هل وصلتكم صرخة الشبان الشفاعمريين

زياد شليوط

أليس من العار أن يصل بنا الوضع الى حد أن يطلق أحد الشبان المتهمين صرخة عادلة في وجهنا؟ أليس من العيب أن يذكرنا المتهمون بقضيتهم المنسية عبر وسائل الاعلام ونحن غافلون عنها؟ صرخة المتهمين فيها عتب واستجداء، صرخة انسان محبط وملتاع، انسان حائر متسائل. ألم يكن بالأجدر ان نرفع نحن تلك الصرخة، لماذا وصلنا الى هذا الوضع المخزي؟ لماذا نسينا أبناءنا واخوتنا وأشقاءنا الذين يحملون ملفا ثقيلا فرض عليهم نيابة عنا؟ لماذا لا يتصور كل شفاعمري أنه كان يمكن ان يكون مكان أولئك الشبان الشجعان؟ ماذا كنا سنفكر لو كنا مكانهم، ونحن نرى مدينتنا تتخلى عنا؟ ماذا كنا سنقول وأي صرخة كنا سنطلق؟ هل ستكون صرخة مؤدبة كما فعل أحد أولئك الشبان؟

عدت هذا الأسبوع الى قصاصات الجرائد التي أحتفظ بها عن المجزرة والذكرى السنوية لها، وملف اعتقال الشبان والحملة التي جاءت في أعقابها، من تنظيم مظاهرات أمام المحكمة بحضور قيادات الجماهير العربية من كافة الأحزاب والحركات السياسية، وراجعت التصريحات النارية والحارة والمنفعلة عن اعتبار المعتقلين والمتهمين أبناء كل شفاعمرو والجماهير العربية وليس أبناء عائلاتهم فقط؟ وتساءلت أين نحن اليوم من تلك الصرخات والتصريحات. ولا أود مقارعة الأشخاص الذين صرحوا وقالوا، لأن تلك الكلمات والوعود والصرخات شاركنا فيها جميعا من كل الأحزاب والحركات ومن خارج الأطر بشكل او بآخر، فأين نحن اليوم من الأمس؟ أين نحن من تصريحاتنا وقسمنا ووعودنا؟ لماذا تراجعنا ولماذا تركنا حصان الشبان وحيدا يقارع النيابة والسلطة وأنياب الأحكام الجائرة التي تنتظرهم؟

في نهاية الأسبوع الماضي، كنت مع العشرات في أمسية فنية ملتزمة رصد ريعها لدعم الشبان المتهمين، أقيمت في احدى قاعات الناصرة. تجولت عيناي وعيون غيري في جوانب القاعة، ليس بحثا عن اشخاص عرفنا مسبقا انهم لن يحضروا الأمسية، فالتنافس الحزبي هو سيد الموقف في نشاطاتنا السياسية والوطنية التي من المفترض أن تكون وحدوية، تجمعنا من أجل هدف مقدس واحد وموحد، لكن ماذا نفعل وصوت الفئوية عندنا يفوق صوت الوحدة الوطنية والهدف السياسي والانساني الموحد. بحثت عن المئات من الشفاعمريين غير المؤطرين ومعظم الشفاعمريين ليسوا اعضاء في أحزاب سياسية؟ بحثت عن العشرات، بل المئات من أقرباء وأصدقاء وجيران المتهمين الشبان ولم أجد أحدا منهم؟ لماذا يا اخوتي الشفاعمريين نسيتم اخوتكم وأشقاءكم وأبناءكم وجيرانكم وأصدقاءكم؟ هل انشغلتم بأموركم اليومية الصغيرة ونسيتم اخوة لكم يقفون وحيدين منذ سنوات أمام سلسلة من التحقيقات والمحاكمات؟ هل غرقتم بتربية أبنائكم ورعاية عائلاتكم ، ونسيتم أن أولئك الشبان أرغموا على ترك بيوتهم وأولادهم وذويهم للانشغال بقضيتهم، وفصلوا من أعمالهم ولم يعد بمقدورهم العودة الى بيوتهم يحملون الهدايا بل الطعام والكتب والملابس لأولادهم؟ هل عدتم الى همومكم الصغيرة وقضاياكم البسيطة ونسيتم قضيتكم الكبيرة قضية كل فرد منكم، قضية كل شاب وفتاة قضية كل عائلة؟ هل التفتم الى حماية عائلاتكم الصغيرة من الأخطار الصغيرة ورعاية مصالحها الضيقة، ونسيتم الشبان الذين حموا بصدورهم وقلوبهم كل بيت شفاعمري وكل عائلة شفاعمرية؟

وحضرت مطلع هذا الأسبوع جانبا من جلسات محاكمة الشبان في المحكمة المركزية في حيفا، ولم أجد هناك سوى صديق واحد لأحد المتهمين والناشط المعروف مراد حداد، الذي تبنى هذه القضية بشكل شخصي قبل عدة شهور ويتفانى في الوقوف الى جانب المتهمين. وعادت التساؤلات التي ألحت علي بعد الأمسية الفنية لتلح علي من جديد. لماذا نترك حصان المتهمين وحيدا في أروقة المحكمة؟ ان وجود أي شخص يحمل دعما معنويا لا يقدر بالنسبة للشبان المتهمين. هل من الصعب تنظيم ورديات لحضور جلسات المحكمة؟ أين أعضاء البلدية، أين قيادات الأحزاب المحلية، أين ممثلي الهيئات والجمعيات والمؤسسات؟ أين وأين.. أم أن الصورة باتت هي سيدة الموقف والموقع؟

هل يعقل أن تجري الدماء نقية في عروقنا ونحن نرى الشبان المتهمين يواجهون مصيرهم الموعود لوحدهم؟ الى متى نبقى واقفين متفرجين؟ أنسيتم كيف وقفتم بالأمس جميعكم وقفة واحدة مشرفة، تتسابقون الى الميدان وتتدافعون لتطالوا المجرم وكل يتمنى لو كان له نصيب في ايقافه عند حده؟ ان كل يوم في المحكمة وكل ساعة في التحقيق وكل شيكل خسره الشبان دين في اعناقنا علينا تسديده، ان لم يكن كاملا على الأقل بقسط بسيط على قدر امكانياتنا؟ هل يجب أن تفرض ضريبة "الشرف" الشفاعمرية عليكم فرضا؟ أيعقل أن تتحول قضيتنا الواحدة الى قضية جاهة أو صلحة؟ لو أن كل شفاعمري خصص من وقته دقيقة يوميا، ومن جيبه شاقلا واحدا في الأسبوع، لما وصل الحال باخوتنا المتهمين الى ما هو عليه اليوم.