[x] اغلاق
... ودارت طواحين الثرثرة!!
6/4/2012 14:36

 

... ودارت طواحين الثرثرة!!

بقلم: مارون سامي عزّام

جمهورنا في هذه البلاد، الذي كان يخالُ لي أنه ارتقى إلى مستوى ثقافي مقبول، وبات أكثر تقبلاً لرأي الآخر... وأكثر تذوُّقًا للموسيقى الرّاقية... يبدو أنه وللأسف الشديد، ما يزال بعيدًا عن ذلك؛ فقسم كبير من الجمهور، رغم تطوره الاجتماعي، نراه في التجمعات الجماهيرية الانتخابية ينصت للخطباء، كأنه ينصت إلى صلاة! ويستمع لدعايتهم الانتخابية ساعاتٍ طويلة، دون أن ينبس بكلمة، وأمّا في مسابقة الخطيب النّاشئ القطرية النهائيّة التي أجريت في شفاعمرو مؤخّرًا، لم يعرف الجمهور الهدوء ولم يراعِ حُرمَةَ الحفل.  

عندما اعتلَت جوقة "سوا" المنصَّة لتقدم فقرتها الأخيرة والقصيرة جدًا، لم يلزم الجمهور الصّمت لسماعها، بل بقي يدير رحى طاحون الثرثرة دون توقّف، وازدادت إزعاجًا فسبّبت لغطًا، وأخلّت بنظام المسابقة، ممّا استدعى تدخّل رحيب حدّاد، لإيقاف هدير الطاحون، واستطاع إيقافها لبضع دقائق.

هذه الطاحون الجماهيرية، التي طحنت الأحاديث والكلام، وذرَت على آذاننا طحين تمتماتها المؤذي، طحنت معها الذّوق... طحنت تركيز كل من جاء ليستمع للجوقة والخطباء الناشئين.. ولكن هذا هو حالنا!!... هكذا اعتدنا!!... الصورة التي شاهدتها في المسابقة النهائيّة للخطيب النّاشئ، تدل على أنّ جمهورنا لا يزال غير ناضج أدبًا ولا إصغاءً لمثل هذه المسابقات الرّاقية.

قسم كبير من جمهورنا لا يحب المشاركة نظريًا في هذه المسابقات، ويحب أن يكون نشيطًا، فعّالاً، كي يُثبت وجوده، ليؤكّد للجميع أن حضوره كان مؤثّرًا!!، وبما أن الجمهور جاء طوعيّة، ليُشجع ابنته أو قريبته على إتقان فن الخطابة، فاعتبر باقي فقرات المسابقة، مجرّد مضيعة للوقت... مجرّد فسحة للتخفيف من شحنات التوتّر العالية، التي ضربت حواسهم المتشنّجة، فأفرغها من خلال هذه الضوضاء الغوغائيّة التي ابتدعها دون أي داع!

المجتمع الإسرائيلي، رسّخ في جيله النّاشئ صفات جميلة جدًا، مثل الجرأة في الحديث، وإبداء الرّأي بدون خوف، وأيضًا قوّة الشخصية، وقرّبه من أهم أمرَين، القراءة والثقافة، ممّا دفَع بنوادي الرّوتاري العربية، إلى تبنّي فكرة "الخطيب النّاشئ"، لأنها تَعلم أن ميزات أجيالنا النّاشئة، تضاهي ميزات الأجيال النّاشئة اليهوديّة... إلاّ أنّ قسمًا من الجمهور "اللافت" قدّم للجمهور ومن ضمنه كبار الضيوف من العرب وغير العرب، مشهدًا حيًا عن انتفاضة الألسُن على النّظام والهدوء، وبرع في أدائه، عوض احترام أهمية الحدث.

ألم نعكس في تلك الليلة صورتنا الحقيقيّة المشوهة ضمنًا؟ ألم يكن من واجبنا أن نتفهّم ونراعي تمامًا هذا النوعيّة الجديدة من المسابقات، التي تهيّئ أبناءنا للتّأقلم مع بيئة حضارية أكثر انفتاحًا ثقافيًا وأكثر جرأة بطروحاتها الفكرية؟!

فإلى متى... فإلى متى؟؟؟...