[x] اغلاق
قداسة البابا في الصحافة الإسرائيلية
12/5/2009 11:50

لا زالت الصحافة الإسرائيلية، العبرية والعربية، تتحدث عن زيارة الحبر الأعظم البابا بنديكتوس السادس عشر إلى الأراضي المقدسة، ومعظمها ينشر مقالات مؤيدة للزيارة أو معارضة لها، ومن هذه المقالات تلك التي تذهب بالتحليل والتفسير إلى حد المغالاة، ومنها من يعبر وبصراحة متناهية تبلغ حد الوقاحة، بالتعليل والتفنيد عن أسباب المعارضة لهذه الزيارة.
إن النشر في وسائل الإعلام يعود إلى حرية التعبير وإبداء الرأي في أي موقف كان إما متفق أو مختلف عليه، ولكن هناك من المواضيع والمواقف تلك التي لا تندرج في إطار إبداء الرأي، لأن المسألة لا تعني أحدًا ولا تهم أحدًا للتعبير عن رأيه فيها أم لا. وزيارة قداسة البابا ليست مدارًا للمعارضة ولا للموافقة، بل هي حقيقة واقعة، من يقبلها فأهلاً وسهلاً ويمكنه المشاركة في الاستقبالات، ومن لا يقبلها فليهتم بشؤونه الأخرى ولا يبدأ بالتحريض والتنكر لهذه الشخصية والتعرض لمكانتها وقداستها وكأنها شخصية يسمح بإهانتها.
وإذا بدأت بالحديث عما نشرته وسائل الإعلام العربية، المقروءة والمسموعة والمرئية، من مقالات ومواقف نجدها تنشر مقالات تبث سمومها على قداسة البابا لأنه تطرق إلى موضوع المس بمشاعر المسلمين، ولا أحد يقبل ذلك، ولا حتى قداسته، لانه عاد وفند اقتباسه الذي ذكره وأكد حرصه على احترام جميع الأديان والأنبياء، والمسلمين بالذات حيث التقى بالعاهل السعودي وغيره من الملوك والأمراء والرؤساء، وبمجموعة من الأئمة ورجال الدين المسلمين، وهو على اتصال وثيق بالمفكرين والمحاورين والمؤتمرين في أنحاء الدنيا، والذين يأخذون بموقف الكنيسة ورجالها موقف الجد، فيتحاور الجميع من منطلق المسؤولية، والتقارب والتفاهم. أما أن يطلق أحدهم تلك التصريحات التي لا تنم سوى عن الكراهية والحقد والبغضاء، لشخصية مرموقة، تقف برئاسة أكبر ديانة في العالم فهذا يدل على عدم الوعي، وضيق الأفق وعسر الفهم. فحري بالمتطاولين أن يرتدعوا، وأن يتفهموا، لأنهم يعيشون في مجتمع يتألف من أطياف متعددة، وأبناء ديانات مختلفة، وحري أن يوجهوا أقلامهم وخطاباتهم ووعظهم للمحبة، للتفاهم والتسامح، للتآخي والتعايش. وأن التحريض على عدم استقبال البابا يجب أن يتحول إلى دعوة لاستقباله، فهكذا نظهر للعالم أجمع نبل الأخلاق العربية، وأصالة عادات الضيافة، واستقبال وفادة كل من يأتينا مسالمًا، حاجًا، مستطلعًا عن أمورنا، وأحوالنا، فيكفينا ما نحن فيه من تمييز وظلم وإجحاف، لأننا بأمس الحاجة إلى من يقف معنا وليس إلى من يقف ضدنا.
أما ما تنشره الصحافة العبرية فهناك الطامة الكبرى، حدث ولا حرج، فلا أحد يدرك ولا أحد يفهم، بل يتسابق الجميع على التنكر لكل ما قامت به الكنيسة على مر العصور حيال اليهود في أوروبا وخارجها، وتمسكوا بقشة واهية حول انتماء قداسة البابا لصفوف الشبيبة النازية في صغره، ماذا دهاكم يا قوم!! أتحكمون على شخص كان عضوًا غير فعال، ولم يقم بأي إساءة لا لفرد ولا لشعب حتى تقوم الدنيا ولم تقعد. وكم مرة يجب أن يقول قداسته بأنه ياتي إلى هنا طالبًا المصالحة والتوافق بين الكنيسة والشعب اليهودي؟ كم مرة يجب على قداسته أن يستقبل كبار الحاخامات والربانيم لكي يقنعهم بصدق نواياه؟ وكم مرة يجب أن يعلن قداسته عن شجبه لكارثة المحرقة اليهودية، وأنه ينفي الموقف الفردي لأحد الأساقفة المتنكر لهذه المحرقة؟ وكم مرة يجب على قداسته أن يستميح الأعذار من اليهود والإسرائيليين وأنه بمكانة غير سياسية، لا بل دينية، أيجرؤون على مخاطبة حاخاماتهم بهذا الأسلوب وهذه الطريقة؟ كم مرة يجب أن يستنكر ظواهر اللا سامية والعنصرية البغيضة؟
أيريد الإسرائيليون أن يأتيهم قداسته جاثيًا على ركبتيه؟ أم ينحني أمام كل فرد منهم طالبًا العفو والصفح والمغفرة؟ أم يجب أن يمجد ويهلل ويكبر بإسرائيل وباليهود لكي يعتبر محبًا لهم ولسياستهم؟ أم يجب أن يتغاضى عن كل ما تقوم به إسرائيل ويقيم لها فريقًا من المؤيدين والمشجعين؟ أيمكنه أن ينسى أو يتجاهل ما حل بالفلسطينيين في الداخل والخارج؟ حاشا! وأصبحت قيادة الدولة، العلمانية والدينية، تتنافس على إهانة قداسة البابا والإنقاص من مكانته والتقليل من أهميته، وعدم تقديم واجب الاحترام له والتهرب من استقباله، فهذا يريد أن لا يستقبله في المطار، وذاك لا يريد استقباله بإحناء الرأس، وذاك لا يريد استقباله والصليب على صدره، وكأنهم هم الذين يحملون هذا الصليب. وهم الذين يتكرمون عليه بالاستقبال.
ما هذه العجرفة؟ ما هذا الإحجاف والتنكر؟ ما هذا الصلف والوقاحة؟ ما هذا التطاول والاستهتار؟ ما هذا التصرف الذي يدل على ضيق الأفق؟ على الغباء، على الفظاظة!
إن قداسته أكبر بكثير من قصر قامتهم، وأعلى بكثير من وضاعتهم، وأسمى بكثير من حقارتهم، أنه ليس بحاجة إليهم، فهم الذين وجهوا إليه الدعوة لزيارتهم، أهكذا يستقبلون زوارهم؟ أهكذا يتعاملون مع شخصيات عالمية؟ أهكذا يتقربون من أي ديانة أخرى؟ ولم تتورع بعض الصحف العبرية واسعة الانتشار على نشر صور كاريكاتورية لقداسة البابا مشددة على أنه ذو ماضٍ نازي، وصديق لهتلر، وعلى نشر المقالات التحريضية المناهضة لزيارته، خسئ كل من يحاول المس بقداسته وبقداسة أي من القديسين والصالحين من أي ديانة أو طائفة!
لقد عملت الصحافة ما بوسعها لتتعدى دورها كناطقة باسم الحقيقة والعدالة، وابتعدت عن النزاهة والموضوعية، فتعدتها إلى التحريض واتخاذ المواقف المسيئة، ولا شك بأن هذا يندرج في مخالفة قانون منع التشهير وإلحاق الأذى بالآخرين والإساءة إليهم، وعليه أدعو المستشارين القضائيين لمقاضاة المخالفين تحت طائلة القانون. فأهلاً وسهلاً بقداسة البابا