[x] اغلاق
إعلام فوق صفيح ساخن
3/8/2012 11:26

 

إعلام فوق صفيح ساخن

بقلم: مارون سامي عزّام

أصبحت سوريّا كوريا الشمالية الشرق أوسطيّة، فمنعت الوسائل العربية والغربية من دخولها، واحتكر النّظام وسائل الإعلام الرّسميّة الخاضعة له، يُثرثر دون توقّف لتبرير موقفه، فهو قد اعتاد الكذب وتزوير الحقائق منذ أربعين عامًا وأكثر. علامات هلوسة النظام السّوري بدأت تظهر على الفضائيّة الإخباريّة السّورية، خاصة عندما عرضت على شاشتها طفلَين صغيرين يعترفان تحت تهديد بندقيّة رجل الاستخبارات المصوّبة نحوهما، أنهما ينتميان لتنظيم إرهابي!! هل يُعقَل أمر كهذا؟! قام النّظام بذلك كي يُثبت للعالم بأي شكل من الأشكال، أن الأطفال أيضًا تحوّلوا إلى إرهابيين صغار!!

ومن عمليات مسح الدّماغ للشعب السّوري، توقّف بث قناة "سوريا دراما" في شباط الماضي لمدة شهرين، وتعطّل عمل 400 موظّف يعملون في هيئة الإذاعة والتلفزيون السّوري، واستيلاء الفضائية الإخبارية على القناة طيلة هذه المدّة، عاودت بعدها قناة "سوريا دراما" بثها العادي. حصل ذات الأمر مؤخّرًا بعد العمليّة التفجيريّة النوعيّة للمقر الأمني التي راح ضحيتها ثلاثة من أركان النّظام. مع العلم أنه من المتّبع في سياسات الإعلام العالمية، عندما تكون الدولة في حالة طوارئ، أن تستمر بعض قنواتها ببث البرامج الترفيهيّة، لتُخفّف من الضغط النفسي والتّوتر العصبي للشّعب وليس العكس.

القنوات الإخبارية العالمية والعربية لا تضلل العالم، بل أجهزة المخابرات هي التي تُضلّله من خلال ادعاءاتها المفبركة التي ما زالت تطلقها من خلال تسمية الثوّار "الفلول الإرهابية". فإذا كان الإرهابيون هُم الذين ينفّذون مثل هذه المجازر بحق الشّعب، كما يدّعي النّظام، فلماذا لم تُنكّس الأعلام فوق المؤسسات والمباني الحكوميّة حدادًا على أرواح الضحايا؟. 

التفجيرات اليوميّة ينسبها إعلام النّظام إلى تنظيم القاعدة... قصف الجيش للأحياء بالمروحيّات والدبّابات، ينسبها إلى الغرب ودول الخليج، بحجة أنهم يزوّدون الثوّار بالأسلحة. صحيح أن هذه الدّول تزوّد المعارضة بالأسلحة، وعلى رأسهم الأمير بندر بن سلطان، الذي عُيّن رئيسًا للاستخبارات السعوديّة حديثًا، يموّل ويُسلّح المعارضة... لكنه لا يزودها بالمروحيّات والطّائرات الحربيّة!! فهذه المقاتلات يستعملها الجيش ولا تَقدر المعارضة أن تُهرّبها أو تستخدمها.

الجيش السّوري النّظامي، بات يُسمّى "الجهات المختصّة"، كما تسميه القنوات الوطنيّة السّوريّة التي اكتشفت حديثًا مدى أهميّة الإعلام أمام الرّأي العام العالمي، فبدأت من خلال بث بياناتها الإعلامية على قنواتها الفضائية، تشدّد أكثر وتُحذّر الشعب من متابعة ما تبثه القنوات التضليليّة من أخبار بعد أن شعَرَت أن تأثيرها بدأ يزول.

 مصطلح "شبّيحة" (مشتق من كلمة شبح، وتُنسب إلى سيّارات المرسيدس من فئةS Class  تستخدمها أجهزة المخابرات لتنفيذ اعتقالاتها) مصطلح من اختراع إعلام النظام الموجّه من قِبَل أجهزة المخابرات... الشّبيحة هُم زعران النّظام الذين يعتدون على المواطنين الأبرياء، يغتصبون النّساء، يخطفون الأشخاص من بيوتهم الآمنة. هذه هي مهامهم.     

العالم يتعامل مع المجازر على أنها مشاهد حيّة مأخوذة من أحد برامج تلفزيون الواقع الشّهيرة، تُبث فقط بغية المشاهدة التلفزيونيّة! رغم أن ما يحصل في سوريا هو انكسار الشق المعيشي، نتيجة تَحرُّك طبقات القهر والذّل لدى السوريين، جرّاء تفاقم البطالة التي تجاوزت 32%.  يعاني السوريون من ارتفاع مستمر في أسعار الحاجيات الاستهلاكية اليوميّة، يشترون فقط حاجيّاتهم الغذائيّة الأساسيّة، أما بقية الاحتياجات المنزليّة، فقد غدت من الكماليّات!!

إذًا هذه هي الصّورة الإعلامية الحقيقيّة، التي يأبى الإعلام السّوري الرّسمي إظهارها للشعب على حقيقتها. فنراه يعرض في أسفل شاشاته الوطنيّة، شريطًا إخباريًا، يدّعي فيه أن الأوضاع الأمنية والمعيشيّة في دمشق قد عادت إلى طبيعتها، دون أن يعرض صورًا، مع أن وسائل الإعلام اليوم تعتبر لاعبًا نفسيًا أساسيًا، تحرّك عاطفة الشعب، تزيد من تعاطفه مع مطالبه.