[x] اغلاق
رياض الأنيس القائد السياسي والحزبي الفذ../ د.باسل غطاس
6/5/2009 17:52

 لم يمض من الوقت ما يتيح للمرء استيعاب هول المصاب وحجم الخسارة بفقدان الصديق المخلص والقائد الحزبي والسياسي اللامع والمحامي القدير أبو عمار رياض أنيس. ولكن واجب الوفاء لذكرى هذا الشخص النبيل يدفعني للكتابة عنه لإيفائه بعض حقه رغم معرفتي الأكيدة أننا مهما فعلنا سنكون مقصرين.

تعرفت على رياض عام 1974 حين ساعدنا كطالب جامعي حينذاك في جهودنا لتأسيس لجنة الطلاب الثانويين العرب، وكان عزمي بشارة هو الذي زار رياض في بيته قبيل المؤتمر التأسيسي الذي انبثقت عنه اللجنة في مطلع نيسان من ذلك العام. كانت تلك فقط البداية لمسيرة طويلة تقاطعت وتباعدت حتى التقينا مجددا قبل 8 سنوات في هيئات التجمع الوطني الديمقراطي أعضاء في اللجنة المركزية وفي المكتب السياسي.

عملنا سوية عن قرب طيلة السنوات الثماني الماضية، وكانت سنوات حافلة بالأحداث السياسية العاصفة والمواقف الصعبة تحققت فيها الكثير من الإنجازات إلى جانب الإخفاقات، فعشنا معا لحظات الفرح وتذوقنا معا مرارة الفشل. حقا كانت فترة كافية كما وكيفا لكي أتعرف على رياض ولكي أقدم بعض الإضاءات عن صفاته وقدراته كقائد حزبي وسياسي.

بدءا، لابد لي من أن أسجل للحقيقة والتاريخ أننا وجدنا نفسينا، أنا ورياض، منسجمين تماما في كافة المواقف والقضايا الخلافية التي تم بحثها داخل الحزب حتى ظن البعض إننا ننسق فيما بيننا قبل الاجتماعات الرسمية. والحقيقة أن تطابق مواقفنا نبع من رؤية سياسية وفكرية وقيم مشتركة مضاف إليها خلو جعبتنا من أي أجندة شخصية.

تميز رياض كقائد سياسي برأي ثاقب وقدرة واضحة على تحليل منهجي للأمور وفصل الغث عن السمين ومن ثم استخلاص الاستنتاجات الصحيحة في القضايا الرئيسية. وكان يقوم بذلك مستندا إلى فكره القومي الديمقراطي وإيمانه العميق بقيم الحرية والمساواة وخاصة مساواة المرأة وقيم العدل الاجتماعي.

تميز ببغضه الشديد للتعصب على مختلف أشكاله ولكل ما يسهم بالتخلف الاجتماعي. ولهذا كانت مواقفه دائما منحازة بدون تردد لقضايا التحرر الاجتماعي إضافة لموقف واضح بكل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية والتمسك بصلابة الحقوق الوطنية وخاصة بعد اشتداد الانقسام على الساحة الفلسطينية.

كان رياض من أوائل المعارضين لاتفاقية أوسلو والمدركين لمخاطرها ولكونها لن تجلب السلام ولن تحقق شروط الحد الأدنى لضمان بعض العدل النسبي في حل الصراع العربي الإسرائيلي. كل هذا جعل رياض قائدا سياسيا وحزبيا من الطراز الأول يتمتع بموقع خاص في صفوف الحزب وبين الكوادر، وكان مثلا يحتذى أيضا لاستقامته ولجرأته وشجاعته ولتواضعه ودماثة أخلاقه لكل الوطنيين وخاصة لأعضاء الحزب الشباب.

هذه الصفات الشخصية النبيلة جعلته أيضا يقيم علاقات من نوع خاص مع المنافسين السياسيين، حيث تمكن من الجمع بين موقف سياسي متميز وحازم بالنسبة لهم وفي ذات الوقت الحفاظ على علاقات شخصية جيدة وعلى قنوات مفتوحة مع الجميع.

لعل من أبرز مواقفه في السنوات الأخيرة كان دعمه لترشيح امرأة للكنيست في مكان مضمون في قائمة التجمع، وقد قاتل بصلابة في مؤتمر التجمع الأخير حتى قرر المؤتمر تحصين مكان لامرأة في الأماكن الثلاثة الأوائل.

وبفضل هذا القرار الثوري وصلت لأول مرة امرأة عربية في الانتخابات الأخيرة لعضوية البرلمان هي الأخت حنين زعبي التي دعمها رياض شخصيا منذ ترشحت في الانتخابات التمهيدية عام2006. لقد حظي رياض برؤية هذا الانجاز يتحقق في حياته وقد شعر برضا كبير عن دوره الشخصي في حدوث ذلك.

إن دور رياض وإرثه السياسي لن يذويا بمماته بل سيبقيان مشعلا مضيئا من مشاعل الحركة الوطنية لأجيال قادمة.