[x] اغلاق
مصر... والمخفي وراء الموقف الأميركي !
11/2/2011 11:34
كثرة ما جاءنا عبر تاريخنا من مصائب من الغرب جعل بعضنا يقدّس المقولة "لا يجيء من الغرب شيء يسر القلب" وصار بعضنا في الشرق يتخذ المواقف ردّا على المواقف الغربيّة وخصوصا تلك الآتية من أميركا، فنحب ما تكره أميركا حتى لو كان سمّا زعافا ونكره ما تحب أميركا حتى لو كان ماء زلالا. سمّيت هذه الظاهرة في سياق آخر شبيه قبل سنوات ب"الأميركتوزيس" استعارة من اسم المرض السرطاني "الأسبزتوزيس"، خالصا إلى أنّه يجب أن نحبّ ما نحب وأن نكره ما نكره انطلاقا منّا ومن مصالحنا وبغض النظر إن أحبته أو كرهته أميركا، تخليصا لأنفسنا من هذا المرض.
أعادت لنا ثورة الشباب التونسيّ والآن ثورة الشباب المصريّ وقبلها التغيير في لبنان، الروح بعد أن كنّا أو كدنا أن نسلّم أمورنا حسب السياق، إلى الطبيعة وقوانين القصور الذاتيّ فيها أو إلى الله تاركين له أن يفعل فعله قانطين متوكلين عاجزين حتى عن سكب بعض القطران، وإذا بهذا الشباب يمتلك من القطران ما لم يكن لنتصوّر، أطلقه ليس سكبا وإنما سيلا كفيلا ليس فقط بشفاء جراح طال تقيّحها وإنما ليحرق كل الجراثيم إن لم يغيّر مُغرض مجراه.
المثير للريبة والمقلق هو هذه المواقف التي يقصفنا بها الغرب الأوروبيّ والغرب الأميركيّ صبح مساء و-"سبحان مغيّر الأحوال" دعما للشعوب، وما يجب أن يزيد هذه الريبة والقلق هو تصرف الكونغريس الأميركي الذي راح يشرّع قانونا دعما للشعب المصريّ وهو الذي قصر ذيله أن يتّخذ "شقفة" قرار ضدّ إسرائيل. وتتكفّل الفضائيات العربيّة حتى تلك التي يروح مذيعيها في غمرة حماسهم يسمّون الغرب عرين الأسود (!) المرتعش أمام هبّة الشباب المصريّ، بإيصال هذه المواقف لنا وبالبث المباشر وتباعا وتكرارا.
بغض النظر عن ال-11 مليارد دولار التي يمنحها الكونغرس لمصر سنويّا (بالمناسبة استضافة قطر لكأس العالم ستكلف 73 مليارد دولا على الأقل) فهذه المواقف فيها عدا الصفاقة، غرابة تستدعي منّا التوقف عندها مليّا. بداية فإن هذا التدخل السافر وبهذا الشكل الإملائي ما كان ليأتي لولا السياسة الرسميّة المصريّة والعربيّة، ولكن السؤال الأساس هو كيف تستقيم هذه المواقف والمواقف التقليديّة للغرب؟!
هل فعلا الغرب مطمئن أن المرحلة ما بعد مبارك ستكون ديموقراطيّة "أثينيّة" يهنأ فيها الشعب المصريّ بكل حقوقه مثلما يروّج، وتحفظ هذه الديموقراطيّة للغرب مصالحه في الشرق وبالذات وعلى رأسها وجود قاعدته الأماميّة، إسرائيل ؟!
هل فعلا لا يهم الغرب إن سيطر الإخوان المسلمون على السلطة في مصر؟! وهل ما يعلنه الأخوان المسلمون من أن لا طموح لهم في منصب الرئاسة كاف ضمانا للأميركيين؟! فماذا عن كرسيّ رئاسة الوزراء والوزارات؟!
تشير كل المؤشرات أن الأخوان سيخرجون في أي انتخابات مستقبليّة قريبة ونزيهة الحزب الأقوى وصاحب الحظوظ الأوفر في تشكيل الحكومة حتى لو جاءت حكومة ائتلافيّة أو توافقيّة أو إنقاذيّة وسمّها ما شئت، ولم نسمع منهم حتى الآن أنهم يعزفون كذلك عن الساحة الحكوميّة وأصلا لماذا سيعزفون أو لماذا لا يحقّ لهم طبقا للديموقراطيّة وهم جزء فاعل ولهم مكانة على الساحة المصريّة؟!
التاريخ القريب يعلّمنا أنه في خضم الثورة الإيرانيّة ضد الشاه محمد رضا بهلوي شكلّ هذا حكومة انتقاليّة على الطريقة الغربيّة رئسها شاهبور بختيار فشلت في امتصاص الثورة واستلمت الثورة الإسلاميّة الحكم ليس قبل أن يتوجه الخميني للناس بالقول: "لا تهاجموا الجيش بصدورهم هاجموهم بقلوبهم". هذا التاريخ القريب لا يغيب عن بال الغرب وها هي النتائج في إيران أمام أعين الغرب. إذا ما سرّ هذا الموقف وما الذي يدور في كواليس واشنطن ولندن وتل أبيب ولا نعرفه؟!
للمقارنة لا بدّ من العودة للتصريحات الأميركيّة أيام الثورة الإيرانيّة ومن نفس أصحاب المراكز التي يشغلها اليوم المعبرون عن مواقف أميركا مما يحدث في مصر:
قال استانسفيلد تيرنر مدير وكالة المخابرات حينها:
"ستكون الأيام القادمة من المجابهة بين الخميني وبختيار أيام بالغة الحساسيّة. لو أننا نظرنا الآن إلى أحداث الصيف والخريف الماضي في إيران، لشاهدنا وجود الكثير من الساخطين على الحكومة كالبراكين... الشيء الوحيد الذي لم يكن في حسباننا هو أن يتمكن آية الله إبن ال-78 القاضي في المنفى 14 سنة، من توحيد كل هذه الطاقات ليجعل منها بركانا هائلا وثورة وطنيّة حقيقيّة."
أما هنري كيسنجر وزير خارجيّة أميركا فقال:
"أساء النفوذ الأميركي إلى معنويات من كانوا ينشدون تطبيق النظام والقانون في إيران، وأتوقع أن تصبح إيران على مدى سنتين أقل حريّة وأقل تقدما وأقل ميلا للغرب".

أما هاردينج كارتر المتحدث باسم الخارجيّة الأميركيّة فقال:
"ستبقى الحكومة الأميركيّة بتواصل علاقات مع حكومة شاهبور بختيار على أساس الدستور. فنحن نعترف ببختيار بصفته رئيسا للدولة ، وسنواصل اتصالاتنا الرسميّة مع هذه الحكومة الرسميّة".

أما يانغ مندوب أميركا في الأمم المتحدة فقال:
"لقد حاولت أميركا التنبؤ بالمشاكل التي سيواجهها الشاه، إن كل من يدافع عام 1979 عن سلطة كملكيّة الشاه فهو لا يريد أن يعترف بتاريخ الألفين وخمسمائة سنة الأخيرة."

أما المتحدث باسم البيت الأبيض فقال:
"يجب على شاهبور بختيار الإذعان لرأي الشعب الإيراني ويسمح بتطبيق سيادة الشعب".

أظن أن كل ما جاء أعلاه لا يغيب عن بال المخابرات الأميركيّة أو الأوروبيّة أو الإسرائيليّة التي لم تُبقِ كما هو معلوم، موقفها سرّا وعلى لسان رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي غيّر أو عدّل موقفه ليستقيم جزئيّا والموقف الغربيّ بعد النقد الذي واجهه داخليّا وعبر البحار. بعد هذا الاستعراض أعتقد أنّ صانعي القرار في الغرب ويشمل ذلك إسرائيل، يعرفون كل ما جاء أعلاه جيّدا لا بل يعرفون أمورا أكثر كثيرا ممّا نعرف أو يعرف معلقو الفضائيات صانعو الرأي العام. وعلى ضوء ذلك أعتقد أن هنالك جانبا مظلما محتملا إضافة للجوانب المتداولة على لسان المراقبين ما زال غائبا وعلينا أن لا نغفله لأنه هو التحدّي الأساس أمام الثوار.            
هذا الجانب هو أن الغرب وقد اقتنع وإن متأخرا، أنه في صراع تناحريّ حسب الاصطلاح الماركسيّ، مع الشعوب العربيّة والإسلاميّة والجنوبيّة قاطبة وأنه متكيء على حكّام راهن عليهم حرّاسا لمصالحه ما لبثوا أن انهاروا عند أول امتحان في مواجهة شعوبهم التي اعتبرتهم دائما كذلك عندما سكتت عليهم مكرهة إلى أن فاض الكيل. الغرب الذي لم يستفد من دروس ثورة إيران خصوصا وأن السنين التي تلت الثورة أسقطتها في غياهب أخافت الآخرين، هذا الغرب يبحث عن قلب المعادلة بخلق تناقض جديد لا يكون هو فيه طرف على الأقل سافر، بين الشعوب وحكام من صُنعها يتوخى أن لا يستطيعوا أن يوفروا  لها ما تريد لا بل سيعمل الغرب خفيّة على أن لا يستطيعوا ذلك فينصب الغضب على الحكام الجدد ويقع التناقض التناحريّ المرجو بعيدا عنهم.
هذا هو المخفيّ حسب اعتقادي وراء المواقف الغربيّة الغريبة وغير التقليديّة، إلا إذا صدّقنا أنّ "دِرّة الغرب فقعت فجأة علينا لترضعنا حقوقا"، وامتحان التغيير إن تمّ كليّة وحسب رغبة الشعوب أو جزئيّا، هو أن لا تجد الشعوب العربيّة نفسها "من تحت الدلفة إلى تحت المزراب" أو ك"المستجير من الرمضاء بالنار" وهذا تحدّي مّن سيتسلّمون المقاليد.