[x] اغلاق
المأزق السوري... المؤامرة والثورة والاستبداد
3/9/2011 22:57

 

المأزق السوري... المؤامرة والثورة والاستبداد

خالد خليل

 

جميع الأنظمة العربية من المحيط  إلى الخليج مستبدة ولم تختبر تجربة ديمقراطيه حقيقية, فيها ينتخب الشعب قيادته بحريه نسبيه ضمن القواعد العامة للديمقراطية الغربية التي تسمح بالتعدد وحرية التعبير وحرية التنظيم. وقد نستثني لبنان من هذا الوصف لان تجربته الديمقراطية الخاصة فريدة ووحيدة ومستندة إلى ما أسماه اللبنانيون الديمقراطية التوافقية، بعد الاعتراف أن بلدهم بلد طائفي بامتياز ويعيش على التقسيم الطائفي التوافقي. ومن الواضح أن تداول السلطة في لبنان يسير ضمن وفي إطار القواعد الديمقراطية العامة المشار إليها آنفا. وبسبب ذلك نجحت المعارضة السابقة في إسقاط حكومة الحريري، التي كانت مرتبطة حتى العظم بالمشروع الأمريكي، وتم استبدالها بحكومة وطنية تضع مسالة السيادة الوطنية على رأس سلم أولوياتها ضن معادلة "المقاومة الشعب والجيش".

سقطت حكومة الحريري رغم احتضانها من قبل أمريكا والسعودية والأنظمة العربية المستبدة الدائرة في الفلك الأمريكي. وتحولت المعارضة إلى سلطة ترفض المشروع الأمريكي جملة وتفصيلا...

لا شك أن لبنان مع كل مشاكله وتعقيداته يتبوأ مركز الصدارة في إحداث التغيير الحقيقي للحكم, ليس لان التغيير حدث بدون إراقة الدماء واشتعال حرب أهلية، وإنما بالأساس لان هذا التغيير مبني  على مشروع سياسي وطني عنوانه السيادة الوطنية وإفشال المشروع الأمريكي في لبنان الذي مثل الحريري وفريق 14 آذار رمزا له.

إذن بارومتر قياس التغيير الحقيقي في منطقتنا ليس مرتبطا فقط بمجرد تداول السلطة, انه مرتبط بالموقف من المشروع الأمريكي والإسرائيلي في المنطقة.

فإسقاط حسني مبارك على أهميته يبقى منقوصا إذا ما استمرت أمريكا بإدارة السياسة المصرية، وأي حكومة جديدة في تونس فاشلة إذا لم تكن سيدة لنفسها في الشأن المدني والإقليمي والقومي.

الشعوب العربية التي تعيش في حالة من الفقر المدقع وتحت منظومات السيطرة الأمنية لأنظمة الاستبداد تحلم بتغيير ظروفها المعيشية تحت مظلة الكرامة الوطنية والقومية.

لا اعتقد أن مواطنا قطريا، حتى وان تحقق له بعض الرخاء الاقتصادي، يحس بالفخر والعزة مع وجود قاعدة أمريكية على أراضيه. كذلك الأمر بالنسبة للمواطن السعودي والبحريني وباقي الأقطار العربية.

الغريب أن النظام السعودي ينتقد النظام السوري لأنه مستبد وغير ديمقراطي ويقتل الأبرياء، والأمير القطري أصبح حليفا للإخوان المسلمين في سوريا وشريكا مع الناتو  في قصف المنشآت الليبية ضد النظام العائلي والقبلي للقذافي, وكان أرسل قبل ذلك قواته لقمع الحراك الشعبي في البحرين لحفظ أمن الخليج؟!

الاكتشاف المتأخر أن النظام السوري مستبد وقمعي وما إلى ذلك من أوصاف من قبل بعض النخب العربية معيب ولا يمكن تصنيفه إلا ضمن الانتهازية السياسية. فهذه النخب كانت تكيل المديح للنظام هنيهة قبل بدء الأحداث.

النظام السوري مستبد وقمعي، هذه حقيقة لطالما عرفها وأحسها الجميع، وبشار الأسد وصل إلى الحكم بطريقة التوريث تماما مثل الأنظمة الملكية العربية التي تستأثر بخيرات هذه الأمة. لكن بشار الأسد والنظام السوري يختلفان عنهم جميعا، فهذا النظام ليس عميلا للأمريكي والإسرائيلي، وهذا النظام دعم المقاومة بدون حدود وهذا النظام  تراجع عن خطئه في إرسال قواته مع القوات الدولية إلى العراق.

هذا النظام ليس نظاما قبليا أو عائليا أو طائفيا, ورغم انه معرف في الدستور السوري بان نظام حزب البعث إلا أن البعث لا يحكمه في الحقيقة ، وهذا الحزب على ما يقول الخبراء ترهل وانطفأت جذوته.

وبشار الأسد ليس مجرد حجر شطرنج تحركه القوى الأمنية. بشار الأسد هو  الطرف الأقوى في مركبات الحكم في سوريا والذي يتكون من نخب بعثية بقيادته وممثلين لطبقه رجال الأعمال والبرجوازية السورية وكبار الضباط والمسؤولين الأمنيين في البلد.

وهذه الأطراف المركبة للحكم في سوريا هي المستفيد الأكبر من اقتصاد البلد ومقدرات سوريا وخيراتها. وفي ذات الوقت تجمعهم مصلحة سياسية خارجية واحدة في رفض المشروع الأمريكي، وان كان ذلك بتفاوت، لأن هذا المشروع يضر حتما بامتيازات كثيرة يوفرها لهم وجودهم في السلطة، منها امتيازات سياسية وأخرى اقتصادية.

الموقف العام لجميع الأطراف المركبة للنظام رافض للمشروع  الأمريكي ومتمسك بالسيادة الوطنية. لذلك النظام في سورية يدعم المقاومة  بكل ما أوتي من قوه باعتراف المقاومة نفسها, ولم يرضخ لكل الضغوطات الأمريكية والفرنسية والعربية، التي طالبته بالتخلي عن دعمه للمقاومة اللبنانية والفلسطينية والتحالف مع إيران.

بشار الأسد رفض هذا الضغط رغم الإغراءات الاقتصادية, لأنه يقرأ الخارطة السياسية جيدا ويعلم أن أي تنازل بهذا الاتجاه هو بمثابة ضربة مباشرة للسيادة السورية ولدور سورية القومي والإقليمي.

رغم ذلك النقمة الشعبية في سورية عارمة ضد ما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية والتدني الحاد في مستوى المعيشة. والرغبة في الإصلاح والتغيير هاجس الغالبية الساحقة من الشعب السوري, وتقييم الحراك الشعبي استنادا إلى المعطيات الإحصائية حول عدد المشاركين في المظاهرات هو تقييم منقوص وغير ذي جدوى، ولا يعبر عن حقيقة الاحتقان في الشارع السوري أو عن حجم المؤامرة. وفي نفس الوقت الحديث عن مؤامرة وفقط مؤامرة وراء هذا الحراك مجاف للحقيقة.

نحن إزاء وضع اجتمعت فيه المتناقضات إلا أن وجود مؤامرة حقيقية تدار في غرفة عمليات أمريكية إسرائيلية يشترك بها عتاة الطغاة في العالم العربي والعملاء السوريين واللبنانيين الموالين لأمريكا والذين تحركهم مصالح ضيقة وينفذون أوامر المخابرات الأمريكية والبريطانية والفرنسية، لا ينفي وجود معارضة سورية شريفة ترفض التسليح  والتدخل الأجنبي ولا تشارك مع المتآمرين أمثال رفعت الأسد وعبد الحليم خدام وأغنياء المهجر المتساوقين مع الحركة الصهيونية وزاروا إسرائيل في السر والعلن، وبعض قيادات الإخوان المسلمين الذين ينسقون جميع خطواتهم وتحركاتهم مع المخابرات الأجنبية ويحصلون على تمويلها السخي.

ولا شك أن الحراك الشعبي الشريف في سوريا حقق انجازات هامة حتى ألان، أولها اعتراف القيادة السورية بشرعية المطالب الشعبية وبضرورة إجراء إصلاح ومحاربة الفساد وبدء العمل على تغيير الدستور وسن قوانين أساسية تحفظ حرية التنظيم والتعدد الحزبي وصولا إلى إجراء انتخابات ديمقراطية. ولا شك أن ضمان الاستمرار في تحقيق هذه الانجازات وتنفيذ برنامج الإصلاح الذي أعلن عنه بشار الأسد في مقابلته الأخيرة مع التلفزيون السوري مرتبط باستمرار حركة الاحتجاج السلمي وفرض مسألة الحوار الوطني تحت عنوان التحول الديمقراطي والرفض القاطع للتدخل الأجنبي والأجندات الخارجية ومطالبة القيادة السورية بالالتزام بالجدول الزمني للإصلاح والتغييرات الذي وضعته بنفسها، ورفض الدعوات المشبوهة إلى التسليح والتي تزامنت مع إعلان أمريكا ضد سورية.مثابرة المعارضة السورية الشريفة على هذه المطالب وتنجيع عملية التنسيق والتنظيم الذاتي وإطلاق المبادرات المحسوبة، كفيلة بإجبار النظام على التنازل والتقدم بمسألة الإصلاحات والتغيير ومحاربة الفساد ووقف الإفراط باستخدام القمع والحلول الأمنية، التي لا تميز في الكثير من الحالات بين المحتجين من قوى الشعب المظلوم وبين المتآمرين الذين ما انفكوا يفتعلون مواجهات ويؤججون الصراع مع الجيش الوطني السوري.