[x] اغلاق
أنا أعشق سر الحياة
17/8/2012 13:05

 

أنا  أعشق  سر الحياة

(مهداة الى حفيدتي  الرائعة لارا  في عيدها الاول)

 

ليلتي  صيفية حارة  والبدر منير يختال أرجاء السماء التي تَتخللها سُحب صيفية بيضاء. القمر يلعبُ لعبته في ليلة من روائع لياليه. يَختفي خلف السحب ثم يظهر بينها ثم يعود ويختفي وهو يضحك ببراءة وعفوية كصغيرتي حفيدتي لارا التي تجلس الى جانبي على حصيرة فلسطينية  مزخرفة بألوان الوطن كلها. هي أيضا  تلعب لعبة حياتها الصغيرة التي تقترب الى عامها الأول. تُخفي  لعبتها الصغيرة تحت الوسادة وتَنظر لي وتخاطبني بلغتها البريئة التي لم تتعد كلامات قليلة واشارات وبسمات وحركات عفوية وكأنني بها تقول "انظر يا جدي أنا مثل ذاك القمر، العب معك لعبة الحياة ذاتها." تلك التي تجلت بأروع صورها في تلك الامسية الصيفية الصافية وكأنها ليلة من ليالي شهرزاد. ما كان مني الا أني نسيت مشاهدة لعبة القمر والغيمات فوق سطح دارنا، وانخرطت في لعبتي مع صغيرتي وأنا أبحث فيها وبين كلماتها الأولى العذبة عن سر وسحرِ هذا الجمال الرباني. ذاك الذي يظهر جليا  في حدقتي عينيها وهن بلون الأزرق الغامق الذي يَسحبك عُنوة الى أعماق المحيط  وخصلات شعرها المتموجة بين لون العقيق ولون أوراق الخريف. نعم هذا هو الجمال الرباني الذي يكشفُ لي بضعاً من سر الكون وسراً من أسرار الخلق.   يعود بي الزمن غضاً غريراً الى سطح دارنا القديمة وأشعة قمرِ مثل هذه  حيث دارت ومازالت تدور وقائع  قصة حب متجددة بينهما. اذ طالما عَدوت شقياً وانتحيتُ مكانا قصياً انتظر وقائع تلك القبلة التي تكررت كل  مساء. عدت بلحظة الى شقاوتي فتياً وأنا أبحث جاهداً عن عروستي بين عرائس البحر وعن أميرة أحلامي التي تاهت بين تموجات كستنائية شقراء أبدية المسها بأناملي وأذوق روعتها، وأنا أرى الدنيا كل الدنيا بلمحات  حائرة بعيون لارا وبذاك البدر الذي يلعب مع الزمن لعبة استغماية لا أروع ولا أجمل. سر الحياة غارق في زمن بعيد يتوه ألان مع ضحكات  صغيرتي الجميلة التي تلعب به بأناملها الصغيرة وكأني بحالها تقول اقعد وثريت أيها الزمن وتمتع بالدنيا الجميلة مثلي ومثل جدي العاشق هذا فهذا زمني وأنا سر من أسرار هذا الكون وغايه من غايات من وجوده. يا الهي .. صغيرتي الجميلة تشابه - بوزون هيجس - ذاك الجسيم الالهي   المسؤول عن اكتساب المادة لكتلتها. ذاك الجسيم الساحر الذي اوجد الوجود المادي واوجد هذا الكون الجميل والقمر وقاع المحيط والغابة الكستنائية. هو سر الخلق وصغيرتي سر آخر من أسرار الخلق وروعته آتية من قلب الزمن ولا شك  من روعة "الانفجار الكبير". انها  سر من أحلامي وغاية رائعة من غايات وجودي. لهفتي  لها  كلهفتها لي اذ ما تكاد تراني مقبلاً نحوها من عمل نهار مضن حتى ترفع يداها ضارعة الي  وهي تردد بمتتالية رائعة بصوت جهوري وعذب أشم منه رائحة التصميم  وشوق الارادة وفرح الوجود من سبب هذا الوجود "باي .. باي .. باي". أنسى حالى وتعبي واحضنها واقبلها ونبدأ معا رحلة استكشاف جديدة في وجود هي سبب من أسباب وجوده حيث تبدأ حوارية السبب والمُسبب.أطوف بها في أنحاء الحديقة أقص عليها قصص الأولين عن بدعِ الخلق عن الوردة الجورية وعن الزنبق ومياه النافورة وذاك الديك المجاهد  وتلك الدجاجة المكافحة التي تلقط عيشها وعن ذاك البلبل الذي لا يبارح الحديقة، بعد أن عاهدته أن اسقيه وأرعاه وعاهدني هو بسمفونية الصباح ومارش الغروب. وقفنا معا مرة الى جانب شجرة أكاسيا مزهرة وقلت لها "لارا خذي- يا سيديزهرة من هذه الزهورالجميلة". قََطفتها وأخفتها  براحة يدها الصغيرة ولسان حالها يقول ولا يقول "نعم يا جدي فهي مثلي  سر من أسرار الوجود." كم كانت دهشتي عندما خَطفت عيون الوسن حدقتي لارا ونامت قيلولتها وهي تُخفي تلك الزهرة وكأنني بها تخشى ضياعها. نامي قريرة العين يا صغيرتي غدا عيد ميلادك الأول بيننا. أنا  يا صغيرتي عندما نتكلم عنكيا سيدي- أقول دوما لجدتك بأنني والله   انتظرتك راجعة من صوب أغنية من ذاك الزمن الأول. سمعت قبل ولادتك وقع قدميك هدارة على هذه الأرض الطاهرة التي تتكلم العربية وتخفي في حناياها وبين قطرات بحرها الأزرق ومع غيماتها الصيفية البيضاء صدى نزار وياسمينه الدمشقي وذكرى درويش الخالدة وصوته القلق الغاضب وهو يسـأل أباه بحرقة كَاوية لماذا ترك الحصان وحيداً ولماذا ودع زهر اللوز الذي يأبه الا يعود كل عام مع النسائم الربيعية. أما   جدتك التي تُحبك مثل حبي لك تصر أحيانا على أنها انتظرتك قادمة على جناحي لقلق في هجرته السنوية من بلاد بعيدة، وأحيانا أخرى تصر على انك أتيت في أكليل من الورد الدمشقي عُقد خصيصا لك على شكل سفينة  شراعية أرسلته الحياة في نهرها المتدفق هدية الوجود لنا. ثم نتحاور  واسألها ماذا ستكون هديتك للصغيرة في عيد لارا الأول بيننا فتجيبني وتقول "ربما فستان حريري غجري بلون شمس الغروب القاني جلبته لها  معي من رحلة الأندلس الأخيرة قبل أن تولد .. وربما لعبة تشبهها  ..وربما أحضرُ لها كعكة العيد بلون شعرها الكستنائي مغموسة بعسل غابات سنديان الكرمل ومطعمة بزبيب الخليل وبقطع من تفاح الجليل .. وربما.." حتى تتوه وتحتار. أما أنا لا أتوه هديتي كما وعدتك عندما التقت عينانا لأول مرة ستكون دوما كلماتي وهي أعز عندي وأغلى وسأرسلها لك في حزمة من أثير فيه عبق الحياة كلها ومحاولة أخرى للوصل والتواصل مع سر الوجود الذي اعشقه وتعشقيه أنت يا وردتي الصغيرة هنا تحت هذه الشمس العربية التي لن تغيب يوما.

جدك  المشتاق دوما  - د. فؤاد  خطيب