[x] اغلاق
اعلموا أنّ الإعاقة خلاّقة...
15/2/2012 11:04

 

اعلموا أنّ  الإعاقة خلاّقة...

بقلم: مارون سامي عزّام

منذ أن سمعت بمصطلح "أُولي الاحتياجات الخاصّة"؟!، الذي لا أعرف من أدخله على لغتنا العربيّة، وأنا أشعر باستياء. لأنّي، بمنتهى الصراحة، لست من مؤيّديه. وعندما أسمعه تصيبني قشعريرة، لأنه منمّق بصيغة فيها استعلاء وفوّقيّة اجتماعيّة قبل أن يأخذ صبغته الرسميّة؛ وكأن كلمة "معاق"، معيبة أو تجلب العار للشّخص أو للمجتمع! فالبعض يعتقد أنه يجب أن يكون المجتمع معقّمًا من أيّة تشوّهات خلُقيّة، ومجرد هذا التفكير يجعله مشوَّهًا خلقيًا بفكره وبمعتقداته.

مصطلح "أُولي الاحتياجات الخاصّة" أعتبره مصطلحًا مؤسّساتيًا لا أكثر ولا أقل، والبعض يدّعي أنه جاء "ليُخفّف" من معاناة المعاق، لكنه في الواقع يزيد من معاناة بعض المعاقين... فهو وإن جاء "ليُعجّل" تلبية مَطالب المعاق، أمام "عَظَمَة" البيروقراطيّة المؤسّساتية، لكنه يأتي أيضًا لتعجيز إرادته، حتّى يَظَل متّكئاً على عُكاز الشفقة والعطف.

هذا المصطلح عبارة عن أداة تجميل فرضها المجتمع على ذاته؛ أوّلاً: حتّى يُجمّل بها عجزه وخزيه بكُحل التعاطف مع المعاق. ثانيا: فرضته المؤسّسات والهيئات الحكوميّة والعامّة على نفسها، حتّى تؤكّد حتمًا، وجود مصطلح أحمق يُدعى"أُولي الاحتياجات الخاصّة"، لتبقى هذه المؤسسات في عليائها، لتسهّل... عفواً لتصعّب على المعاق إيجاد موقف خاص مريح له ولسيارته، لتمنعه من دخول مبانيها بسهولة، لأنها لم تُصَمّم منذ البداية للمعاقين المقعدين، حتّى لا يتمكّنوا بالتالي من مقابلة المسئولين. وهذه الظّاهرة متفشيّة في الوسطَين العربي واليهودي، ولا يمكن إنكارها بأية وسيلة.

التغيّرات التي بدأت ألاحظها تدريجيًا من قِبل بعض المؤسّسات في الدولة، بعد مصادقة الكنيست مؤخّرًا على "قانون حق الوصول" بالقراءة الثّانية والثّالثة، وكما يسمّونه "חוק הנגישות"، قد تكون نواة خير لحل هذه المعضلة، مع أنه يمنح البلديات خاصّة مهلة لتطبيقه أقصاها لغاية تشرين الثاني من عام 2015، وهذا استخفاف بشريحة المعاقين، الذين سينتظرون "وعد ربهم"، لحين تنفيذها للقانون، وهذا أمر غير عقلاني بالمرّة ومجحف بحقهم، وقد تتناسى البلديات الأمر.

نحن أُولي قدرات خاصّة غير موجودة لدى العديد من الأشخاص الأصِحّاء، ولا نستطيع أن نمنحها أو نهَبَها لأي فردٍ، لأنها قدرات فريدة بنوعها، لها ميزاتها الخاصة، وهَبَها لنا العليّ القدير، لنقول لمجتمعنا المتخلّف حضاريًا: إنّنا حضاريّو الفكر والتفكير بآرائنا المتعدّدة، ومفاهيمنا العصرية المُدركة لنظرته الغريبة للمعاق، التي حتمًا نَقَشَتها آراؤه المسبقة في وعيه.... أقوياء العزيمة، بقدرتنا على مواجهة مصيرنا بأيدينا... شديدو الحِرص على أنفسنا، من خلال المحافظة على كرامتنا... نفخر بعلاقاتنا الاجتماعيّة الطيّبة مع جميع طبقات وفئات المجتمع المختلفة، إذ نشاركهم أفراحهم وأتراحهم دون خجل أو ريبة.

للأسف لسنا على علاقة تعاطي أدَبي متبادل مع معظم مجتمعنا العربي. أقصد من حيث تجاهلهم أو بالأصَح تغاضيهم عن المعايير والمفاهيم الإنسانية، التي داسوها بكلامهم الوحشي، وخصوصاً عندما يدخل المُعاق إحدى المؤسّسات الرّسميّة المنتشرة في المدُن والقرى العربية، متجاوزًا الدّور الطويل، كي يُتمّم معاملته، وسرعان ما تُوجّه له ضربة رادعة، ويُصَد بلؤمٍ غير مسبوق، من قِبَل أحد المنتظرين في الدَّور، قائلاً له بفظاظة وهمجيّة: "وين رايح إحنا قبلك"!!! وقد واجهت هذا الأمر شخصيًا. حتّى لو قُبِل المعاق في أي وظيفة مكتبية سهلة، فغالبًا ما لا يجد في مكان العمل التجهيزات والتسهيلات التي تناسب وضعه الخاص، وتلائم احتياجاته في الوسطين العربي واليهودي على حد سواء.

هذه هي ثقافة "مراعاة شعور الآخر" التي نشأ عليها جمهورنا، تمامًا بعكس الجمهور الإسرائيلي الذي يُفسح المجال للمعاق بإتمام معاملته، حتّى ولو كان سؤالاً صغيرًا، فغالبًا ما يُعطي الأفضلية للمعاق، هذا جزء من تربيته وثقافته، يا ليت بعض "البالغين الرّاشدين"، يُدركون أبعاد تصرّفاتهم التي لا تليق بسنّهم؛ لأنَّ حتى بعض شبابنا بات يتمثّل بهم، ويتمثّل بأمور لا تعنينا البتَّة، وليست جزءًا من قيمنا وشيَمنا. وأنا لا ألوم هؤلاء، وكما يقول المثل "التّلم الأعوج من التور الكبير".

نحن فخورون بإعاقتنا، لأنها إعاقة جسدية والحمد لله، وليست فكرية. إعاقتنا خلاّقة ومميّزة على كافة الأصعدة وفي كافة مجالات الحياة، فمنا من يكتب الأدب أو الشّعر... ومنّا من يناضل من أجل نيل حقوقنا، ومنّا من يرسم وينحت... والبعض يعمل بوظائف محترمة جدًا، كما أننا نُعيل أنفسنا وأسَرَنا، فلم ولن نطلب مساعدة أحد، والزمن شاهد على إنجازاتنا العديدة، والتّاريخ يسجل في صفحاته بقلم التّضحيات والمثابرة أعظم محطّاتنا، فعلينا ألاّ نخجل بأنفسنا، بل يجب أن نرفع هاماتنا عاليًا حتّى تطال سحاب المجد والشهرة، لأنّه فقط هكذا نكسر قوالب الآراء المسبقة، التي لاءمها البعض لمفاهيمه.

(شفاعمرو)

1
.
tohama
15/2/2012
يا معلم ..كل يوم تفاجئنا بالجديد من وحي عبقريتك فواصل تألقك الابداعي
2
.
vera azzam
16/2/2012
3mo maroun kol l2e7tram.. kteer 7lo sho kateb.. mobde3 abo rafi2:-))