[x] اغلاق
نزار يحلُم بإمارة الحريّة
9/5/2012 10:21

 

­­نزار يحلُم بإمارة الحريّة

بقلم: مارون سامي عزّام

"لا شيءَ معي إلاّ كلمات..."، اقتبست هذه الجملة من إحدى قصائد نزار قبّاني المغنّاة، وهي "كلمات"، لأنّني وجدتها مناسبة جدًا اليوم في ذكرى وفاته. لقد أحسستُ أن موته جرّدني من كل الجمَل والتعابير الرّائعة، فلم أجِد بحوزتي إلاّ حروف كلمات، لها معه ذكرى وجدانيّة، عمرها أكثر من خمسين عامًا، عاشت في أعماق بحر الشاعر القدير نزار قبّاني، المليء بمرجان كلماته المبدعة السلسة التي فهمها الجميع لبساطتها.

هذه الكلمات تفتقد لنزار ليس فقط الشّاعر الثّائر على التخاذل العربي المهين، بل تتوق إليهِ، لأنه حماها من تعسف الرّقابة... دافع عنها أمام صلافة الحكّام العرب بكل جرأة دون خوف من أقبية التعذيب، لأنه عَلِمَ أنّها لن تستطيع لجم فرس حريته الذي امتطاه وجال به في مزرعة السياسة، التي تفوح منها رائحة الفساد العفِنَة النّتنة... فاعتنى بفرس حريته، وغدا أحد فرسان ديمقراطيّة الفكر وحريّة التعبير في العالم العربي.

بموته خبت أنوار ثريّا إبداعية سطعت حبًا حارقًا... استمدّت أنوارها من مئات النّساء المشعشعات بالأنوثة والشّهوات، فأشعلهن فِكر نزار قبّاني بالأفكار... إنّه إرث تاريخي وأثَر عربي لا مثيل له... سيبقى رمزًا خالدًا في ديوان الأدب العربي. كان شِعره حافلاً بالأحداث المحزنة والمفرحة، وكان عرّاف المستقبل الصّادق، الذي تنبّأ أن مآسي الأمّة العربيّة لن تنتهي أبدًا... حقًا ما زالت مستمرة إلى يومنا هذا!... فيا لويلاتهم.

افتتح مسيرته الشعرية الطويلة بالحب وانتهت به، كم استشاط غضبًا من الأنظمة العربية الرجعيّة، لانكساراتها السّياسية أمام العالم، إلى أن تمرّد عليها بشعره، وكُلما أُبرم اتفاق بين العرب وإسرائيل، كان يشتد تطرّفًا في آرائه، ليبتعد عن الواقع العربي المهزوم. هذا ظهر جليًا في شعره السّياسي، وتحديدًا بعد نكسة حزيران عام 1967. الحلم الوحيد الذي عاش من أجله نزار، أن يرى هامات زعماء الأمة العربية شامخة بالكرامة والعزّة، دون أن تحرّكها أمريكا بخيوط الإملاءات الإسرائيليّة المعلنة، لحماية مصالحها... لتبقى إسرائيل صاحبة القرار... فيا لعارهم.        

رُفِعَ العَلَم الأسود فوق ربوع الحب، إكرامًا لمن جعل لغة الحب تصب بنعومةٍ وسلاسةٍ في قلوب الشعب العربي، كي يفهمها بسهولةٍ... إكرامًا لمن جعل من الحب ريشةً يرسم بها لوحات جماليّة مميّزة، ليشطب عن وجوه الشّباب كلمة "مُحال". جعل نزار لغة الحب تنتشر في جميع الأقطار العربية، فأصبح الحب عملة عربيّة موحّدة، متداولة بينها، وحّدت مشاعر الأمة العربية، كأنه صرّاف لغوي كبير للغة الحب المميزة لديه، فقطعت الحدود المغلقة لمفاهيم الحكام العرب، فيا لغبائهم.

المرأة بالنسبة لنزار تعني حريّة الوطن العربي المقموعة، فطالما أن حريّة الوطن العربي، تعتبر من الكماليات المحالة للمواطن العربي المحروم من أبسط حقوقه، وطالما أن حريّة المرأة تحت سيطرة الرّجل الذي يعتبر جسدها "ملكية حصريّة" لرجولته المستفحلة!!، فلن يتوّج نزار أميرًا لإمارة الحريّة، إلى أن تتحرّر الأنظمة العربية من عقدة تأليه الحاكم بأمره، وإلى أن تتبنَّى الشّعوب العربيّة نظرية التّطوّر الفكري وحرية الفكر والتعبير، فتتحوّل من كائنات بهيمية، إلى كائنات بشرية.