[x] اغلاق
في حفل تكريم الشاعر نزيه حسون
12/7/2011 11:44

 

في حفل تكريم الشاعر نزيه حسون

نحو المستحيل الممكن

                                                              كلمة: (عبد عنبتاوي)

اسمحوا لي أن أتحدث إليكم هنا والآن، وفي هذه المناسبة، من الموقف لا من الموقع، ومِنَ الخاص لا مِنَ العام، من الذاتيّ الذي لا يحمل بالضرورة كلّ الموضوعيّ.. ودَعوني أمنح النصّ المكتوب مَداه، وبإيجاز..

فنحن حين نحتفي ونحتفل بالشاعر نزيه حسون، تكريماً وتقديراً، إِنما نحتفي بِشعرِهِ تقييماً وتحفيزاً.. ففي شعرِهِ ما يستحق التأَمُّل ومنه ما يستحق البقاء والنمو وتجاوُز جغرافيا الزمن..

ورغم أننا اليوم لسنا بصدد وقفة تقييميه ونقدية لشعره ولا تفكيكاً لأدبه، إلاَّ أنني أسمحُ لنفسي، ومن باب الصداقة وقراءَة اللامقروء ومعرفة بواطن الأشياء ومكامِنها، أنْ أَكشفَ لكم ما قد لا يبدو جديداً لبعضكم.. حين أدّعي أنَّ شِعْرَ نزيه يحمل ملامِحَ صاحبِهِ- الشخص والإنسان- كما تحملُ حياتُه وشخصيتُه ملامِحَ شِعرِه، وجذورِ أغصانِهِ.. فشعرُهُ مِرآةٌ لذاتِهِ وانعكاسٌ لها.. فلا انفصامَ بينه وبين شعرِهِ، إلاَّ ما نَدَر..!!

وهو يتحرك في مواضيع شعره، بين الوطن والمرأة والحب والحرية والليل والبحر والإنسان، برشاقةٍ شعرية فنية سَليقية، لا تخلو من إيقاع الحياة وموسيقاها..

كما أدّعي انه شاعرٌ طبيعي حقيقيّ، يسمو حين لا  يتهذَّب ويخبو إذا ما حاول التهذُّب.. وهو دافق الحركة والجَمال، في بحثه عن المعنى والكَمال، فيجدْهُما أحياناً، ويجِدَانِهِ حيناً.. ولكن، في كل الأحوال، تبقى المواصَلة والمُحاوَلة يقينُ الاتجاهات الإفتراضية..

ومُنذ مُقتَبَلِ العمرِ الباكرِ جداً، وبُعَيْد حُضور النُطفَةِ مُباشَرَةً، وحين كان الكلامُ في بدايات تكوينه الاوليّ، كُنا نَتَّكِئُ على الليلِ، في عَتمة البحث عن سبيل نحو الحياة ومن أجلها، ونقرع الأمْكِنة بحثاً عن معانٍ جديدة، يتوارى خلفها نورٌ ونارُ..

وكنَّا ، حين نَلِجُ الليلَ بالنهارِ، والنهارَ بالليلِ، تلتبسُ لدينا الحدود الفاصِلة بين الزمان والمكان، فيتمنطَق التِّيه ويتجلَّى العَدَم، في سراديب الواقع المُتخَيَّل.. كُنَّا نستخرج من ثَنايا الموت، شظايا حياة، في المَكْتَبات والمُظاهرات والمعتقلات والحانات.. فلمْ نعْبَث وإنْ بَدا لك..

وفي لياليه ومعه، كنديمٍ لا تَنْضُب خَمرتُه، تتبدد الحدود بين الجِّدية والسخرية، فتتوارى الأفكارُ خلفَ السُّخريةِ مُحَلِّقَةً، وتتأتىَّ السُّخريةُ من ثِقَلِ الأفكارِ مُقَهْقِهَةً..

ولأن الحقيقةَ لا نهائية، فلا مَلامِح نهائية للحقيقة.. فعندما كُنا نتفق في أمرٍ ما ، كانت الأشياءُ تركُد، وعندما نختلف كانت تزدادُ حيويةً وألَقاً..

كان "اللهُ" يُفرِّقُنا، وكانت وما زالت الحياةُ تجمعنا.. فمِنَ الجميلِ أن تتفق مع نزيه، لكن ما أجمل أن تختلف معه، بعيداً عن التسوياتِ والوَسطيةِ وأنصافِ المواقفِ التي ترزح تحت وَطْأة الموت.. وبمَنْأَى عن إفساد الوِدِّ.. فلا تَرف ولا حَياد..

فيمكن للنقائض والأضدادِ أن تسيرَ معاً في وحِدةٍ تتغلب فيها إرداةُ البقاءِ واحتمال الحياة، على قِيَم الموتِ والأفول.. وليس بالضرورةِ ما يعتبره عقلُنا سيّئاً او شرّاً هو كذلك، بالنسبة لطبيعة الأشياء وطبائِعِها.. وهكذا يُمكن أن يُؤسَّس على العلاقات التي تخلو من مصالحٍ ورِياءٍ ومُوَارَبة.. وحين يكون الإبداعُ سيّد الحضور..

ومن: ميلادٌ في رحم المأْساة، وأبحثُ عن جَسدٍ يلدُ النصر.. مروراً بـ : سيمفونية الحزن المسافر، ومزاميرٌ من سورة العشق، وتأُخذُ القصيدةُ ملامِحَكِ.. وحتى: أبحثُ عن وطني في وَطني، وعِشْقٌ على سَفر.. أنتَ تسيرُ بين نَسماتٍ وعواصفٍ، وفي تِرحالٍ بين السهول والجبال.. إنها مسيرةُ "سيرةٍ غير ذاتية"..

نزيه: حين تأُخذ القصيدةُ ملامَحَكَ، تغدو الأشياءُ باسِمَةً وباسِقةً.. فَواصِل وتقدَّم.. نحو المستحيل الممكِنِ..