[x] اغلاق
تخصص في الدفاع عن الهوية القومية واللغة العربية وانتماء الى العروبة
18/1/2012 10:31

 

"اتحاد الأكاديميين" الجديد

تخصص في الدفاع عن الهوية القومية واللغة العربية وانتماء الى العروبة

الأستاذ ناجي فرح

 

( هذا المقال أرسله الكاتب ناجي فرح من كندا بعد زيارة العودة لبلده شفاعمرو في العام الماضي، الى صديقه الصحفي زياد شليوط بناء على طلب الأخير، يطلب رأي الأستاذ ناجي فرح كرئيس لاتحاد الأكاديميين في شفاعمرو سابقا، ووجهة نظره باعادة تشكيل اتحاد أو رابطة للأكاديميين اليوم، والمقال مطروح للنقاش.)

 

لعلّ النظر في إحياء "اتحاد الأكاديميين" في شفاعمرو يعود بنا إلى تجربة الاتحاد الأولى ودوره النضالي يومئذ في الدفاع عن الأرض، وفي التصدي للتمييز العنصري ولسياسة تهميش الفلسطينيين وخلخلة وجودهم على أرضهم في وطنهم الذي عاش فيه أجدادهم وعمروه منذ الأزل. وفي ربيع 1975 بادر الأستاذ سامي تلحمي ومعه نفر من خريجي الجامعات الشفاعمريين، وعقدوا اجتماعا تأسيسيا واقاموا الاتحاد، وانتخبوا اللجنة التي تولت قيادة العمل المنشود.

وبعد بضعة أشهر من ذلك، عقدت "اللجنة القطرية للدفاع عن الأرض" اجتماعا موسعا في الناصرة، شاركت فيه وفود من المدن والقرى العربية، وممثلو لجان الأكاديميين حيث قامت، وعدد كبير من رؤساء البلديات والمجالس العربية المحلية. وكان قرار اعلان الاضراب في ذلك الاجتماع قرارا إجماعيا تعبيرا عن رفض سياسة سلب الأرض وبرنامج الإمعان في تهويد الجليل. وحدّد الاجتماع يوم الثلاثين من آذار سنة 1976 موعدا لذلك الاضراب الموعود الشامل.

واقترح ممثل اتحاد الأكاديميين في ذلك الاجتماع أن يتوجه المجتمعون بنداء إلى مختلف المنظمات والأندية العربية لإقامة هيئات محلية في كل قرية ومدينة، تقوم بالاعداد ليوم الأرض، وتشرف على تعبئة جماهيرها، وتتمثل فيها النوادي والهيئات الشعبية، وتتبنى الاضراب دون استثناء. وذكر مندوب الاتحاد أننا في شفاعمرو بادرنا الى ذلك، وشرعنا في اقامة هيئة شعبية، وأسميناها "المنظمات الشعبية"، وقد ضمت في اطارها 14 منظمة وناديا من أبرزها إلى جانب الاتحاد كان الحزب الشيوعي وسريتا الكشاف الاسلامي والمسيحي ولجنة المبادرة الدرزية ونادي الجنود المسرحين وغيرهم.

ولقد أتاحت ظروف العمل وتعدد المنظمات المنضوية تحت لواء "الهيئات الشعبية" ان يتبوأ "اتحاد الأكاديميين" قيادة عمل "الهيئات الشعبية" بموافقة اجماعية. وكان الهدف واضحا وهو دعم الجهود العربية القطرية "للجنة الدفاع عن الأرض"، والالتزام بما يجتمع عليه رأيها، وتحشيد الجماهير في بلدنا وما يليها من اجل انجاح "يوم الأرض". ولقد أصدرت "الهيئات الشعبية" أول منشور وحدوي لها، ناشدت فيه الجماهير أن تتنادى للدفاع عن الأرض، فتبنته "لجان الأرض" في طمرة وعبلين وكابول. ودعا المنشور جماهير شعبنا في شفاعمرو والبطوف إلى اجتماع منطقي حاشد كان سيعقد في شفاعمرو يوم 27 آذار 1976. وكان "لاتحاد الأكاديميين" دور بارز في إنجاحه وقيادته.

وقد شارك "الاتحاد" مشاركة حاسمة في نضالات الشعب على الصعيدين المحلي والقطري. ولعل ابرز ما قام به "الاتحاد" كانت دعوة المثقفين إلى اجتماع عام لدراسة وثيقة حاكم لواء الناصرة "كينغ" التي بعث بها الى حكومته، بعد أن هاله ما رآه من نجاح "يوم الأرض"، على شكل توصيات تنضح بالعنصرية ولا تخفي عداوة مستحكمة للعرب من أهل هذه البلاد، ومقترحا خطوات لئيمة تقوم بها حكومته لخلخلة الأرض من تحت أقدام شعبنا. ولقد قام عضو الاتحاد المهندس سامي تلحمي بتقديم دراسة وافية عن الوثيقة، شارحا بشكل مفصل طابعها العنصري وأبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وأخطارها الظاهرة و"المستترة".

وقد يرى بعض قدماء أعضاء "الاتحاد" السابق أن خير ما قام الاتحاد به أو ما ساهم في انجازه، بالإضافة إلى المشاركة في النضال الجماهيري، كان ترسيخ مفهوم العمل "الجبهوي" أو فلنقل العمل "الوحدوي"، في صفوف عرب هذه البلاد، والتأكيد على ضرورة تجميع قوى المجتمع المحلية في إطار موحد يتبنى الدفاع عن مصالح الجماهير العربية وكرامتها ووجودها، ويتصدى لسياسة القهر العنصرية، في إطار منفتح من التعددية التي لا تلغي الآخر ولا تتشنج حيال رؤى قد لا تتوافق مع رؤيتنا. فالتعددية تغني الفكر والممارسة وتنعكس إيجابا على كل مكوناتها وتخدم القضية الوطنية الأساسية الواحدة. وقد ثبت لنا ذلك في تجربة العمل الموحد ضمن إطار "الهيئات الشعبية". وكانت وحدة العمل المحلية هذه رائدة في إطار العمل الجبهوي العام.

هذا ما كان فيما مضى، فهل ما زال "للاتحاد" دور وضرورة مع تعدد المنابر السياسية في الشارع العربي؟ هل إذا عاد الاتحاد الى الحياة سيكون رقما آخر يضاف الى الكم الموجود على الساحة، دون أن يكون له دور نوعي متميز؟ وأنا أرى أن اتحادا ذا وزن نوعي له ضرورة ملحة، أكان ذلك تحت اسم "اتحاد الأكاديميين"، أم تحت غيره من الأسماء، شريطة أن يتحدد الهدف الواضح وأن تتحدد المرامي. ولأبدأ في تصور عام لما يمكن أن يكون الهدف وما هي المرامي. وأول ما يخطر بالبال هو التأكيد على أن "الاتحاد"، أو سمّه ما شئت، يجب ألا يغرق في دهاليز السياسة الفئوية، فان لتلك أبوابها ومسالكها، بل عليه أن يكون رديفا لكل عمل سياسي يخدم معركة الدفاع عن الهوية القومية للعرب في هذه البلاد. هنالك عديد من الأحزاب والمؤسسات التي تتبنى العمل السياسي المباشر، أما هدف الاتحاد السياسي العام فسيكون دعم كل عمل من أي لون سياسي كان فيه مصلحة للجماهير العربية، ويساهم في الحفاظ على هويتها وكرامتها ووجودها وحقوقها.

لكن للاتحاد دورا آخر أبعد غورا من الاقتصار على العمل السياسي المباشر. لقد كان "الاتحاد" في ما مضى محصورا في فئة ذوي الثقافة الجامعية والنخب المتعلمة، واليوم وقد ازداد عدد خريجي الجامعات ازديادا كبيرا، وتنوعت المشارب والأهواء، وازداد عدد التنظيمات السياسية والعاملين في أطرها، فان فئة الجامعيين، بما لديها من معرفة وثقافة، ستقوم بدور الريادة والتنظيم والتنظير، غير أن ذلك لا يقتصر عليها وحدها، بل انها تعمل على إشراك شرائح الشعب الأخرى التي قد تكون من بينها فئات مثقفة ثقافة ذاتية رفيعة دون أن تعمل لقبا أو إجازة جامعية. وأهم ما أراه من واجب أمام مثل هذا "الاتحاد" الذي سنبعثه حيا، هو التخصص في الدفاع عن الهوية القومية، وعن الانتماء الى العروبة، وعن اللغة العربية. لا بدّ من تركيز جهود الناشطين في "الاتحاد" أو العاملين الى جانبه، على مقاومة التعمية والعدمية القومية، وعلى الوقوف في وجه تيار الأسرلة التي ستؤدي إلى تفكيك عناصر الانتماء القومية، والى تبديد مقومات الكيانية العربية، والى تهميش اللغة العربية التي هي حافظة التراث والهوية، ولغة الوجدان، ولسان الذاكرة الجماعية.

والحق أن هذه الأهداف ليست حكرا على الجامعيين، إلا أن الجامعيين مؤهلون لقيادة المسعى نحوها وترشيده. وقد يطلّ سؤال عن جدوى الإبقاء على الاسم القديم "اتحاد الأكاديميين"، وهل من الأفضل أن يستبدل باسم آخر يحمل في دلالته هذه الأهداف ويلمّح إليها، وهي أهداف صالحة لأن تستقطب شرائح المجتمع الأخرى. وقد أقترح أن يكون الاسم الجديد وثيق الصلة بهدف الحفاظ على اللغة العربية وعلى التراث وحمايتهما من التهميش والعبث، فان ضياع اللغة وعزوف أصحابها عنها سيؤدي الى ضمورها واندحارها وتراجعها، وسيتسع الطريق أمام تيار الأسرلة الذي سيتمكن ويطغى، وهو ما لا يصلح أبدا أن يكون بديلا لهويتنا وما يجب ألا نتيح له ذلك وإلا ستكون هويتنا هجينا دون أصول، وسنكون قد قطعنا أشواطا نحو العدمية القومية والثقافية واللغوية.

ولعلنا نسمي الاتحاد العتيد الذي سيخرج من رحم "اتحاد الأكاديميين" السابق "اتحاد التراث واللغة"، أو "الاتحاد العربي للتراث واللغة" أو "اتحاد التراث واللغة العربي" أو "رابطة الثقافة العربية"، وسيكون مثل هذا الاتحاد، لطبيعته القومية الصريحة، رديفا سياسيا ثقافيا فكريا معنويا جامعا من شأنه أن يغني الفكر والممارسة في آن معا، ويجمع الناس حول ما يتفق عليه الجميع، لأن فيه تأطير للجهود المجتمعة، الثقافية منها والفكرية، في المعركة الأوسع والأشمل، معركة وجود شعبنا على أرض وطن الآباء والأجداد. هذا هدف صريح واضح يُجمّع ولا يفرّق.