين لجسم معطوب.
(شفاعمرو/ الجليل)