[x] اغلاق
هيّا نُسمعهم أجراس البشارة الحقيقيّة
16/12/2011 12:25

 

هيّا نُسمعهم أجراس البشارة الحقيقيّة

بقلم: مارون سامي عزّام

عندما قام السّيد المسيح من بين الأموات، طلب من تلاميذه أن يلحَقوا به إلى الجليل، وهناك قال لهُم: "إنّي أوليتكم كلّ سلطان في السّماء وعلى الأرض، فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم، وعمّدوهم باسم الآب والابن والرّوح القُدُس، وعلّموهم أن يحفظوا كُلّ ما أوصيتكم به، وأنا معكم طوال الأيّام إلى انقضاء الدّهر". هذه الوصيّة العظيمة ليست مجرّد وصية هامشيّة، وبرأيي هي بشرى الخلاص الثّانية، كي يكتمل الإيمان في قلوبنا، وهي تتمّة انتصار الخير على الشّر، التي بدأت من بيت لحم.

في أوج التحضيرات الميلاديّة المعروفة، تنطلق فعّاليات سوق الميلاد، نحو سباق ماراتون المنافسة في الأسعار، للوصول التجاري إلى الهدف المنشود، أي جيوب الزّبائن، الذين ينبهرون بشدّة، ببريق الزّينة المتلألئة، والأنوار المشعشعة، فيشترون ما يبتغون من مستلزمات وحاجيّات الميلاد، فيزيّنون داخل بيوتهم، وربما خارجَها، وينصِّبون شجرة  طبيعية أو اصطناعيّة، تحوم حول تنصيبها "عجقة" أسريّة وعائليّة، من كل صوب كالمجوس، مُعلِنَةً قرب مولد بشرى التّسامح.

تشمخ لدى البعض رمزيّة الشجرة عاليًا في إحدى زوايا بيوتهم... تُزهر ببراعم أنوار التباهي الفجّة!... من الخارج نجد بيوتهم مزيّنة بكميّات مُبهرة من الأضواء المتوهجة، تحسبها أجسامًا غريبة هبطت من الفضاء الخارجي ليلاً.

بدأت أجراس الميلاد تقرعُ من أعالي الكنائس بكل قوّة، ورغم أن صداها يتردّد في آذاننا، لكن بعضنا يأبى أن يسمعها، بعد أن طغت عليها أفكارنا المحوسبة التي باتت اليوم مبرمجة حسب المعطيات الحديثة والدّخيلة على حياتنا، لأنها باتت متعلّقة كالعلَق بالشبكة العنكبوتيّة المسمّاة "إنترنت"، عشّشت في جميع ميادين الحياة من خلال موقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك، الذي بدأت به احتفالات الميلاد بكل قوّة، والمنافسة في أوجها بين روّاده، حول من يعرض أجمل ديكور ميلادي!. تجاهل بعضنا روافد إنسانيته التي جفت، وانجرَف بالسيول المادية الموجّهة مسبَقًا لتصب في ينابيع البذخ والتّرف الموسمي.

إذا انقرض فينا التعاطف مع الآخرين في هذه الأيام، فسوف يغدو الإنسان مستهترًا بمشاكل مجتمعه... يغدو متنكّرًا لأصول تربيته... منسلخًا عن واقع الحياة اليوميّة. يجب أن تكون إنسانيّتنا، في مجتمعنا المادي هذا، مبنيّة على منهجيّة العطاء... ولكي تتجسَّد أمامنا صوَر البؤس الذي يعيشه فئة من النّاس، علينا أن نبادر لتكوين رصيدٍ من الأعمال الخيريّة غير المعلنة على الملأ - كما يفعل البعضُ - أعمال تراها وتلتقطها فقط كاميرا ذاكرتنا، حتّى تُنشط في عروقِنا خلايا الرّأفة والشفقة.               

شجرة الميلاد... مذود... بابا نويل، هذه الرّموز التي تبشّر بولادة طفل المغارة، ويحبّها الأطفال كثيرًا، فقدت سماتها الرّوحيّة، فالميلاد بالنسبة لهم، مناسبة سنوية احتفالية لا أكثر ولا أقل، إذ يحصلون على هدايا الأهل بواسطة شيخ العيد، الذي بات حلقة الوصل بين خيال الطفل ورغباته... برأيي شخصية بابا نويل موجودة داخل الأسرة طوال السّنة، متمثّلةً بشيخ ورب الأسرة، وهو الوالد المعيل، الذي يجلب الهدايا لأطفاله بين فترة وأخرى.

شخصية "بابا نويل" باتت مزعجة جدًا، ترعب قسمًا كبيرًا من أطفالنا، إذ يقوم مدير الحملة، بحملة ميلادية أشبه بحملة  مخطّطة!! تصحبه مجموعة من حرّاسه الشّباب، لاجتياح البيوت بسيّارات مجهّزة بسيمفونيّات ميلادية صاخبة!!، فيترجَّل من إحدى السيارات، شاب متنكر بزي أحمر، ومكياج فاقع جدًا، ولحية كثّة، وما أن يراه بعض الأطفال، أو بمجرّد أن يحملهم على ذراعه، حتى يفزعون من شكله، لدرجة البكاء الشديد. هل فعلاً نحن بحاجة إلى هذه "الهيزعة التبشيرية"؟! فهذه ليست البشارة التي أرادها السيد المسيح، للأسف إنها تبشرنا بعودة عصر ما قبل الميلاد الوثني، لأنها غير حضاريّة بالمرة.

هذا العرض الميلادي السّنوي، يُعرَض تحت سماء قرب حصول أزمة اقتصاديّة عالميّة ثانية، تُنذرنا بقدوم غيوم البطالة والفقر والركود، قادمة من منطقة اليورو الأوروبيّة الباردة، قد تجتاح البلاد خلال العام القادم... هذا الاستعراض الميلادي السّنوي، يُعرض في المحلاّت التجارية، تحت رعاية ثقافة الرّبح المادي والترحيب بتضاعف كميّة المبيعات.

أين شخصية سانتا كلوز التقليديّة، التي كانت توزّع الهدايا على الفقراء والمحتاجين!؟... لماذا لا تجدّدها مؤسّساتنا الخيريّة والاجتماعية!؟، (هذا في حال فهمت الهدف الأسمى والأقدَس من شخصية سانتا كلوز!)، فالبشارة الحقيقيّة التي تُفرحنا جميعًا، هي بشارة التحنّن على الآخرين في هذا الزّمن الميلادي البارد جوًا والأبرد شعوريًا...!

1
.
فراس صفوري
16/12/2011
كل الأحترام :-)