[x] اغلاق
ومتى استقلّ شعبٌ بالاستجداء؟!
14/1/2011 19:37

ومتى استقلّ شعبٌ بالاستجداء؟!
مصطفى طه

أربعة عقود فصلت بين إعلان حكومة عموم فلسطين استقلال دولة فلسطين عام 1948، وبين الإعلان الثاني لاستقلالها في الدورة التاسعة عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر يوم 15/11/1988 بلسان قائد الثورة الشهيد ياسر عرفات.
وقد تبدو الحملة الدبلوماسية التي يقودها رئيس السلطة الفلسطينية أبو مازن، للاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة في حدود الـ(67) خطوة الى الأمام، وقد يصبح الموقف الداعم لدول أمريكا اللاتينية كرة ثلج انطلقت من فنزويلا تشافيز لتستقطب اليها عشرات الدول الأخرى، ولكن يبقى السؤال الأهم: وماذا بعد؟
بلغ عدد الدول التي اعترفت بمنظمة التحرير الفلسطينية عام (1974) (110) دول، وفاقت عدد الدول التي اعترفت بإسرائيل حينها، وبُعيد الإعلان الثاني للاستقلال عام (1988) اعترفت (107) دول بـ "فلسطين المستقلة" فانتشر سبعون سفيرًا لها في معظم عواصم الدول التي اعترفت بها... وماذا بعد؟!
وكي لا تضيع الفوارق الفاصلة ما بين إعلان أبو عمار وثيقة إعلان استقلال فلسطين عام (1988)، وبين دبلوماسية أبي مازن المكثفة لنيل الاعتراف من جديد، يجب تسليط الأضواء الكاشفة على ظرفين متناقضين بالكامل من حيث الدوافع والظرف التاريخي الذي جاءت "دبلوماسية" الاعتراف في سياقه. فقد أعلن أبو عمار استقلال فلسطين عام (1988) من رحم المشروع المقاوِم كخيار وحيد في سبيل الاستقلال، عبّرت عنه الانتفاضة الفلسطينية الأولى التي انطلقت في التاسع من كانون ثاني عام (1987) واستمرت ست سنوات بالكامل استنزفت فيها الاحتلال الاسرائيلي سياسيًا وعسكريًا، اقتصاديًا وإعلاميًا، فظهرت اسرائيل بأبشع صورها على شاشات العالم التي نقلت صورة الطفل الفلسطيني الذي يواجه الدبابة الاسرائيلية بحجر مقلاعه، صورة رسمت الخط الفاصل بين المقاومة والإرهاب، بين مقاومة شعب أعزل سلاحه الحجر، يمارس حقًا وواجبًا كفلته الشرعية الدولية بمقاومة الاحتلال في سبيل الحرية والسيادة والاستقلال كمشروع حركة تحرّر وطني، وبين إرهاب دولة كسرت العظام ودفنت الأحياء بقرار عسكري.
وتأتي بالمقابل "دبلوماسية" الاعتراف التي يقودها أبو مازن في سياق إسقاط خيار المقاومة بالكامل واستجداء الاستقلال، وتأتي من باب التكتيك الذي لا يخرج عن نص الاستراتيجية إياها، أو يتخطى الحدود المرسومة حولها، إذ لا خيار إلا "بالاشتباك السلمي" لأن "الدنيا مفاوضات"، فلسفة صاغها "كبير مفاوضيه" – صائب عريقات – في كتاب تحت نفس العنوان.
جاء إعلان الاستقلال من أبي عمار عام (1988) في ظل وحدة وطنية فلسطينية لجميع فصائل الثورة عبّر عنها المجلس الوطني الفلسطيني الوحدوي في دورته التاسعة عشرة في الجزائر، فجاء إعلان الاستقلال تتويجًا لهذه الوحدة، سبقتها، وربما فرضتها، القيادة الموحّدة للانتفاضة الشعبية في الأرض المحتلة التي شملت جميع الفصائل الفلسطينية الوطنية والإسلامية، وعلى مستوى القيادتين، السياسية والميدانية على الأرض وتتحرك ضمن استراتيجية موحدة في المواجهة.
وبالمقابل تأتي دبلوماسية أبو مازن لحملة الاعتراف ووحدة الشعب الفلسطيني في أخطر منعطفاته انشقاقًا، سياسيًا وجغرافيًا، وفي ظل تغييب دور منظمة التحرير الفلسطينية وشلّ عمل جميع مؤسساتها، وبغياب استراتيجية مواجهة موحّدة سوى استراتيجية وهم سراب المفاوضات العبثية، بل الكارثية، والتي مع عبثيتها ستبقى السلطة الفلسطينية رهينة لها على ما يبدو لأنها – أي المفاوضات – أصبحت تشكـّل شريان الحياة يعتاش بفعلها كثيرون بعد أن أصبحت "صنعة" تعتاش على الدعم الأمريكي والأوروبي بوصفه حبل الوريد الذي التفّ حول أعناق السلطة فأفقدها استقلالية القرار، وسلطة تبحث عن اعتراف العالم باستقلالها حريٌّ بها أن تحرر نفسها أولاً من السلاسل التي تطوق عنقها.
عن أي استقلال تبحثون يا سادة؟ عن استقلال يضمن حق الصراخ من داخل القفص أم لكسر حديد القفص بالكامل؟!
أتبحثون عن استقلال يعطي المعلق على حبل المشنقة حق إبلاغ وصيته الأخيرة قبل الإعدام، أم عن استقلال يبغي قطع حبل المشنقة أولاً ليقطع اليد التي علقتها فيما بعد؟!
قالها بن غوريون، ومن زمن بعيد: "لا يهمني ماذا يقول العالم، يهمني ما يفعله اليهود".
وعلى أي رقعة تحت الشمس استقلّ شعبٌ باستجداء جلاده يا سادة؟!