[x] اغلاق
ظاهرة العربوفوبيا كما يراها العرب
19/1/2011 10:38
 
 ليس الخوف مرضا الا اذا كان غير مبررا. لكن لا يكفي ان يكون مبررا لكي يتوقف عن كونه مرضا، وانما يجب ان يكون في تبريره شيء من المنطق والواقعية. إن المجتمعات والشخصيات القمعية إنما تشعر بالتهديد حينما توجد في بيئة يكون فيها الناس اقوياء وعلى قدر من التحكم الذاتي. إن هذا التهديد يجعل محاكمتها العقلية على الشكل التالي: اذا بقي الكل في حالة مزرية فانني احيا جيدا من دون خطر متأت من أحد، أما إن بدوا في حالة من الازدهار والتحكم والتوافق فإن مصيري الموت المحتم. هكذا، يخلق هذا الخوف الغير مبرر والغير طبيعي سلوكا ساحقا تجاه الاخرين اقله هو الرمي بهم في المصحات العقلية إن لم يكن قتلهم ناجذا. والخوف من العرب، ينطبق عليه هذا النوع من الخوف، انهم مَُهدِدون للاخرين لذا يتوجب الخوف منهم والقضاء عليهم في نهاية المطاف. والخوف معد، لهذا يسهل تجييش الاخرين ودفعهم في سرب هذا القطيع الخائف. لكن هذا لا يعفينا من تفنيد معنى الخوف (الفوبيا) كمصطلح طبي ـ نفسي كما جاء في الأدبيات الطبية والعلاجية. و لهذا، وجدت من الضروري ان أوضح معنى شقي الكلمة: "عربوـ فوبيا ".
 
1) الفوبيا: وهي خوف لامنطقي او لاعقلاني تجاه شيء او موقف ما. وأعطي مثالا على هذا (الاغروفوبيا) وهي الخوف من المساحات المفتوحة والاماكن المزدحمة، أو (الاكروفوبيا) وهي الخوف من الاماكن المرتفعة، أو(الكلوستروفوبيا) وهي الخوف من الاماكن المغلقة. والعلاج السلوكي (وهو طريقة لعلاج الفوبيا يدرب من خلالها المريض، وبشكل تدريجي، لكي يعود الى سلوكه الطبيعي ) يُعتبرأحد أشكال علاج الفوبيا أو الخوف. إن الفوبيا (أو القلق العصابي والرهابي) هي مقت شديد لشيء معين بما فيها الاشياء او الحيوانات او المواقف. و الفوبيا تبدأ في الظهور في سن الطفولة ـ بحسب الطب النفسي ـ (خصوصا الفوبيا او الخوف من الحيوانات) وبداية المراهقة. و النساء يصبن عادة بالفوبيا اكثر من الرجال ولهذا فانه يقال انها شائعة كمرض بينهن اكثر.
        أما سيغموند فرويد، مؤسس التحليل النفسي ـ ورأيه هو أحد الاراء ـ يميز بين نوعين من الخوف او القلق: 1) الخوف الذي تحركه إشارة ما يستشعرها المريض في البيئة حوله فيرتكس لها (signal anxiety ) أو هو الخوف الذي ينذر الأنا بوقوع تهديدات وشيكة يدفعها للقلق على توازنها، ثم 2) الخوف او القلق الرئيسي (primary anxiety) وهو الخوف الذي يجعل توازن هذه الأنا مضطربا وذلك بغض النظر عن العوامل الخارجية التي تعمل على خلق الفوبيا، وهناك طبعا الكثير من العوامل المساهمة الاكثر تعقيدا. ( تذكر موسوعة وبستر ان من 8 ـ 40 % من الشعب البريطاني يعاني نوع او آخر من الفوبيا.[1]) لربما نبهنا هذا على كون الاعلام والميديا المهيمنة في هذه البلدان انما هي بارعة في جعل " البيئة خطيرة" من اجل ضخ المزيد من الاموال في ارصدتها الضخمة.
        ايضا، يذكر أمين معلوف الروائي اللبناني المعروف صاحب "صخرة طانيوس" في مقالة له بعنوان "الهويات المنهارة والعنف". كيف ان الانسان لا يلد بمواصفات وجدانية ونفسية ثابتة وإنما يٌعمل على بناءها شيئا فشيئا عبر مراحل حياته وبتدخل من العديد من العوامل.[2] ومن بين هذه المواصفات الخوف الذي يُكتسب بفعل خارجي مؤثر على الانسان يجعله يتخذ موقفا معينا متوترا من أمر ما يعتقد انه مهدد لبقاءه.
 
2) العربوفوبيا ( Arab phobia): وهو مصطلح مبتدع طبعا غير موجود في القاموس الطبي او جزء من الادبيات الطبية النفسية الا مؤخرا وذلك من اجل التدليل على ظاهرة الخوف المرضي من العرب بعد احداث 9/11 تحديدا، مع ان هذه الظاهرة تمتد عميقا في تاريخ الثقافة الغربية كما سنرى لاحقا. إنها ظاهرة ليست مبنية على دواعي كافية ومقدمات منطقية وإنما تمت صناعتها إعلاميا أولا لخدمة أغراض واجندات مختلفة تخدم الهيمنة الامبريالية الجديدة على العالم. والحق لقد تم الخلط بين العربوفوبيا والاسلاموفوبيا في كثير من مواقع تناولها وتطبيقاتها، فهناك أقليات بارزة من العرب الغير مسلمين، وهذه الاقليات تضم على سبيل المثال العرب المسيحيون في مصر ولبنان وسوريا والاردن والعراق وفلسطين وبقية دول الوطن العربي الكبير. كما ان هناك اقلية من العرب اليهود ومسلمين ليسوا عربا مثل مسلمي نيجريا مثلا وماليزيا والهند...الخ. اذا ما هي حقيقة هذه الفوبيا ـ الظاهرة وممن هي تحديدا.
 
جذور هذه الظاهرة وأسبابها: العربي مثل شوارع مدنه!!
 
سوف أعطي هنا ثلاثة أمثلة متباعدة زمنيا كمختصر ونبذة عن بداية تشكل هذه الظاهرة من دون التأكيد على أنها الامثلة الوحيدة في التاريخ المتوسط والحديث عنها:
1) يُظن أن بداية الاسلاموفوبيا بدأت خلال محاكم التفتيش في إسبانيا حيث تم شيطنة الإسلام والعمل على القضاء عليه بكل وسائل التعذيب المتاحة. وهذه المحاكم هي محاكم كاثوليكية ادعت محاربة "هرطقة" اليهود والمسلمين – والتي ظهرت في القرنين الخامس عشر والسادس عشر الميلاديين ـ حيث جعل القساوسة المسلمين وكتبهم الدينية والتراثية وقودا للنار كما أبادوا الالاف من مؤلفات العلماء والفلاسفة والمؤرخين والشعراء والفلكيين والجغرافيين المسلمين التي لا تقدر بثمن. بعد ذلك تم طرد ثلاثة ملايين من المسلمين وثلاثمائة ألف من اليهود من الأندلس وذلك من دون أن نذكر عدد الذين اجبروا على التنصر بالقوة والترهيب. والملفت أن وسائل الاعلام تضخم من حادثة طرد اليهود من اسبانيا بينما لا نجد ذكرا لطرد العرب الذين تجاوز عددهم عدد اليهود بعشرات الاضعاف.[3]
2) الغزوات النابوليونية والبريطانية للشرق العربي وبداية تشكل الافكار الاستشراقية المخيفة عن العربي: يذكر ادوارد سعيد في كتابه الاستشراق[4] على لسان كرومر القنصل العام البريطاني على مصر خلال ربع قرن، وذلك في الفصل الرابع والثلاثين من كتابه ذي المجلدين "مصر الحديثة" وهو السجل الجليل لتجربته وانجازاته حيث يثبت كرومر ما يمثل شرعا وشخصيا لهذا الشغف الاستشراقي: "قال لي سير (ألفرد لايل) مرة: إن الدقة كريهة بالنسبة للعقل الشرقي وعلى كل إنسان أنجلو – هندي أن يتذكر هذا المبدأ الاساسي. والافتقار الى الدقة، الذي يتحلل بسهولة ليصبح انعداما للحقيقة،هو في الواقع الخاصية الرئيسية للعقل الشرقي. والاوروبي ذو محاكمة عقلية دقيقة و تقريره للحقائق خال من اي التباس ؛ وهو منطقي بطبعه، رغم أنه قد لا يكون قد درس المنطق، وهو بطبعه شكاك ويتطلب البرهان قبل ان يستطيع قبول حقيقة أي مقولة؛ ويعمل ذكاؤه المدرب مثل آلة ميكانيكية. أما عقل الشرقي، فهو، على النقيض، مثل شوارع مدنه الجميلة صوريا، يفتقر بشكل بارز الى التناظر ومحاكمته العقلية من طبيعة مهلهلة الى اقصى درجة، ورغم أن العرب القدماء قد اكتسبوا بدرجة أعلى نسبيا، علم الديالكتيك فإن احفادهم يعانون بشكل لامثيل له من ضعف ملكة المنطق. ويظهر الشرقيون العرب سذجا، غافلين، محرومين من الحيوية والقدرة على المباردة، مجبولين على حب " الاطراء الباذخ" والدسيسة والدهاء والقسوة على الحيوانات. والشرقيون لا يستطيعون السير على الطريق او الرصيف ( فعقولهم الفوضوية تعجز عن فهم ما يدركه الاوروبي البارع بصورة فورية، وهو أن الطرقات والارصفة شقت وبنيت لكي يُمشى عليها) ؛ والشرقيون عريقون في الكذب وهم " كسالى وسيئو الظن " وهم في كل شيىء على طرفي نقيض من العرق الانجلو ساكسوني في وضوحه ومباشرته ونبله "
        اذا لقد بررت هذه الفكرة الاستشراقية الاضطهاد لاحقا للشرقي العربي. إنها صورة مخيفة ويجب مقاومتها او إنكار اي حق لها في الحياة – هكذا يبررون لانفسهم ـ لدرجة كتب كرومر في واحد من تقاريره السنوية عندما كان حاكما لمصر ان القومية المصرية " كانت فكرة طارئة كليا " وغرسة لم تنمو في تربة محلية بل في تربة غريبة". فإذا كانت هذه هي السُنة الاستشراقية التي مهدت لمقاومة العربي وإدانته لاحقا وحشدت وجدانه ضده اذا لا يجب فصلها ابدا عن كونها رفدت جذور ظاهرة العربوفوبيا اليوم. إن هذه المعرفة الاستشراقية انما هي معرفة "دعمتها المواجهة الاستعمارية... وأسست على هذه العلاقة بين شريك قوي وشريك ضعيف ".[5]
3) بعد الحادي عشر من ايلول 2000 تبدلت الصورة وأخذت ابعادا حاسمة كلية. يقول الغربيون ان وراء هذه الظاهرة كان نموذج "الارهابي المتعصب" و"رامي الحجارة الفلسطيني" (من بينهم الطفل) و"المنتحر المفجر نفسه". لقد لعبت هذه الشخصيات الثلاثة دورا في تأكيد هذه الصورة النمطية التي تثير و تسبب الخوف، كما كُتب الكثير عن هذا الزلزال الذي وقع في بداية هذه الالفية خصوصا ما كتبه المفكر الفرنسي (جان بودربار) في صحيفة اللوموند ونشر مترجما الى العربية بتاريخ 11 تشرين الثاني عام 2001 في ملحق جريدة المستقبل[6] حيث استشف باحتفالية كبيرة انه "...عندما يكون الموقف محتكرا، على هذا النحو، من قبل القوة العالمية، وعندما نكون حيال هذا التركيز المذهل لكل وظائف الآلية التكنوقراطية والفكر الأحادي، فأي سبب آخر يمكن سلوكه غير التحويل الارهابي للموقف؟ إن السستام نفسه هو الذي ولد الشروط الموضوعية لهذا الرد العميق المباغت." لقد تجاوز فهمه الحدث الى الرمز ولم يستسلم الى وجود فوبيا من العرب مؤكدا "..إن الطاقة التي تغذي الرعب لا تعبر عنها أيديولوجية ولا أية قضية حتى لو كانت إسلامية....الارهاب كالفيروس ماثل في كل مكان إنه حتى في لب الثقافة التي تحاربه. " في حين ذهب المفكر الايطالي أمبرتو أيكو الى تخيل "سيناريوهات قيامية للحرب الشاملة" كما عنون مقاله الذي نشر مترجما الى العربية ايضا في ملحق جريدة المستقبل اللبنانية في 18 تشرين الاول عام 2001. لقد كشف اللثام كلية عن فكره حيث سمى المسلمين كفارا واعلنها حربا قادمة بين المسلمين والمسيحين متخيلا لذلك كل انواع الاحتمالات والتداعيات وبالتفصيل الممل لدرجة اخذ يفترض ماذا سوف يحل بالحضارة الغربية اذا ما فقدت الماكدونالد والكوكاكولا ورفاهية أكل خبز النخالة وركوب الطائرات وتحول السوبر ماركت الى قفر فارغ الا من حبة طماطم هنا وشريحة لحم هناك...الخ وذلك عندما يقرر المسلمون الكفار – على حد قوله ـ غزوها في يوم ما.[7] إن هذا الجنوح السينمائي لخيال هذا المفكر ليس سوى نتيجة لهذا الخوف الذي اصابه من "ظاهرة العرب" الذي استرسل في تفنيد الصراع معهم مبتدئا من أجل ذلك منذ بداية الحملات الصليبية والى هذا اليوم. إن " قلب" الغرب ملآن منذ زمن بعيد، وهاهم الان يتحدثون عن المسلمين المقيمن بينهم والمتجنسين باعتبارهم قنابل موقوته قد تنفجر في أية لحظة.
 فاذا كان هذا الفهم قد غزا نخبة المثقفين البيض الغربيين فانه غزا حتما الشريحة الشعبية الغربية ايضا. واصوات قليلة هنا وهناك لن توقف مد هذه الظاهرة خصوصا إذا كان وجودها مرتبطا بحاجة اقتصادية او سياسية معينة ملحة من أجل أمن المجتمعات الغربية. وهكذا عادت هذه الصورة القديمة عن العرب الى الواجهة وبالالوان هذه المرة بعد ان كانت ولفترة طويلة بالاسود والابيض.
 
حين نصغي "اليهم"... يعترينا الخوف!!
 
مع ذلك فان هذه الصورة عن العرب – هكذا نؤمن نحن وهكذا نراها ـ تبدو "ضبابية و معممة كثيرا"، وبعيدة جدا عن الحقيقة: اننا نعتبرها ببساطة 1) مجرد كذبة أو تلفيقة، 2) مجرد رؤية سياسية بحتة للواقع. في مقالة لـ تي أتش لورانس (هناك عبارة وردت على لسان شرطي بريطاني يقول فيها "منذ قرن عُرف ان قلة الشرف هي عادة متأصلة لدى العرب. اليوم نلمح الامر ذاته. انهم لا يقومون باي شيىء من اجل محبة الله و لايقدمون اية مساعدة حتى لو كانوا يقدرون على ذلك."
        الحق، حين نصغي، كعرب، الى السياسيين الغربيين يتحدثون عنا، غالبا ما نصطدم بعبارات مهينة كثيرة بل غير لائقة. انهم يتحدثون عن ضرورة أن نغير من " سلوكنا " وأنه يجب – وهنا يذهبون الى ابعد ما يمكن تصوره ـ "تخليص الشرق الاوسط من عروبته" وعن ضرورة ان يدير العربي من الان وصاعدا "بلده" – طبعا هم لا يتركون ربما مجالا لنا لذلك –، وإننا "لصوص وورثة علي بابا."
        اما بالنسبة لصورة العربي في الافلام الغربية والاميركية تحديدا وحتى في افلام الكرتون للاطفال وهي الاكثر وضوحا وانتشارا وتبديا للموقف الثقافي الغربي، فيقول الدكتور جاك شاهين عنها [8] ـ استاذ علوم الإتصال في أمريكا وهو بارع في "تنميط" stereotypes الشخصية العربية في افلام هولييود – في فيلمه (ريل باد أرابز) أو (العرب السيئون، كيف تشوه هوليوود شعبا) والذي مدته خمسون دقيقة حيث يعرض فيه بالتفصيل لكيفية تناول هوليوود للعرب من خلال مشاهدته لأكثر من ألف فيلم انتجتها هوليوود خلال قرن كامل بدءا من السينما الصامتة وحتى أفلام حديثة مثل سيريانا، ومملكة الجنة. [9]: " انه من الاسهل أن يلج الجمل في سم الإبرة من أن يظهر على الشاشة عربي كبشر سوي".
        في فيلم قواعد الاشتباك ( rules of engagement) الذي انتج عام 2000 يظهر الاطفال اليمنيون في الفيلم وهم يقتلون الاميركيين..وكان هذا المشهد قد بني عليه المشهد الاخير في الفيلم حيث يفتح المارينز نيرانهم على مظاهرة سلمية لاطفال ونساء اليمن "الاشرار" بينما يمكننا ان نتصور كم التهليل من قبل الحضور في الصالة نتيجة انتصار الخير على الشر. هناك ايضا افلام كثيرة أنتجت بعد حرب الكويت حيث تُظهر العرب تحديدا اعداء للأميركيين. يتحدث البروفسور شاهين باستهجان عن هذا التعاون الكبير الذي تبديه المؤسسات العسكرية والأمنية في صناعة الافلام التي تحرض على العرب وتقدم لها كل مساعدة تقنية مثل الفيلم الآنف الذكر وأفلام اخرى كثيرة مثل "أكاذيب حقيقية" True Lies الذي انتج عام 1994 و الذي يعتبر من أكثر الافلام إساءة للفلسطينيين [10]، و"قرار تنفيذي" Executive Decision عام 1996، و"ضربة الحرية" Freedom Strike عام 1998، حيث يظهر العرب وهم يقتلون او يحيكون الدسائس للأميركيين. لقد قدمت المخابرات الاميركية ووكالة المباحث الفيدرالية FBI، فرع نيويورك، الكثير من الدعم والمساعدة لمنتجي فيلم "الحصار" The Siege الذي انتج 1998، والذي ظهر فيه أمريكيونـعرب، ومسلمونـعرب يهاجمون منهاتن!!".
        والحق، ان هذا خيال الكاوبوي السينمائي هذا شغوف بتصوير العرب كارهين للاميركيين الامر الذي يؤثث لتمرير هذا الموقف العاطفي المسوغ للإرهاب الأمريكي من العراق إلى لبنان إلى ليبيا إلى السودان إلى أفغانستان إلى كل مكان حول العالم. لكن هذا ليس كله من دون خلفية فالقضية في النهاية لا ترتبط بمجرد الموقف العنصري ضد العرب والمسلمين بقدر ما يرجع الى هذا القلق الدفين الذي يعيشه الغرب شعبا ومثقفين بسبب سياساته العدوانية في الوطن العربي وبقية دول العالم التي استطاعت ان تصل اليها يد الهيمنة الامبريالية. إن التشويه الاعلامي المبالغ فيه ـ كما نرى نحن العرب ـ انما هو حركة استباقية مفتعلة لتبرير كل قمع قادم. انه تضخيم من هذه الفوبيا الى ما فوق الحد ليكون الرد باتجاهها الى ما يفوق الحد ايضا. إننا، كعرب، نعي تماما ان الاعلام الغربي والافلام الغربية إنما تأخذ دورا حاسما في تعبئة الرأي العام الى ما فوق احتمال التخيل المنطقي لاي بشري بحيث يصبح الخوف من العرب ظاهرة او فوبيا بكامل ابعادها المرضية. و كلما تفاقم هذا الخوف كبرت وعظمت معه حدة قمعه وضربه ولاقت مبرراتها.
        لقد ذهب شاهين حتى الى ابعد ما يمكن حين قال ان اسلوب الدعاية التي تستخدمها هولييود انما يشبه الاسلوب الذي استعمله غوبلز وزير الدعاية لدى هتلر. و هذا الاسلوب يعتمد على التكرار وثبات الصورة لتصبح راسخة كلية في العقول التي تسعى الى غسلها. لقد صور اليهود كخطر اقتصادي على المانيا قبل وأثناء الحرب العالمية الثانية كما صور غوبلز صورة اليهودي على انه "قذر المنظر، معقوف الأنف، اشعث، شرير، يتحدث الأنجليزية بلكنه ثقيلة، طماع، همه الوحيد إشاعة الرعب بين الناس حول مستقبل رفاههم الإجتماعي، مريض بالجنس". و هي نفس الصورة التي تسعى هولييود الى رسمها و ترسيخها عن العربي مع فارق ان العربي يرتدي عباءة ويضع غطاء على رأسه. باختصار، العربي مجرد من الانسانية و لهذا فانه من السهل قبول استخدام العنف ضده. إننا نحن العرب نمثل صورة واحدة بالنسبة لهم نمطية من دون تغيرات او تبدلات لا فرق فيها بين المتعلم والجاهل او بين المتعصب والمتحرر. إنها صورة تجب ازالتها عن وجه الارض بلا شك ـ هكذا يفكرون.
        ويقول الدكتور شاهين أن "صورة العرب في السينما الأميركية قد تغيرت عقب الحرب العالمية الثانية بشكل واضح لأسباب ثلاثة: هي الصراع العربي الإسرائيلي، وأزمة النفط في السبعينيات، والثورة الإيرانية في نهاية السبعينيات وما نتج عنها من خطف لرهائن أميركيين. وكان أبرز نتيجة لهذا التغيير صورة الشيخ القادم إلى أميركا وبحوزته الكثير من المال ويريد شراء كل شيء. وقد ظهر نتيجة لهذه الصورة فيلم شهير في السبعينيات بعنوان "الشبكة" يحكي عن وجود مؤامرة من قبل شيوخ السعودية لشراء "أجزاء من أميركا".[11]
        وبسبب هذا الشحن المهول لخلق حالة وجدانية مضادة – تشبه الفوبيا – لدى الغرب تذكرت انه في عام 2006 عندما حاولت شركة موانىء دبي العالمية ( دبي بورتس ورلد ) تولي إدارة ستة موانىء اميركية من خلال صفقة قدرت قيمتها بـ 6,85 مليار دولار، جوبهت باعتراضات حادة واقول ذعر من قبل الجمهوريين والديمقراطيين على السواء على الرغم من التطمينات الكبيرة و ضبط النفس من قبل دولة الامارات التي شرحت أن شركة ( موانىء دبي العالمية) ليست مجرد شركة اماراتية عربية تسعى للسيطرة على مرافىء نيويورك ونيوجرسي وفيلادلفيا وميامي وبلتيمور ونيواورليانز وهي ليست ولا بشكل من الاشكال مهددة للامن القومي الاميركي كما كان يتداول وبكثافة في اروقة الكونغرس خصوصا من قبل السيناتور هيلاري كلينتون التي طالما تغنت بمتانة العلاقات على كل الاصعدة – خصوصا في مجال التعاون ضد الارهاب – بين الولايات المتحدة واميركا.[12]
        اما افلام الاطفال التي تنتجها والت ديزني فهي مليئة كما سنرى بشعور الاستعلاء على الاثنيات و التقليل من شأنها ودرجة ذكائها وأهمية ثقافتها. إنها افلام ذات تأثير سلبي كبير واحتقار لا حد له بسبب الصورة الكريهة التي ترسمها للعربي و لوطنه ولغيره الاقليات بمختلف تبدياتها وانواعه. من بين هذه الافلام التي أنتجتها هذه الشركة الزائعة الصيت عالمي اذكر على سبيل المثال لا الحصر:[13]
1) فيلم علاء الدين والمصباح السحري:
في هذه الابيات التالية يتغنى علاء الدين، في الفيلم الكرتوني بأرضه وشعبه فيقول:[14]
Original first verse (1992ـ93):
 
 Oh I come from a land, from a faraway place
 Where the caravan camels roam
 Where they cut off your ear
 If they don't like your face
 It's barbaric, but hey, it's home
­( أتيت من ارض، من مكان بعيد
حيث ترى الجمال هناك
وحيث يقطعون انفك
اذا لم يعجبهم وجهك
انها حياة بربرية، ولكن ما همي، إنها وطني. )
لقد تم لاحقا تغيير البيت الثاني ليصبح ("Where it's flat and immense and the heat is intense.) في السي دي المعد للبيع وذلك بعد اعتراض الكثيرين عليه.[15]
او سباستيان من قصة "عروس البحر الصغيرة ": Sebastian from The Little Mermaid2)
انتج هذا الفيلم عام 1989 وبطله كركند جامايكي يعلم سمكة ان الحياة افضل "تحت الماء" لان هناك "ليس عليك ان تعمل او يكون لديك وظيفة".
 Up on the shore they work all day
Out in the sun they slave away
While we devotin'
Full time to floatin'
Under the sea!
        الحق، إن افلام ديزني تضع المتفرج أمام خيارين: إما ان يكن هجوميا لا يسامح و لا يغفر، أو عنصريا وعديم الحس. والقصة هنا تتطلب منك ان تكون من الصنف الثاني أي ان تكون ذو احساس معدوم مغيب. إن ولت ديزني عندما تعمد الى خلق شخصيات مثل سبستيان هذا على هذه الدرجة من الجاذبية و الحركة و الشغف بالحفلات واللهو إنما هي تجر رجل الطفل باتجاه عالمها بينما تجعله يتراجع، في نفس الوقت، الى الوراء بعيدا عن حقوق الانسان.
 
.The Crows from Dumbo3)الغربان من قصة دامبو
 
الفيلم هذا انتج عام 1941 و بطله دامبو الفيل الطائر الذي يصادف مجموعة من الغربان السوداء التي تتكلم وتغني قائلة: " "I'd be done seen about everything/when I see an elephant fly!"
        هذان الغرابان يتصرفان بطريقة نمطية مستنفزة جدا تنتمي الى سلوك الافروأمريكان. إنهما فقيران وجاهلين، يدخنان باستمرار ويلبسان قبعتين مضحكتني و هما خبيران في كل شيىء "يطير". الواقع، يمكن ملاحقة والت دزني قضائيا عن كل دقيقة في هذا الفيلم بسبب جريمة الازدراء التي ترتكبها بحق الافرواميركان.
 
4) الملك لويس من كتاب الغابة The Jungle Book
        في هذا الفيلم المنتج عام 1967 قررت ديزني ان ترسم صورة الافرواميركي من خلال القرود. كل حيوانات الغابة في هذا الشريط إنما تتحدث اللغة الانكليزية بلكنتها الصحيحة ما عدا القرود طبعا. انهم ـ  القرود ـ يسعون في هذا الفيلم لكي يصبحوا "أناساً طبيعيين"؟
 
5) التوأمين السياميين كرانغ من Chip n' Dale Rescue Rangers.
        بدأ اطلاق هذا المسلسل في الوقت الذي لم يكن فيه التمييز العنصري ضد الافرواميركان مقبولا اي في عام 1989. اما قضية العنصرية ضد الاسيويين فقد كانت مازالت مثار جدل و بحث. إن المهاجرين الاسيويين، حتى لو كانوا مجرمين، يمثلون هنا من خلال عصابة من القطط تصبح جزءا من الثقافة الاميركية. إنهما يملكان محلات لغسيل الملابس ويديران مكانا للمقامرة بشكل غير شرعي ويتحدثان الانكليزية بلكنة مقرفة. ان هذا الفيلم الكرتوني انما يشبه تصميم لملصق دعائي عن الحرب العالمية الثانية ظهر فجأة في الادبيات الكرتونية لافلام الثمانيات.
        في هذا الفيلم تبيع هذه القطط السيامية معلمها الخبير في الكاراتيه والمقاتل الياباني للاسماك، مقابل حقيبة مليئة بالسمك الميت. انهما ليس مجرمين فقط كما يوحي هذا الفيلم الكرتوني وانما غبيين ايضا.
 
6) الهنود الحمر في قصة بيتر بن (THE INDIANS FROM PETER PAN )
        في هذه القصة يشرح "الهندي الاحمر" تاريخ شعبه وثقافته حيث يسأل دائما "كيف ولماذا". أما ما يرمي اليه الفيلم او يريد الايحاء به هو أن هذا الرجل الاصلاني انما بحاجة ماسة للمعرفة؛ انه جاهل باختصار. لكن هذا ليس كل شيىء، ففي هذا الفيلم هناك أغنية تشرح كيف لهذا الرجل لون مميز مختلف عن الرجل الأبيض: منذ زمن بعيد انقلب لون هذا الرجل الاصلاني الى احمر عندما كان يحاول تقبيل فتاة. أما العلم فيبرهن على أن هذا اللون اصبح جينيا أصيلا في عرقه منذ ذلك الوقت. غريب جدا، تُرى هل يجب ان يكون هناك حدث ما يمهد لهذا الانقلاب والتبدل في اللون والابتعاد عن اللون البشري اي "الابيض". ايضا يظهر الهندي الاحمر في هذا الفيلم ميالا لتعدد الزوجات.
        هناك أيضا قصصا أخرى مثل العم روميس من قصة أغنية الجنوب (Uncle Remus from Song of the South ) وميكي ماوس وقصصه الكثيرة التي جمع فيها كل الأحكام المسبقة المستنفزة عن الافارقة في اللاوعي الاميركي.
        لكن ما هو موقفنا نحن العرب من هذا التنصيف المؤلم وكيف نرى هذه الظاهرة التي نعدها تلفيقا وكذبا وجزءا من اجندة سياسية يعمل حاليا على تنفيذها.
 
الحقيقة!
 
        لا يرى العرب ظلما فقط في تسمية هذه الظاهرة وانما سوء فهم كبير لطبيعة الاسلام والعرب وربطهم بالاجندات السياسية للدول الغربية بحيث يصبح مبررا لتفيذها. إننا نرى أن هذه الصورة هي مصنوعة ومفبركة بحسب حاجات الغربي الابيض وخدمة لاقتصاده ومآرب رأس المال واجنداته التي تصب كلها في جدلية الهيمنة الاسطورية على العالم والتي تُغذيها عبقرية اعلامية تعرف تماما كيف تصور البيئة خطيرة لرجل الشارع. إننا نعتقد إن هذه ظاهرة مفيدة للاقتصاد الغربي بشكل كبير لأنها أولا:
 
1) تؤمن دخلا ثابتا ومهولا للشركات الامنية الخاصة ولشركات الاسلحة الضخمة التي لن تعثر على سوق لها الا اذا كان العالم بيئة غير آمنة وإذا ما كان "الاخر" منزوع الخطر والفتيل. فالخوف يتطلب "أدوات" أو اسلحة للقضاء عليه. وهي هنا متاحة ومتدفقة في الاسواق على قدر حجم هذه الظاهرة. يقل التصدير ويقل معه راس المال اذا صغرت و يكبر اذا كبرت.
 
2) إننا نرى كعرب أن الثقافة الغربية لا تبحث لكي تهيمن على العرب فقط و إنما على العالم ـ واعتقد إن النسخة الاميركية هي الرائجة اليوم على غيرها من النسخ ـ وهي ثقافة تخاف من التأثر باي عامل خارجي على الرغم من الكلام الكثير الذي قيل ويقال عن الديمقراطية ومسامحة ثقافة الاخر وعوامل التآخي وكل هذه الكلمات التي لم نجد لها ترجمة فعلية الا غزو الشعوب وتفريغها من ثقافاتها كما حدث في القضاء على قسم كبير من تراث العراق التاريخي في بداية الغزو.
 
3) الايدلوجية الدينية الغربية التي تميزت عبر العصور بطبقية واضحة ـ والكنيسة كانت دائما جزء من الطبقة البرجوازية وتطلعاتها على الرغم من كل الادبيات الاخلاقية التي تزخر بها. إن هذه الايديولوجية ليست معنية تماما بقبول الاخر الا انطلاقا من تطابقه معها واندماجه فيها ودعمه لها وهي ترى في طبيعة الفتح الاسلامي اكبر تأييد لموقفها وتكبيرا من حجم هذه الظاهرة. والحق ان موقفنا هنا مختلف كعرب تماما..فالفتح الذي بنيت عليه كل الدواعي الاساسية بالنسبة لخلق هذه الظاهرة وتناميها إنما نجده نحن أمر كان لا بد منه من اجل حماية أمن المجتمع الاسلامي الوليد. فالغربي يعتبر ان الفتح بالسيف يعتبر ارهابا على الشعوب التي دخل عليها الاسلام والتي كانت تدين اصلا بدين توحيدي، بينما يرى العرب المسلمون ان الاسلام تعامل بتسامح كبير مع الشعوب التي دخل عليها متجاهلا هذه النقطة التي يلح عليها الغربي والتي يستعملها كمسمار جحا: لماذا تم الفتح او التبشير بهذه الطريقة اصلا؟ وانا هنا اعرض وجهتي النظر عرضا موضوعيا من دون نقاش.
 
4) الارباح المهولة التي جنتها وسائل الاعلام الغربية بعد "الحملة على الارهاب" وتدفق الاعلانات تماما الى المصادر الاعلامية التي تؤجج من هذه الظاهرة و تحذر منها وتواكب تفاصيل هذه الحملة. إن بعض وسائل الميديا الغربية تساهم في إذكاء مشاعر الخوف من الإسلام والمسلمين وتصور وجودهم بوصفه خطرا داهما على مسيرة الغرب الراسمالي التاريخية. إن جعل "البيئة خطيرة" في الاعلام إنما يضخ ثروات لا سقف لها في ارصدته، لهذا فان تسويق هذه الظاهرة غدا أمر اكثر من ضروري في مرحلة حاسمة من تنامي الانهيار الاقتصادي عالميا.
 
5) يرى العرب ان من شأن هذه الظاهرة ان تجعل عملية الاندماج في اقسى و اصعب حالاتها لانها تهمش من العربي المهاجر وحتى العربي القادم في زيارة من حيث تعرضه للاستجواب و التحقيق لا لشيء الا لكونه عربي و هذا يخلق احتقانا من دون مبرر لم يكن موجودا و يؤثر في عملية الاندماج التي يطلبها المجتمع من ابناءه من اجل بناء أمنه القومي. وعلى هذا، يرى العربي ان هذا يضر حتى في مصلحة الدول التي تروج لهذه الظاهرة اي كانت الاسباب التي تقف وراء هذا الترويج.
 
6) خلقت ظاهرة العربوفوبيا عند العربي تحديا من نوع خاص ربما لم يكن موجد في السابق و عليه فقد انقسم بعض العرب من مستنكر الى خجول. فالمستنكر هو الاكثر فهما لسبب هذه الظاهرة وهو يزاد تمسكا بعروبته ويشعر بالحاجة الى التوكيد على المواصفات والمعطيات الايجابية جدا فيها وتبيانها. أما الخجول فهو من يريد ان يبرر او يشعر بمنطقية هذه الظاهرة ويعمل على التخلي شيئا فشيئا عنجزء من هويته ونرى من هؤلاء الكثيرين هنا في المغترب ممن آثرو الضفة الاخرى من النهر حيث اخذو يطلقون على أنفسهم "شرق اوسطيين" بدلا من عرب ويتجنبون التحدث بالعربية ويستعيرون اسلوب الحياة الغربية بكل تبدياتها.
 
7) يرى العربي ان مفهوم صراع الحضارات قد عزز من العربوفوبيا والاسلاموفوبيا معا حين قدم الحضارة العربية الاسلامية باعتبارها مُهَدِدة لبقاء الثقافة الغربية.
        وقبل ان اشرح كيف، اود أن الفت الى ان مفهوم "صراع الحضارات" لم يطلقه الأكاديمي الأمريكي صموئيل هنتنغتون كما هو معروف عام 1996 وانما أطلقه قبله المفكر المغربي الدكتور المهدي المنجرة في حوار أجرته معه مجلة المرآة الألمانية Der Spiegel بتاريخ 11 فبراير 1991 والذي اعتبر فيه أن حرب الخليج الأولى بمثابة الحرب الحضارية الأولى، كما أصدر في العام نفسه مؤلف "الحرب الحضارية الاولى" حيث نشر بلغات متعددة من بينها الانكليزية.[16] لكن للاسف فإن الغربي المهيمن لا يعترف بما هو غير غربي , لذلك غدت (نظرية) صموئيل هنتنغتون عن صراع الحضارات هي الاولى حيث تدرس في الجامعات وتعقد من اجلها المؤتمرات والمحاضرات من دون ذكر ولو بسيط الى أسبقية المهدي المنجرة. في كل الاحوال، ما يهمنا هنا ليس الاسبقية بقدر ما يهمنا هذا الفهم العربي لهذه الظاهرة.
        بالنسبة للدكتور المنجرة، يرى ان للغرب ثلاثة مخاوف أساسية تقلقه:
 آ) الخوف من النمو الديموغرافي، لأن الغرب لا يمثل إلا 20 % من سكان العالم.
ب) الخوف من الاسلام لأن عدد المسلمين في تكاثر وهذا ما جعلهم يصلون إلى قرابة 40 % من سكان العالم.
ج) وأخيرا نجد الخوف من تطور آسيا وخاصة اليابان.
        اما بالنسبة للصراع الثقافي، فيرى المنجرة أن هناك خمسة محركات أساسية تتجلى في الأحادية القطبية لأمريكا (مركزانية القوة والرغبة في المحافظة عليها)، القوة العسكرية والتطور الثقافي في العراق والذي بدأ يهدد الغرب وإسرائيل، وأخيرا رغبة الغرب الملحة في التحكم في الدول التي كانت تقع في قبضة الاستعمار. ولعله وجد في تضخيم الخوف من العرب والاسلام المعبر الى كل هذا. أما هنتنغتون فعندما طور نظريته فقد قال بأنه بعد الحرب الباردة فان الصراعات سوف تتوقف عن كونها مجرد اختلافات ايديولوجية بين الامم مثل الشيوعية والرأسمالية والقومية والفاشية الخ.. وستتحول الى اختلافات ثقافية ودينية بين الحضارات. وهنا قسم العالم الى ثماني كتل حضارية كبرى هي: الكتلة الغربية التي تضم اميركا الشمالية واوروبا الغربية، وكتلة اميركا الجنوبية اللاتينية الاسبانية، وكتلة العالم الإسلامي، وكتلة افريقيا السوداء، وكتلة البلدان السلافية الارثوذكسية، وكتلة العالم الآسيوي الذي يضم ثلاث كتل في الواقع هي الهند والصين واليابان وحتى كوريا وفيتنام. وتنبأ بان الصراع الأكبر على الاطلاق سوف يكون بين العالم الغربي والعالم الإسلامي نظرا للتضاد الكامل في القيم.
        وهكذا صبت الاعتبارات كلها السياسية و الاقتصادية والثقافية في مصلحة إذكاء و تضخيم هذا النوع من الفوبيا من اجل الاجندة الغربية الآنفة الذكر.
 
8) يشعر العربي بسبب هذه الظاهرة بالتهديد إن لم يكن بالطرد فسيكون بالتحجيم و التهميش اذا كان مهاجرا(خصوصا في ظل الدعوات اليمينية المتكررة بالحد من الهجرة خوفا مما تسمية هذه الدوائر بالخطر الاسلامي خصوصا في دول اوروبا الغربية) او بالعزل اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا اذا كان مواطنا مقيم في بلد عربي لا يراعي اللعبة الغربية وعملية توزيع الادوار. وهكذا فان هذه الفوبيا تأخذ بعدها الاخر المكمل.
        مرة ثانية، ليس هذا الخوف المفبرك من العرب ذو بعد ثقافي بحت او حضاري وانما كرسته اجندة غربية مهيمنة. نحن نعرف هذا جيدا بل إنه غدا جزءا من أدبياتنا المعاصرة في نظرتنا الى الغرب. قد يشعر البعض بالضيق مع العجز، وقد يشعر البعض الاخر بالخجل فينكر هويته، وقد يشعر جزء آخر منا انه معني بكشف كل هذه الاجندة حتى لو كان جهده يشبه "النفخ في قربة مقطوعة" كما يقولون، لكن الحياة لا تستوي في النهاية من دون موقف حاسم من الاشياء التي نعتقد أنها الابقى و الاجدى.
إن مصالح القوى المتصارعة اليوم متداخلة بشكل كبير، وسوف يغدو التداخل اكبر كلما تقدم الزمن الى الامام، وهذا التداخل اليوم يشبه كرة ثلج تكبر باضطراد وقد يكون من الصعب إذابتها من دون دكها كلها معا بضربة واحدة و تدميرها. الخوف من العرب، الحرب ضد العرب، القضاء على العرب ليس انتصار لجهة ضد جهة. إن الغرب المفتون بهذه الفكرة والساعي اليها كالاعمى إنما لا يدرك ان الحرب القادمة انما هي هزيمة للجميع.