[x] اغلاق
سيدني 2000 تُدخل الألعاب الأولمبية عصرها الجديد
23/7/2012 13:24

 

 

 

أعلن رئيس اللجنة الأولمبية الدولية الماركيز خوان أنطونيو سامارانش اختتام دورة سيدني الأولمبية في الأول من تشرين الأول/أكتوبر عام 2000، بعد منافسات انطلقت في 15 أيلول/سبتمبر، وثبَّت تفوّقَها على الصُعُد كافة بعبارته الشهيرة: "أعلن نهاية الألعاب الأولمبية في سيدني، الأفضل في التاريخ".

هذه الجملة التي انتظرها الجميع منه، لتصبح "سيدني 2000" نهاية ناجحة للقرن العشرين، ومتنفّساً للحركة الأولمبية ولجنتها الدولية بعد فشل أتلانتا قبل أربعة أعوام وافتضاح أمر "رشاوى" منح استضافة الألعاب الشتوية سنة 2002 إلى مدينة سولت ليك سيتي الأميركية.

ووسط غمرة الفرح في الصفحة الأخيرة من ألعاب سيدني التي جاءت بمثابة "نفحة إنعاش"، تساءل محبو الرياضة هل بدأ عصر جديد للألعاب الاولمبية؟

احتضنت أستراليا الألعاب للمرة الثانية في أقل من نصف قرن، وكانت الأولى في ملبورن عام 1956، لكن شتان بين المناسبتين، فمن تأجّج الصراع بين الشرق والغرب ونشوء حركات التحرر والمحاور والكتل والاعتداءات والاجتياحات، إلى بزوغ العولمة الكبيرة، إذ جمعت "سيدني 2000" 10651 مشاركاً بينهم 4069 إمرأة من 199 دولة، وهو رقم قياسي جديد، وسار وفد تيمور الشرقية خلف الراية الأولمبية، ومشى مشاركو الكوريتين معاً في طابور العرض.

وكان الجميع على موعد المنافسة في 300 مسابقة ضمن 29 لعبة هي: ألعاب القوى والتجذيف وكرة السلة والبادمنتون والبيسبول والملاكمة والكانوي-كاياك والدرّاجات والفروسية والمبارزة وكرة القدم والجمباز ورفع الأثقال وكرة اليد والهوكي على العشب والجودو والمصارعة والسباحة والخماسي الحديث والسوفت بول وكرة المضرب وكرة الطاولة والكرة الطائرة بما فيها الشاطئية والتايكواندو والرماية والقوس والسهم والترياتلون والألواح الشراعية، كما دخلت رسمياً البرنامج المثقل والمزدحم لعبات الترياتلون والتايكواندو والخماسي الحديث ورفع الأثقال للسيدات.

وسيدني التي تفوَّقت على برلين وإسطنبول ومانشستر وبكين في الحصول على شرف تنظيم الألعاب، نظَّمت احتفال الافتتاح في أكبر استاد أولمبي في العالم تبلغ سعته 110 آلاف متفرِّج، وأوقدت الشعلة العداءة كاتي فريمان من السكّان الأصليين، وتلت قسم المتبارين لاعبة الهوكي على العشب ريستيل هواكس.

وفاق أعداد أفراد "العائلة الأولمبية" في هذا العرس الكبير مئة ألف شخص منهم 47 ألف متطوع و16 ألف صحافي وإعلامي، وتابعه نحو 7.3 مليارات نسمة في مختلف أنحاء العالم، وحصد أبطال من 80 دولة ميداليات بينها 51 حصل أفرادها على الذهب، وبقيت الولايات المتحدة القوة العظمى وبلغ رصيدها 97 ميدالية بينها 39 ذهبية، تلتها روسيا بـ 88 ميدالية (32)، ثم الصين بـ 59 (28)، وحلّت أستراليا رابعة بـ 58 ميدالية (16)، وتقدَّمت على كل من ألمانيا (57-14) وفرنسا (38-13).

وبالنسبة إلى عدد الميداليات حسب عدد السكان، تأتي جزر الباهاماس في المرتبة الأولى بنسبة ميدالية لكل 150 ألف مواطن، والهند في المرتبة الأخيرة بميدالية برونزية واحدة لكل مليار شخص!

ومنذ الدورة الأولمبية الأولى في أثينا 1896 وحتى سيدني 2000، تتزعّم الولايات المتحدة المحصلة العامة لعدد الميداليات برصيد 1975 ميدالية بينها 547 ذهبية، وتتفوَّق بفارق كبير على الاتحاد السوفياتي السابق (999-294)، وبريطانيا (615-224).

وفي استراليا التي تشتهر بوجود أكبر نسبة من السكان المزاولين للرياضة في العالم، اعتمدت فحوصات "إيبو" وتحليل الدم للحد من المنشطات، ويبدو أن الخوف من الغش أثنى الكثيرين عن اللجوء إلى المنشطات، وأدى بالتالي إلى التزام الحيطة والحذر، لذا لم يُكسر أي رقم قياسي عالمي في ألعاب القوى، بينما كثرت حالات التنشّط في رفع الأثقال التي شهدت تحطيم 16 رقماً قياسياً أسهمت فيها السيدات اللاتي تبارين للمرة الأولى أولمبياً، وكانت الصينيات أبرزهن وأقواهن، وأول المتوجات كانت البلغارية إيزابيلا دراغنيفا (وزن 48 كلغ).

وأبرز الذين اكتشف تورّطهم بطل العالم في رمي الكرة الحديد الأميركي سي جاي هانتر زوج العداءة الشهيرة ماريون جونز، ولاعبة الجمباز الرومانية أندريا رادوكان، وإذا كان هانتر لم يشارك في المسابقة، فإن رادوكان جردت من ذهبيتها في مسابقة الفردي العام، ومنحت لمواطنتها سيمونا أمانار.

وبلغ حصاد الأرقام القياسية العالمية 15 رقماً في السباحة وهو الأكبر بعد دورة مونتريال 1976 (29 رقماً)، و16 في رفع الأثقال ورقمين في الدراجات ورقماً في الرماية.

العدّاءة الأميركية ماريون جونز

وتُوِّجت جونز نجمة "سيدني 2000" على رغم فشلها في تحقيق حلمها في إحراز خمس ذهبيات، فنالت ثلاثاً من المعدن الأصفر في سباقات 100 و200 م والتتابع 4 مرات 400 م وبرونزيتين في التتابع 4 مرات 100 م والوثب الطويل، المسابقة التي استعادت لقبها الألمانية هايكه دريشلر بطلة 1992 وثانية 1988.

ودخل أميركي آخر على خط النجومية هو مايكل جونسون، إذ بات أول عدّاء يحتفظ بلقبه في سباق 400 م، ثم أكمل مجموعته الأولمبية بذهبية التتابع 4 مرات 400 م، رافعاً رصيده إلى خمس ذهبيات منذ دورة برشلونة 1992.

وفرض مواطنه موريس غرين بطل العالم وحامل الرقم القياسي في 100 م (9.79 ث) نفسه أسرع عدّاء في العالم وانتزع ذهبية السباق (9.87 ث)، وأضاف إليها أخرى في التتابع 4 مرات 100 م.

العدّاءة الأسترالية كاتي فريمان

ومع "هروب" الفرنسية ماري جوزيه بيريك وتواريها وسط غموض كبير لتصرّفها المباغت إذ زعمت أن حياتها في خطر، خلت الساحة للأسترالية فريمان لتفوز في سباق 400 م معزِّزة رقمها الشخصي (49.48 ث)، وقامت بلفة شرفية لتحيي 100 ألف متفرج وبيدها العلم الأسترالي وعلم سكان أستراليا الأصليين التي تنتمي إليهم.

العدّاء الإثيوبي هايله جبريسيلاسي

وحافظ الإثيوبي هايله جبريسيلاسي على لقبه في سباق 10 آلاف م، وانتزع الفوز من الكيني بول تيرغات قبل مترين من خط النهاية في سباق مثير حُبست فيه الأنفاس طويلاً، محققاً إنجازاً سبقه إليه التشيكوسلوفاكي إميل زاتوبيك (1948 و1952) والفنلندي لاسي فيرين (1972 و1976).

و"زامل" التشيكي يان زيليزي الأميركي كارل لويس في سجل الكبار، كونه احتفظ للمرة الثالثة بلقب رمي الرمح، وهو إنجاز سبقه إليه لويس في الوثب الطويل.

وفجَّر اليوناني قسطنطينوس كنتيريس المفاجأة بإحرازه سباق 200 م، مقصياً المرشَّح الأوفر حظاً  الترينيدادي أتو بولدون، وباتت ناوكو تاكاهاشي أول يابانية تحرز ذهبية الماراثون، والأميركية ستايسي دراغيلا أول إمرأة تحصد الذهب في القفز بالزانة.

في المقابل، فشل حامل لقب سباق 1500 م الجزائري نور الدين مرسلي وخرج من الدور نصف النهائي، وأخفق بطل العالم المغربي هشام الكروج مرة جديدة وإكتفى بالميدالية الفضية خلف الكيني نواه نغيني، الأمر ذاته ينطبق على الدانماركي الكيني الأصل ويلسون كيبكتيير الذي خسر معركة سباق 800 م في مصلحة الألماني نيلس شومان وبفارق 6 ثوان، كما خاب أمل بطل برشلونة في 100 م الكندي دونوفان بايلي الذي خرج من نصف النهائي، وحامل الرقم القياسي في المسابقة العشارية التشيكي توماس دفوراك إذ حلّ خامساً، والأوكراني سيرغي بوبكا في القفز بالزانة.

ولم توفر اللعنة الروسية سفتلانا ماستركوفا بطلة 800 و1500 م، فأقصيت في الدور الأول لسباق 1500 م إثر توقفها بداعي الألم في ساقها اليسرى، وحرم جرح الاميركية غايل ديفرز من المتابعة في سباق 100 م حواجز فخرجت في نصف النهائي ولم تستطع الدفاع عن لقبها، كما أخفقت بطلة السباعية السورية غادة شعاع وانسحبت بعد سباق 100 م حواجز، بداعي الإصابة.

وفشل الرباع التركي نعيم سليمان أوغلو (33 عاماً) في إحراز لقبه الرابع على التوالي (وزن 62 كلغ)، فعاد لقب بطل الحديد إلى مواطنه هليل موتلو (وزن 56 كلغ)، فيما اعتبر الإيراني حسين رضا زاده بطل وزن فوق 105 كلغ "هرقل الألعاب".

وعاد بخفي حنين، المصارع الروسي الشهير ألكسندر كارلين (وزن 130 كلغ) الذي تعرَّض لخسارته الأولى منذ 1987، على يدي الأميركي المغمور رولون غاردنر (19 عاماً)، والسباح الروسي ألكسندر بوبوف الذي خسر سباقي 50 و100 م حرة.

منتخب الكاميرون لكرة القدم

وفشل المنتخب البرازيلي لكرة القدم في إحراز اللقب الوحيد الذي تخلو خزائنه منه، لا بل خسر في ربع النهائي أمام الكاميرون التي أحرزت اللقب في ما بعد مؤكِّدة سيطرة الكرة الأفريقية على المسابقة الأولمبية، بعدما نالت نيجيريا شرف أن تكون أول منتخب أفريقي يفوز بذهبية الألعاب في أتلانتا 1996.

وفي السباحة التي عرفت اللباس الثوري الجديد، تفوَّق الأميركيون على الأستراليين إذ حصدوا 33 ميدالية منها 14 ذهبية أي أفضل من أتلانتا حيث جمعوا 26 ميدالية نصفها من المعدن الأصفر، في مقابل 5 ذهبيات لكل من أستراليا وهولندا.

السبّاح الهولندي بيتر فان دن هوغنباند

ولفت الأنظار "الطائر" الهولندي بيتر فان دن هوغنباند الذي أبطل مفعول "توربيدو" أستراليا أيان ثورب عندما تفوَّق عليه في نهائي 200 م حرة أمام 17 ألف متفرج، واكتفى مواطنهم بالميدالية الفضية بعد إحرازه سباقي 400 م حرة والتتابع 4 مرات 100 م.

أما هوغنباند فأصبح أول من يكسر حاجز 48 ثانية في 100 م حرة (47.84 م) وحصد الذهبية إضافة إلى برونزيتين في التتابع، وذهبية 50 م، وحذت حذوه مواطنته إينغي دي بروين ففازت في سباقات 50 و100 م حرة و100 م فراشة "وكلّلت" انتصاراتها بثلاثة أرقام قياسية أيضاً، وتميَّزت الاميركية جيني طومسون التي أسهمت في فوز بلادها في ذهبية البدل 4 مرات 100 م متنوعة، وحصدت ميداليتها الأولمبية التاسعة.

وقبضت أستراليا مجدّداً على لقب المسابقة الكاملة في الفروسية أحد أجمل المسابقات الأولمبية والمتضمّنة الترويض وسباق العمق والقفز على الحواجز، وتُوِّجت للمرة الرابعة والثالثة على التوالي بعد أعوام 1960 و 1992 و 1996.

وفاز البريطاني ستيف ريدغرايف (38 عاماً) بميداليته الذهبية الخامسة على التوالي في التجذيف، وحطم بالتالي الرقم القياسي في عدد الألقاب المتتالية الذي كان يحمله الاميركي آل أورتر بطل رمي القرص في أربع دورات (1956 إلى 1968).

ونقش الكوبي فيليكس سافون (33 عاماً) اسمه بأحرف برّاقة في السجلات الاولمبية، إذ بات ثالث ملاكم يحرز لقب الوزن الثقيل (فوق 91 كلغ) ثلاث مرات، وسبقه إلى هذا الإنجاز المجري لاسلو باب (1948 إلى 1956) والكوبي تيوفيلو ستيفنسون (1972 إلى 1980)، وكان بإمكان سافون أن ينفرد بالرقم القياسي لو لم تقاطع بلاده ألعاب سيؤول 1988، فيما خرجت الولايات المتحدة للمرة الأولى منذ 1948 خالية الوفاض من الذهب الأولمبي في رياضة "الفن النبيل".

ونجحت بطلة الدراجات الهولندية ليونتان زيلارد التي اشتهرت باسم عائلتها قبل الزواج، فان مورسل، في تحقيق ثلاث ذهبيات في سباقي الفردي وضد الساعة على الطريق، وسباق 3 كلم على المضمار مع رقم قياسي عالمي (3.3.360 د)، فضلاً عن فضية سباق النقاط على المضمار.

وكان اللافت أن الألماني يان أولريخ وفى بالوعد الذي قطعه على نفسه بنيله ذهبية سباق الطريق وفضية ضد الساعة، وثأر من الأميركي لانس أرمسترونغ الفائز عليه في دورة فرنسا الدولية، والذي حلّ في المركز 13 في سباق الطريق، واكتفى بالبرونزية في سباق الساعة.

 

وانتهت الألعاب بحفلة ضخمة راقصة بدأت بموسيقى يونانية وكأنها تمهيد للألعاب الاولمبية المقبلة في أثينا، ثم عزفت موسيقى الألفية الجديدة حول المنصة الرئيسة حيث وزّعت آخر الميداليات للماراثون لثلاثة أفارقة يتقدمهم الإثيوبي الفائز جيزاغني أبيرا.

ووجد كل متفرِّج على مقعده مغلفاً يحوي تذكارات عدّة لتبرير ارتفاع ثمن البطاقات، وأغلاها بلغ نحو 800 دولار، في حين عرضت أربع شاشات عملاقة أفضل لحظات الأولمبياد.