[x] اغلاق
هل يذهب الصالح بعزا الطالح
3/6/2011 13:58

 

 

هل يذهب الصالح بعزا الطالح

(عن اعادة كتابة تاريخ مصر)

زياد شليوط

تسنى لي الأسبوع الماضي مشاهدة الفنان المصري هشام سليم في حوار على قناة "المحور" المصرية، يتحدث فيه عن ثورة يناير المصرية، ما لها وما عليها، يتحدث بحذر وعقلانية وقلق مشروع على الثورة ومستقبلها. كما تطرق لما عاناه من نظام مبارك البائد. وتحدث عن معاناة المواطن المصري وافتقاره لحقوقه خلال الفترة السابقة، مرة يقول عنها "ثلاثين سنة" ومرة يقول "ستين سنة"، ورأيته مترددا بين اجمال الحقبة الناصرية مع حقبة السادات ومبارك أو الامتناع عن ذلك لمعرفته في قرارة نفسه الفارق بين تلك الحقب. لكني فوجئت بعدها بالفنان هشام سليم يعلنها صريحة ويساوي بين الفترات الثلاث، حيث قال أن الحكام في كل الفترات منذ 60 سنة خدعوا الشعب، هكذا بكل بساطة وسذاجة. وهنا أسأل الفنان المصري باللهجة المصرية المحببة والمعبرة: ليه كدة يا هشام؟ على أن أعود اليه فيما بعد.

وبعد ذلك اللقاء، بثت قناة مصرية أخرى برنامجا وثائقيا تحدث عن مواضيع متعددة وحقبات تاريخية مرت على الوطن العربي. وكم كان رائعا أن نرى عبد الناصر يتحرك على الشاشة المصرية بعد طول غياب ومنع، أثناء اعلانه قرار تأميم قناة السويس، وفي لقاءاته مع الشعب في الشوارع والميادين بسيارته المكشوفة، والملايين تخرج لملاقاته بحب وتأييد جارفين، هذه الصور التي حرمنا منها ومنعت القنوات المصرية من بثها في عهدي السادات ومبارك سيئي الصيت.

لكن البرنامج ارتكب خطأ تاريخيا جسيما، عندما تحدث عن الرؤساء الثلاثة بنفس اللهجة والصيغة، فيسأل المذيع القاريء، ومن خلفه معد البرنامج عن سر تمسك الرؤساء العرب بمقاعد الحكم بأي ثمن وحتى النهاية. فيقول: عبد الناصر لم يترك الحكم إلا عند مماته.. والسادات عند اغتياله ومبارك عند خلعه من قبل الشعب؟ حتى لو كان هذا الكلام صحيحا – مع أنه ليس كذلك- فان الاختلاف واضح بين الرؤساء الثلاثة، ولا يمكن النظر اليهم كشخص واحد، فلماذا هذا التجني؟

ولماذا ينكر معد البرنامج الحقيقة الساطعة والتي تمثلت في تقديم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، استقالته من مناصبه جميعا بعيد نكسة حزيران 1967، وسجل بذلك سابقة وحيدة وواحدة بأن يقدم رئيس عربي استقالته نتيجة لاخفاق تحمل مسؤوليته كله بشجاعة نادرة، وقدم الحساب علنا وصراحة لشعبه في "خطاب التنحي" الشهير؟ ولم يعد عبد الناصر للحكم إلا بارادة الشعب وتحت ضغط جماهير 9و10 يونيو. لماذا تزوير التاريخ يا أقطاب الثورة الجديدة التي جاءت لتصلح الغبن التاريخي؟ لمصلحة من القفز عن هذه الحقيقة التاريخية ووصم عبد الناصر بما لم يجرؤ أعداؤه على وصمه به؟ هل إعادة كتابة التاريخ بنظركم لا يتم إلا من خلال رؤية كل ما كان سابقا أسود وسلبيا؟ لماذا لا تتعلمون من عبد الناصر الثائر نفسه؟ فهناك قصة بسيطة ومعبرة تروى بأن الإذاعة المصرية وبعد نجاح ثورة يوليو قررت ايقاف اذاعة أغاني أم كلثوم باعتبارها من العهد الملكي البائد، الذي قامت ثورة الضباط الأحرار لتطيح به وتغيره، وفهم البعض أن ذلك يعني الغاء كل ما يمت للعهد الملكي بصلة، ووصل الخبر لعبد الناصر فدهش له كبير الدهشة، وأمر باذاعة أغاني أم كلثوم التي اعتبرها مثل أهرام مصر ونيلها، فهل يمكن ازالة تلك المعالم لأنها من عصور سابقة؟

وهكذا على دعاة ثورة يناير أن يميزوا بين الصالح والطالح، بين الايجابي والسلبي، بين من عاش ومات فقيرا ومن استغل قوت الشعب وجهده ليبني القصور والعقارات ويجمع الملايين.

وعلى أي أساس يعتبر الفنان هشام سليم أن جميع الرؤساء خدعوا الشعب؟ فان كنا نوافقك بأن مبارك والسادات فعلا ذلك، هل يعقل أن ينطبق هذا الكلام على عبد الناصر؟ أعرف أن الكثيرين يعتقدون ذلك وأعرف مبرراتهم، لكن هل يوافق مريدو الثورة على ذلك؟ ألم يهتف عبد الناصر وتحول هتافه الى شعار "ارفع رأسك يا أخي، فقد ولى عهد الاستعباد"؟ وتبنت ثورة يناير هذا الشعار مع اضافة طفيفة ليصبح " ارفع رأسك أنت مصري"!

واذا أخذ على عبد الناصر أنه رفع شعارات كبيرة وشيد أحلاما عظيمة لشعبه، لكن يسجل له أنه لم يفعل ذلك خداعا أو لجني الفوائد الشخصية والعائلية. بل فعل ذلك لأنه حمل طموحات كبيرة هي طموحات الشعب بأكمله. واذا كان هشام وغيره يقرون ويعترفون أن ثورة يناير لم تغير شيئا بعد، وأنها زرعت أحلاما كثيرة وكبيرة تحتاج الى سنوات كثيرة لتحقيقها، فلماذا يأخذون على عبد الناصر انه احتاج لسنوات كثيرة ليحقق احلام وطموحات شعبه، وقد تميز عهده بالتحديات الكبيرة وصد المؤامرات الخارجية والداخلية؟

لا أتوخى اطلاق أحكام جائرة على الثورة الجديدة، لكن بودي تحذير بعض المتسلقين عليها أو المنضمين اليها بعد نجاحها، من خطورة التعميم والكيل بذات المكيال مع العهود السابقة للثورة، واللجوء الى تشويه التاريخ تحت ذريعة اعادة كتابة التاريخ، خاصة وأن ملامح كثيرة تجمع بين ثورة يناير وثورة يوليو المجيدتين.

(شفاعمرو/ الجليل)