[x] اغلاق
أنقذونا من هذه الثورات...
1/4/2011 10:45

 

أنقذونا من هذه الثورات...
زياد شليوط
فاجأتنا ثورة تونس "ثورة الياسمين" في يناير الماضي، ونجحت سلميا في اسقاط النظام وإرغام الرئيس السابق زين العابدين بن علي، على التنحي عن الرئاسة والرحيل عن الوطن غير مأسوف عليه وعلى نظامه، ونجح الشعب التونسي في تنفيذ مقولة شاعره الخالد أبو القاسم الشابي "إذا الشعب يوما أراد الحياة/ فلا بد أن يستجيب القدر". وتلتها مباشرة الثورة المصرية التي عرفت باسم ثورة "25 يناير" اليوم الذي ابتدأت فيه الاعتصامات والتظاهرات في "ميدان التحرير" في قلب القاهرة، ونجح الشعب المصري أيضا في اسقاط النظام لأن الشعب قرر ذلك وصمم على ذلك ونجح في ذلك، ونجح الشعب المصري أيضا في ارغام حسني مبارك على التنحي، وليس كما أعلن نائبه زورا بأن "الرئيس قرر التنحي عن الرئاسة"، فلو كان القرار بيد مبارك لما تنحى ولما ترك السلطة، التي بقي متمسكا بها عنوة حتى اقتنع أو أقنعوه أن الشعب لا يريده فعلا، وأنه من الأفضل له أن يتنحى قبل أن تتطور الأمور الى ما لا تحمد عقباه. ومضت الثورتان التونسية والمصرية في دربهما رافعتين شعار "سلمية"، ونجحتا في استمالة الجيشين الى جانبهما، وسقط عدد محدود من الشهداء، لكن الثورتين اتصفتا بأنهما سلميتين.
وبعد ذلك انتفض الشعب اليمني بثورة شعبية، ما زال يخوض غمارها رغم عناد الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، الذي يقف على رأس الجيش أيضا ومن هنا فان عناصر كبيرة من الجيش ما زالت تقف الى جانبه وتدعمه، وبدأت في الأيام الأخيرة تثمر ضغوط الشعب وصموده في تسجيل تراجعات هامة لدى الرئيس اليمني ومحاولة استمالة الشعب وأحزابه الى تفاهمات ما. ورغم الأيام الطويلة والشاقة، إلا أن الثورة اليمنية حافظت على سلميتها، رغم استخدام بعض "البلطجية" من اعوان النظام المفلس وانزال عناصر من الجيش لتفريق المظاهرات والاعتصامات الشعبية.
وفي ظل متابعة تطورات الثورة اليمنية جاءت الثورة في ليبيا، واتجهت الأنظار اليها، وتفاءلنا خيرا بسقوط ديكتاتور عربي آخر، بعدما لم يحسب أحد حساب هبوب الثورة في ليبيا بهذه السرعة، لكن وللأسف سرعان ما انزلقت الثورة الليبية الى الصراع الدموي، بعدما نجح القذافي "المجنون" في خداع الثوار وجر العديد منهم الى حمل السلاح، وبسرعة لم نتوقعها وفي تحول سريع غير مفهوم حتى الآن، تحولت الثورة الى ثورة دموية، وانقسم الشعب في ليبيا كما انضمت عناصر من الجيش الى الثوار، لكن معظم الثوار لم تكن لديهم الخبرة على حمل السلاح وجرى تدريبهم على وجه السرعة، وبسرعة ايضا تم اتخاذ قرار بتدخل دولي غربي لصالح "الثورة" الليبية ضد القذافي، الذي جر بلاده الى حرب داخلية، وأراق الدماء وشاهدنا الرجال يبكون بحرقة ويتوعدون القذافي بالانتقام بينما النساء تولول وتندب أبناءها وأشقاءها. فهل هذا ما حلم به الشعب الليبي يوم انطلق في ثورته؟ وهل هذا ما كنا ننتظره من الثورة الليبية يوم باركناها وأيدناها؟ لا، بالطبع ليس هذا ما أملناه وتوقعناه وتمنيناه، لأنه لا مستفيد من هذه "الثورة" التي تحولت الى مواجهة عسكرية غير متكافئة داخلية، تحصد أرواح الأبرياء وتخلف الضحايا من أبناء الشعب الليبي، لهدف لا نعرف ما هو، ولغاية باتت مجهولة؟ والأنكى من ذلك أن هذه "الثورة" جلبت التدخل الغربي المرفوض بأي حال وأي ظرف كان. فالنظام الذي يأتي على دبابة غربية وبقصف أمريكي ومدفعية انجليزية وطائرة فرنسية ومدرعة ألمانية، لن يكون نظاما وطنيا مخلصا لشعبه وتطلعاته ولن يطبق الديمقراطية لأنه لم يأت بأسلوب ديمقراطي مشروع، ولنا في العراق عبرة.
وفي الأيام الأخيرة وصلت نسائم الثورة والتغيير الى سوريا، لكن ما نخشاه أيضا أن تشهد سوريا ما شهدته ليبيا من تدخل غربي فظ ومقيت، مع أن الغرب يؤكد أنه لن يتدخل، فالوضع السوري مختلف عن الوضع الليبي، فليبيا بلد النفط، اما سوريا لا نفط فيها، كما أن سوريا لديها حدود مشتركة مع اسرائيل، ولها حق مسلوب في هضبة الجولان، وأي تغيير في النظام في ظل المجهول يجعل المراقبين من الغرب غير مرتاحين. فالجميع يترقب الوضع في سوريا، ورئيس الوزراء التركي أردوغان أدرك تلك الحساسية، وتكلم عن سوريا بلهجة تختلف عما تكلم به عن الثورة في مصر أو ليبيا، ولهذا لا يمكن النظر الى "الثورة" داخل سوريا كما نظرنا الى سواها، فالمعادلات السياسية والاستراتيجيات تختلف، والأعمى فقط من لا يرى الفروق، مع تفهمنا لمن يؤمن بالديمقراطية ويرى في النظام السوري البعثي نظاما ديكتاتوريا لا يختلف كثيرا عن غيره من الأنظمة العربية، لكن ومرة أخرى نستدرك ان سوريا بمكانها ومكانتها، بموقعها ووقعها تختلف كليا عن غيرها من الدول العربية، ولهذا يجري النظر اليها بمنظار مختلف وليس لأن نظامها أفضل من غيره، مع أنه في كثير من الحالات نعم يختلف، وعلينا ألا نخجل من التصريح بذلك.
ما زلنا نذكر صرخة شاعرنا الفلسطيني محمود درويش، في أعقاب الحب الذي غمر به النقاد والمثقفون العرب شعراءنا الفلسطينيين في أعقاب اكتشاف "شعر المقاومة" بعد نكسة 67، والذي ناشدهم هاتفا "أنقذونا من هذا الحب"، بعدما شعر أن الحب العربي المفاجيء والكبير وغير المتوقع، سيخنق شعراءنا ويضيق عليهم الخناق. واليوم بت أشعر أن الثورات العربية التي تحولت الى ما يشبه "الموضة" أو التقليعة، بحاجة لصرخة مشابهة "أنقذونا من هذه الثورات". أي تلك الثورات التي تنقلب على نفسها وجوهرها وأهدافها، باسم الحرية أو الديمقراطية. تلك الثورات التي كنا نخاف عليها وبتنا نخاف منها. تلك الثورات التي بدأت "سلمية" وسرعان ما تحولت الى دموية. تلك الثورات التي أحببناها وبتنا نخشاها. ونهمس في آذان الشعوب العربية: لا تجعلونا نندم على طلبنا بأن تثوروا في وجوه حكامكم. حافظوا على أوطانكم. حافظوا على حياتكم. ولتكن ثوراتكم "سلمية.. سلمية".