[x] اغلاق
الكنيست الاسرائيلي على شاكلة الشعب
4/4/2011 10:59

 

زياد شليوط

تزامنا مع خروج الكنيست لعطلة الربيع، نشرت صحيفة "هآرتس" الاسرائيلية الخميس الماضي (31/3) ملخصا لنتائج استطلاع رأي جديد بين أبناء الجيل الشاب في اسرائيل، يعكس ويؤكد أن ما تفرزه الكنيست من قوانين عنصرية ضد العرب خاصة ومضادة للديمقراطية عامة، انما هي نتاج ما يفكر به الشباب وما يؤمن به المجتمع اليهودي في السنوات الأخيرة اجمالا.

فقد أظهر استطلاع الرأي الذي يقوم به "صندوق فريدريك افريت" الألماني بالاشتراك مع مركز "ماكرو للاقتصاد السياسي" للمرة الثالثة خلال 12 عاما، تصاعد التطرف في أوساط الشبيبة اليهودية بتعريف اليهودية كهدف قومي الأهم بالنسبة لاسرائيل، والابتعاد عن القيم الديمقراطية حيث قفزت النسبة من 18% عام 1998 الى 33% في العام الأخير. وفي المقابل انخفضت نسبة اعتبار الهوية الديمقراطية جوهر دولة اسرائيل من 26% الى 14%. ويعتقد 60% من أبناء الشبيبة اليهود أن وجود قادة "أقوياء" على رأس السلطة أهم وأفضل من سلطة القانون. وأعلن 70% أنهم يفضلون الحاجات الأمنية على القيم الديمقراطية.

وهذه الأرقام تؤكد أن المجتمع الاسرائيلي (اليهودي) ينزلق نحو التطرف اليميني والفاشية، ونجد لهذه الأرقام ترجمة في القوانين التي سنتها الكنيست في الدورة الحالية لها، وعلى رأسها قانون سحب المواطنة وقانون لجان القبول للتجمعات السكنية الجماهيرية وقانون "عزمي بشارة" وما سبقها من قوانين عنصرية تهدف الى ضرب الوجود العربي في الدولة، تحت ذريعة "تطرف" النواب العرب، هذه الفرية التي صدقها وتبناها بعض حملة الأقلام والمثقفين من صفوفنا وباتوا يرددونها دون تمحيص أو تدقيق. وإن كان ذلك صحيحا فهل هذا يعطي شرعية للتطرف المقابل، وعن أي "تطرف" مسلوب الارادة والقوة والشرعية نتحدث، مقابل تطرف رسمي بيده كل السلطات والقوة؟ وأمام هذا "الاستبداد" لم يتمالك روبي ريفلن، رئيس الكنيست (وهو من حزب الليكود) أعصابه، ولم يمنع نفسه من التصريح " إن الكلام يدور عن استبداد الأغلبية وقلة صبر الأغلبية تجاه الأقلية في الكنيست." ويدرك ريفلن، كما يدرك غيره، أن القوانين التي سنت لن تقتصر على المواطنين العرب، فهناك اقتراحات قوانين تنتظر الموافقة النهائية عليها، مثل قانون إقامة لجنة تحقيق للجمعيات اليسارية وقانون إعلان الإخلاص. لكن للأسف مواقف ريفلن اليميني، ومواقف أقطاب اليسار الصهيوني أمثال حاييم أورون ويوسي سريد أو يوسي بيلين وغيرهم لم تتعد نطاق الكلام.

والفاشية التي ينزلق المجتمع الاسرائيلي نحوها لم تعد تنحصر في تصريحات و"جعجعات" أعضاء الكنيست الفاشيين من أتباع ليبرمان خاصة، ولو اقتصرت عليهم لما كنا تطرقنا إليهم أو أعرناهم اهتمامنا، لكن تلك التصريحات بات يتبناها أعضاء من "الليكود" و"كاديما" ومن "عتسماؤوت" (كتلة براك الجديدة المنشقة عن حزب "العمل")، هذا ناهيك عن الأحزاب الدينية من "شاس" الى "البيت اليهودي" كلهم أخذوا يرددونها وينافسون أتباع ليبرمان فيها. وباتت الجوقة التحريضية الواسعة اليوم تحرض على العرب علانية ولا تخجل من الاعلان عن رأيها بضرورة سحب حق الانتخاب للكنيست من المواطنين العرب، وحرمان العرب من الترشح للكنيست. وتجد تلك الأصوات العنصرية دعما واضحا لها لدى أبناء الشبيبة وهنا الخطر في الموضوع، حيث سيكون من بينهم في المستقبل وزراء أعضاء كنيست وقضاة وأصحاب وظائف عالية في الجيش والشرطة وغيرها من المؤسسات. فردا على سؤال حول قناعة المستطلعين بجدوى التفاهم اليهودي- العربي أجاب 55% من أبناء الشبيبة اليهود سلبا، مقابل 25% من أبناء الشبيبة العرب. وأيد 46% من المستطلعين اليهود منع العرب من الترشح للكنيست. فأي قيادة مستقبلية ستنشأ في اسرائيل؟

ولا حاجة بنا للذهاب الى البعيد لنرى انعكاسا عمليا لما يؤمن به أبناء الشبيبة اليهود من عنصرية تجاه العرب، ففي مدينة صفد لدينا مثل واضح، حيث يتعرض الطلاب العرب الذين يدرسون في كلية صفد الى ملاحقات عنصرية منذ عدة أشهر، تجلت في منعهم من السكن في المدينة بمنع المواطنين اليهود من تأجيرهم الغرف والمساكن، كما تعرضت عدة سيارات تابعة للطلاب العرب الى الحرق والتخريب، كما جرت اعتداءات جسدية مباشرة على الطلاب العرب. هذا مثال عيني واحد يدل على تجذر الأفكار العنصرية وانتشارها بين أوساط الشبيبة اليهود، ويتلقى أبناء الشبيبة دعما من "ربانيم" أي رجال دين أعمى الحقد قلوبهم وأفسدت الصهيونية أفكارهم، يطلقون الفتاوى المضللة باسم الدين والتي تبيح ملاحقة العرب ومطاردتهم والاعتداء عليهم.

ان الصرخة التي أطلقها رئيس حركة "ميرتس" اليسارية الصهيونية، حاييم أورون عشية استقالته من الكنيست في الشهر الماضي، لم تترك صدى يذكر في المجتمع الاسرائيلي اليهودي، لأنه بات بليدا أمام دقات الانذار والعقل، حيث قال أورون بأن ما يخيفه ليس الشيء الظاهر انما المخفي، ويقصد من تطرف وانزياح نحو الفاشية نتيجة ما يفعله ليبرمان وحزبه. ولم تكن هناك أصداء للصرخة رغم ما يتمتع به أورون من احترام وتقدير بين الأوساط الحزبية والسياسية في اسرائيل، حتى خصومه يحترمونه، لكن احترامهم لا يتعدى الواجب الكلامي، وأحدا منهم لم يعلق ولم يبادر الى أي خطوة عملية، لأنهم باتوا يخشون اليمين المتطرف ولا يجرؤون على مواجهته، بعد الضعف الذي حل بهم وتشتت قواهم أمام قوة صاعدة منظمة وهوجاء.

ومن ناحيته كشف الصحفي تسفي بارئيل من صحيفة "هآرتس"، في مقال نشره يوم الأحد (3/4) عن مخاطر القانون الجديد الذي أقرته الكنيست الأسبوع الماضي، بتأثير وضغط حزب "اسرائيل بيتنا" بزعامة العنصري ليبرمان، والذي بقضي بسحب المواطنة من أي مواطن يدان "بخيانة الدولة"، حيث بين الصحفي بارئيل أن البند 97 من القانون الجديد يشكل خطرا حقيقيا ليس على العرب فحسب، بل على كل مواطن وسياسي "عاقل" في الدولة، ويفند بارئيل تبريرات مؤيدي القانون الجديد قبل أن يتفوهوا بها، فيكتب " البند 97 يقرر: من مس قصدا بكيان الدولة، أو قام بما يمكنه ان يمس كيانها، مصيره الموت أو السجن المؤبد. ومن يعمل بقصد على سلخ قسم من الدولة وضمه لكيان دولة خارجية، يؤدي الى الحكم عليه بالموت أو السجن المؤبد." ويحذر بارئيل ممن سيهزأ بتفسيره هذا، وسيدعي ان الأمر لن يصل لهذه الدرجة، وأن المقصود فقط هو تخويف العرب لمنعهم من ارتكاب تجاوزات سياسية، ويحيله الى ما يكتبه اليمينيون الفاشيون في مواقع الانترنيت الذين يطالبون بتطبيق البند المذكور من القانون ضد ممثلي يسار بارزين. ويضيف أن أي مقال في المستقبل أو أي نداء ضد الاحتلال أو تنازل عن أراض سيعتبر "خيانة" أو عملا ضد كيان الدولة مما يستوجب ادانة صاحبه بموجب القانون.

الوحش الفاشي اذا نجح بافتراس العرب، لن يشبع ولن يقنع وسيواصل هجومه الشرس على اليهود "اليساريين" و"العقلاء"، فهل سيتنبه المسؤولون للأخطار القادمة التي ستحرق الأخضر كاليابس؟