[x] اغلاق
ثورة عبد الناصر البيضاء وثورة الغضب السلمية
1/2/2011 10:29
زياد شليوط
ماذا يمكن أن يهدي الشعب المصري لرئيسه المصري الوطني الأول، وقائد ثورته التحررية ثورة 23 يوليو المجيدة، في عيد ميلاده الثالث والتسعين، أفضل من هذه الهدية الكبرى، ألا وهي اعلان الثورة على نظام مبارك الفاسد الذي يذكر بنظام فاروق البغيض، واعادة أمجاد الثورة المصرية البيضاء؟
عندما ثار عبد الناصر ورفاقه في تنظيم "الضباط الأحرار"، انما ثاروا على النظام الملكي الفاسد، الذي استغل عرق الشعب وكد الفلاحين وسد فرص التعليم أمام الطلاب، النظام الذي قام على الفساد من رشوة واحتكار واقطاع وانصياع للانجليز، وأعظم ما في الثورة كما قال قائدها عبد الناصر في "الميثاق" أن من خرج من الجيش لتنفيذها كان أداة شعبية للثورة وليست صانعا لها. واليوم يثور الشعب المصري على نظام فاسد مرتش مزور، يستغل الشعب ويغرقه في الهموم ولا يوفر أمامه فرص العمل وينصاع للغرب الأمريكي، وأعظم ما في هذه الثورة أن من قام بها عبر عن عموم الشعب المصري وهو خير رد على من قام يحسب عدد المشاركين فيها بدل أن يرى مدى تأييد الشعب لها.
ثورة عبد الناصر والضباط الأحرار كانت ثورة بيضاء نقية لم ترق فيها نقطة دم واحدة، ولم يتمكن النظام المخلوع من اراقتها بالدماء حيث فوت عليه الفرصة بسرعة تحرك قيادات الثورة وكوادرها. والشعب المصري أراد لثورته أن تكون سلمية بيضاء، حيث هتف المتظاهرون والمعتصمون بصوت واحد "سلمية.. سلمية"، لكن النظام الغارق بالفساد والمعتمد على البطش والقمع في تعامله مع الشعب، أرسل وحدات الشرطة لتطلق الرصاص والغاز، لتقتل وتصيب المئات والألوف من أبناء الشعب المسالمين، كما دس أعوانه من المأجورين ليعيثوا فسادا بالممتلكات العامة كي يشوهوا صورة الثورة، أما الجيش الوطني وعندما نزل للشوارع التحم بالشعب وامتنع عن قمع الشعب بالقوة ومنع سفك الدماء، وتعاون الشعب والجيش على كشف العابثين والمأجورين من أعوان النظام البائد.
عندما ثار عبد الناصر، انما ثار على الذل والاحتقار والدونية التي شعر وعانى منها الشعب المصري الأبي، ولهذا أطلق صرخته "ارفع رأسك يا أخي" التي تحولت الى شعار لكل مصري. واليوم يشعر المصريون أنهم يستعيدون كرامتهم من جديد وبدأوا يرفعون رؤوسهم بعد طول ذل وانكسار، ويرفعون صوتهم المجلجل وبكل ثقة وجرأة "ارحل" في وجه الحاكم الفاسد العميل.
عندما ثار عبد الناصر انما ثار على الحكام "الدمى" الذين كانوا ألعوبة بأيدي القوى الاستعمارية الغربية تحركها عن بعد بخيطان غير مرئية، وأثبت أن من حق الشعب المصري وبمقدوره أن يختار حكاما وطنيين من صفوفه. واليوم يرفض الشعب المصري كل البدائل "الدمى" التي يحاول مبارك ومن خلفه الأمريكان الذين يحركونه من بعيد، أن يمتصوا من خلالها غضب الشعب العادل، وكل محاولات التجميل للنظام الفاسد المهتريء، حيث أعلن الشعب بكل وضوح لا رجعة للوراء وأن "الشعب يريد اسقاط النظام" واللافتات جاءت واضحة علنية تخاطب مبارك "ارحل" الشعب لا يريدك.
عندما ثار عبد الناصر ورفاقه، تجاوز الأحزاب القائمة آنذاك والتي كانت غارقة أو مشاركة بالفساد وتتعامل مع النظام الفاسد، ولم ترق الى مستوى النضال الشعبي ولم تتحرك من أجل اصلاح الأوضاع، وقامت مجموعات منظمة من صفوف الجيش بالتحرك واستلام زمام الأمور. واليوم تجاوز الشعب وخاصة الشباب المصري الأحزاب التي باتت عاجزة عن القيام بخطوة نحو التحرر من فساد النظام، وبانت الأحزاب عاجزة ومقصرة ومصابة بالبلبلة والارتباك، وفرض الشباب موقفهم باسقاط النظام وبناء نظام جديد يقوم على الديمقراطية والمساواة والعدل والكرامة. وعندما تحدث عبد الناصر عن ثورة 23 يوليو قبل 60 عاما انما يتحدث عن ثورة اليوم " قيمة الثورة الحقيقية بمدى شعبيتها، بمدى ما تعبر به عن الجماهير الواسعة وبمدى ما تعبئه من قوى هذه الجماهير لإعادة صنع المستقبل، وبمدى ما يمكن أن توفره لهذه الجماهير من قدرة على فرض ارادتها على الحياة."
ان النظام المصري بعد عهد جمال عبد الناصر، خرج وانحرف عن مباديء ثورة 23 يوليو، منذ أيام السادات وحتى أيام مبارك، رغم احتفاله الشكلي بالثورة، لكن لم تعد تربطه بمباديء الثورة أي رابط فعلي، فقد تخلى النظام عن النقاط الست للثورة، والتي تحقق بعضها وتم الانقلاب على بعضها الآخر، واليوم نجد أن الثورة الجديدة تطالب بتحقيق ثلاث نقاط من النقاط الست لثورة 23 يوليو، وهي أولا "القضاء على الاحتكار وسيطرة رأس المال على الحكم" وهذا هو نظام مبارك وثانيا "اقامة عدالة اجتماعية" حيث تفتقد مصر اليوم لهذه العدالة التي عملت الثورة على تحقيقها. وثالثا "اقامة حياة ديمقراطية سليمة"، حيث أكد عبد الناصر على أن الديمقراطية ليست مجرد مظاهر شكلية مثل تشكيل الأحزاب واستيراد دساتير من الخارج واجراء انتخابات شكلية كما كان يجري في عهد السادات ومبارك. وقد أكد القائد عبد الناصر أن الديمقراطية السياسية لا يمكن أن تنفصل عن الديمقراطية الاجتماعية، ولا يمكن أن تتحقق في ظل سيطرة طبقة من الطبقات. ولعل الشبان الثائرين يحققون هذه النقاط الثلاث التي انقلب عليها النظام الخارج عن مباديء الثورة، وبذلك تكتمل النقاط الست لثورة 23 يوليو حيث تحقق بناء الجيش الوطني الذي يلتحم مع الشعب اليوم في انتفاضته، وتم القضاء على الاقطاع والقضاء على الاستعمار وأعوانه. واننا بانتظار اكتمال ثورة الشعب المصري.