[x] اغلاق
أحمق غربي يشعل الشرق نارا
13/9/2012 18:17

 

أحمق غربي يشعل الشرق نارا

زياد شليوط

 

مرة أخرى يطل علينا أحمق، جاهل من الغرب بعمل سخيف وتافه –باسم حرية التعبير أو الفن- ويشعل الشرق نارا وفتنة وقتلا. والحدث الأخير قام به أحد الحمقى في الولايات المتحدة الذي استعار اسما غير حقيقي (سام باسيل) وتوارى عن الأنظار بعد عمله الفظيع بالاساءة للاسلام، وخاصة في تشويه صورة النبي العربي الكريم محمد (صلى الله عليه وسلم) في فيلم سينمائي بائس. وكان من الطبيعي أن يثير هذا الفيلم وما حمله من إساءة وتشويه للدين الاسلامي والمسلمين قاطبة، وخصوصا في الشرق العربي الذي يعاني من التدخلات الأمريكية في شؤونه الداخلية، ردود فعل غاضبة خرجت أحيانا عن حدها كما حصل في ليبيا وأدت الى مقتل السفير الأمريكي هناك وثلاثة من موظفي السفارة الأمريكية. وامتدت المظاهرات الى القاهرة وغيرها من العواصم العربية والاسلامية وحوصر عدد من السفارات الأمريكية احتجاجا وغضبا على الولايات المتحدة التي ينتمي اليها المخرج المعتوه.

إن ما اقدم عليه المخرج المعتوه، من عمل أخرق يجدر بكل انسان عاقل سواء كان مؤمنا ام غير مؤمن، أن يدينه ويستنكره بكل ما يملك من ألفاظ وتعابير، والمطالبة بأن يتم تقديم هذا  الأحمق للقضاء، لأنه أساء الى ديانة سماوية في صلب ايمانها، ومس مشاعر وعقيدة ملايين المسلمين في العالم وأثار موجة من الغضب والمظاهرات والمناوشات بل كان عاملا غير مباشر في قتل سفير بلاده في ليبيا وموظفي السفارة. لكن هل يجوز اسقاط عمل هذا المأفون على جميع الأمريكيين أو المسيحيين في العالم؟ هل يتحمل العالم المسيحي وزر عمل غير عاقل كهذا؟

من المؤسف أن يحسب أولئك المتطرفون والمأزومون من المسيحيين، لأن ما يفعلونه خارج عن تعليم المسيحية ومناقض لدعوة السيد المسيح (له المجد) ويسيء للمسيحية قبل أن يسيء لأي ديانة أخرى. ومن المعروف أن ما يسمى بالكنائس في الولايات المتحدة لا يتفق ولا يتماثل مع الكنائس التي نعرفها في شرقنا وبلادنا. فالكنائس الكثيرة المنتشرة في الولايات المتحدة، بغالبيتها هي بدع وهرطقات يقوم بها بعض من يطلقون على أنفسهم رجال دين أو قسس وهم أبعد ما يكونون عن ذلك، ونراهم أحيانا في التلفزيون ونرى حركاتهم وصراخهم وطقوسهم التي تقارب الجنون والبدع المكروهة والمقيتة، وحتى من ناحية المبنى فهي ليست بكنائس انما عبارة عن قاعة عادية للقاء والاجتماع، وما يمارسونه من طقوس لا علاقة له بالكنيسة والصلوات التي اعتدنا عليها ومارسناها. ومن أمثال أولئك ذاك "القس" العنصري تيري جونسون الذي قام باضرام النار في كتاب القرآن الكريم وطالب بعرض الفيلم في محفله. وهناك ما يسمى "المسيحية الصهيونية"، فهل يعقل أمر كهذا؟ نعم هناك مجموعة متطرفة مؤيدة للصهيونية أكثر من الصهيونيين أنفسهم، ويعدون أنفسهم على المسيحية، أنشأوا تنظيما دعوه المسيحية الصهيونية، يقومون من خلاله بجمع التبرعات بمبالغ كبيرة وتقديمها لاسرائيل دعما لها ولاحتلالها واستيطانها، كما أقاموا له سفارة في القدس الغربية.

لو كان أولئك من أتباع المسيح لعملوا بقوله " كما تريدون أن يفعل الناس لكم، افعلوا أنتم أيضا لهم" (لوقا 31:6) وهذا أقل الايمان. فالسيد المسيح (له المجد) أوصى اتباعه بأن لا يفعلوا بغيرهم ما لا يريدون أن يفعله الغير بهم، وهو أبسط ما يمكن، فكما لا نحب أن يسيء الينا أحد علينا الا نسيء الى أحد، فأين اولئك من هذا القول ومن تعاليم السيد المسيح؟

ومن المؤسف أن يعتبر المسلمون أو العرب الولايات المتحدة أنها دولة مسيحية، فهي أبعد ما تكون عن ذلك، ولم تهتم للمسيحية والمسيحيين خاصة في الشرق أدنى اهتمام، وان فعلت فلأجل مصالحها السياسية، لأن من يتابع سياسة الولايات المتحدة عبر السنوات خاصة في الشرق العربي، يدرك أن ما يحركها وما يعنيها هو مصالحها السياسية والاقتصادية وبسط نفوذها وهيمنتها على هذه المنطقة، ولا عجب أن يقول منافس براك على الرئاسة ميت رومني ان العالم خطير ورغم ذلك على الولايات المتحدة الا تتراجع عن وظيفتها في قيادته. هكذا يرى الاستعماريون الأمريكان بأن العالم يقع تحت نفوذهم وسيطرتهم رغم كل شيء.

ومن أهم قواعد التفاهم والتسامح قبول الآخر، وهناك نموذج نشرت عنه تقريرا أمس صحيفة "هآرتس" (الخميس 13/9/2012) نقلا عن "نيو يورك تايمز"، تزامن صدفة مع الحدث الأخير، حول التحاق الطالبات المسلمات المتدينات (وكذلك الطلاب المسلمين) بالجامعات الكاثوليكية في الولايات المتحدة، لأنهم يشعرون بأمان وراحة واحترام في تلك الجامعات أكثر بكثير من الجامعات العادية، لأن هذه الجامعات دينية وتحترم المتدينين من أي دين، وتقول احدى الطالبات المسلمات "اشعر هنا انهم يقبلونني وهذا هو المهم". نعم قبول الآخر كما هو يحل أي اشكال ويمنع الاحتكاك والتعصب، وتقول طالبة أخرى "أشعر هنا أنهم يحترمون معتقدي ولست مضطرة لابقائه في البيت عندما أحضر الى هنا." وطالبة أخرى تشهد "هنا الأشخاص متدينون أكثر وأشعر معهم بارتياح، حتى لو أنهم غير مسلمين."

فكما ان المسلمين يرفضون وبحق وصمهم بالقاعدة وطالبان والحركات الأصولية المتطرفة، ولا يجوز التعميم في هذه الحالة، كذلك فان الأمريكيين ليسوا جميعهم هذا الأحمق أو ذاك الأخرق، بل أن الولايات المتحدة فيها مئات المؤسسات والملايين من الناس الذين يختلفون عن سلطتهم الحاكمة، وكما قيل عن السفير الأمريكي في ليبيا كان أقرب الناس الى العرب وكان يتحدث لغتهم وقضى سنوات طويلة في عدة دول عربية. لذا علينا ألا نخسر كل الناس في الغرب وفي الولايات المتحدة في لحظة غضب، وعلينا أن نميز بين الحكم والمنظمات اليمينية العنصرية المتطرفة وبين الناس العاديين والمؤسسات الانسانية والديمقراطية في الغرب.

(شفاعمرو/ الجليل)