[x] اغلاق
وداعًا يا كَرمة الوداعة لذكرى الغالية نهى زيتون مشيل (أم سهيل)
2/5/2012 10:48

 

وداعًا يا كَرمة الوداعة

لذكرى الغالية نهى زيتون مشيل (أم سهيل)

بقلم: مارون سامي عزّام

لفّني حجاب الصّمت للحظات عندما سمعت خبر وفاتكِ... ربما لأنّني لم أرَك منذ مدّة طويلة، فأنت تستحقين منّا كل تقدير على روعة تعاملك مع الجميع، ضممت سنابل أفراد عائلتك إلى صدركِ، حزمتِها بشريط التلاحُم الأسري بشدّة، فلم تتبعثر. حضن أمومتك الدّافئ، لم يُربِّ فقط أبناءك، بل ربى بقية أبناء هذه الأسرة، وسهرتِ لأجلهم ورعيتهم.

زوجكِ أبو سهيل، لم يفارقك يومًا، وكنت في صدارة اهتماماته، ولازمكِ طوال أزمتك الصحيّة، لأنك وديعة عمره الغالية على قلبه. رنين جرس صوتكِ الرقيق، كان يقرع في أذُنيه، يدعوه ليستريح من عناء انشغالاته اليوميّة. كم راقبت عن بُعد حلبة حياته النشِطة، بصمت ملائكي، خدمتِه بإخلاص دون أن تتذمّري، لأنّ القدر توجّك بإكليل الصبر... شقيقاكِ يكمّلان المسيرة الاجتماعية المتأصلة بهما، فهما يشاركان كافة الناس في جميع المناسبات. تعلّما منك حب معاشرتهم.

بيتكِ كان محطّة يوميّة، للذين اشتاقوا لمجالستك اللطيفة... ما زال سجِل تاريخك حافلاً بالتضحيات لخدمة ورعاية أفراد أسرتك الكريمة، واليوم يشعرون بفراغ لن يملأه أحد. كُنّا نسأل عنك، لأننا اعتبرناكِ فردًا من عائلتنا، فزرتِنا كثيرًا، وخصوصًا قريبتك الراحلة جدّتي ماري، فملامحك تشبهها إلى حد كبير. تمتّعتما بميزات النُّبل والسيرة الحسنة... تنتسبان إلى عائلة ما زالت الكرامة جذورها، الورع هو شجرة الكمال، أغصانها الوئام والوداعة والتسامح مثمرة بالعطاء.

كنت حاضرةً معنا في السرّاء والضرّاء، فطبيعتك لم تعرف التقاعس عن تأدية الواجبات الاجتماعية. الرّاحة بالنسبة لك أن تري الكوكبة الأسريّة الكبيرة، مرتاحةً في عيشها، قانعةً في معيشتها، خصوصًا أولادكِ وأحفادكِ، الذين يفتقدون لإشراقة مبسمك، لأنّك  ملاذهم الآمن وقت الشدائد... ورثوا عنك صفات البشاشة ورحابة الصّدر وحُسن استقبال الضّيوف... كنت دائمًا سفينة العقلانيّة والمسامحة التي عامت لفترة طويلة، في محيط تقريب القلوب.

لم تُزعلي أحدًا، بل زعل الجميع لفراقك... لم تخاصمي أحدًا، بل خاصمك القدر وأقعدك عنوةً... لم تعرفي الحقد، فحقدت عليك السّنون، لأنّكِ لم تهتمي بشهورها وأيامها لبساطتك، إلى أن ثارت ضدّك، واستسلمتِ لخريف العُمر... لم تأبهي مرةً لعامل الزّمن الجبّار، فغار من طيبة قلبك وسجيتك، فسلبك ربيع الحياة.

ستبقى ملامح وجهك معلّقة في خزانة ذاكرتي، فهذه البراءة أحبها جميع الذين توافدوا لتقديم واجب العزاء، وتحدّثوا عنكِ بكلمات معبّرة وصادقة، مكتوبة بدواة الوفاء لذكراكِ، تظللنا بظلال ذكرياتنا معكِ. لم تتأفّفي من مشيئة الرّب، بل رضيتِ بحكمه، فظلَّلك برحمته، يا نجمة تضيء رحاب الحياة الأبدية بنور الذّكرى الخالدة.