[x] اغلاق
قصف ليلي احتفالي عنيف!!
20/9/2012 17:21

 

قصف ليلي احتفالي عنيف!!

بقلم: مارون سامي عزّام

لدينا مناسبتان نحتفل بهما، ويشاركنا بهما بعض شبابنا وأولادنا، بشكل غير متحضّر وغير لائق أدبيًا!! وهُما عشيّة الاحتفال بقدوم العام الجديد، التي فيها يُكسّر بعض الشبان الزجاجات الفارغة على جدران الأزقة، فيتجرح وجه المدينة الجميل، لأراه في الغداة ينزف حُزنًا وأسفًا على هذه التصرّفات، وعشية عيد الصليب المقدّس، إذ تتحوّل ساحات البيوت والأزقة إلى كُتَل نارية، رغم  أن العديد منّا يجهل قصّة عيد الصليب، التي ألخّصها باختصار... إن هذا العيد مرتبط بصلب وموت السيد المسيح، فبعد هذين الحدثَين أخفى الرّومان آثار الصّليب الذي صُلبَ عليه، وألقوا به في حفرة كبيرة بالقرب من موقع الجلجلة، وأقاموا مكانه معبدًا للإله الروماني فينوس، وذلك ليمنعوا المسيحيين الأوائل من زيارة المكان وتكريم الصّليب.

جاءت القدّيسة هيلانة والدة الامبراطور قسطنطين إلى أورشليم، لتبحث عن المكان الذي دُفن فيه الصّليب، فأخبروها بمكان دفنه، وأمرت بحفر المكان في الحال، ووجدوا ثلاثة صلبان، لكنّها لم تعرف أي واحد منهم هو الحقيقي. اقترح البطريرك مكاريوس أن يوضع واحدًا تلو الآخر على جثّة أحد الموتى الذي كانت جنازته تمر في المكان... عندما وُضِعَ الصليب الثّالث على الجثّة، عاد الميت إلى الحياة، ووضعوه على امرأة مريضة فشفيت حالاً. رَفَعت القدّيسة هيلانة الصّليب على جبل الجلجلة... وفي عام 614 م اجتاح الفرس أورشليم وأسروا آلاف المسيحيين وأخذوا ذخائر الصليب الكريم غنيمةً، وبقي في حوزتهم 14 عامًا، ولكن الفرس لم يُصِيبوه بأذى بل حافظوا عليه إكرامًا لقيمة هذا الصّليب.

عام 628 م انتصر الامبراطور هيرقل على الفُرس واسترجع ذخائر الصليب، وأعاده إلى مكانه على جبل الجلجلة، هكذا احتفل معه الشعب بهذا النّصر. كما أمرت القديسة هيلانة بإشعال النار فوق رؤوس الجبال، من أجل أن يصل خبر عثورها على الصليب إلى ابنها الامبراطور قسطنطين في القسطنطينية، لأن النار كانت أسرع وسيلة الاتصال في ذلك الوقت... ومن حينها اقترن الاحتفال بعيد الصليب المقدّس، بعادة إشعال النار، فغدت عادة شعبية احتفالية.

رغم أن هذه العادة قد انتشرت بدايةً في قرى ومُدُن لبنان، إلاّ أنها انتقلت لاحقًا إلينا وطوّرنا أدواتها! فبعد أن جمع العديد من الشّبان عشيّة عيد الصليب أكوامًا من القش والأغصان اليابسة كوّموها تلالاً، أضرموا فيها النّار، وارتفعت عاليًا ألسنة نيران النصر الإلهي لهؤلاء الشبان على قوّة اتقاد نار غيرتهم من "زملائهم" في الأحياء الأخرى!

عمّ "فرح" الشبّان بهذا العيد كل الأزقة وساحات البيوت وكانوا مسلّحين بكميات كبيرة وغير معقولة من المفرقعات الحارقة والخطيرة وصواريخ نفّاثة أرض جو، يعني دارت حربًا أهليّة مصغّرة، والحمد لله بدون جرحى أو قتلى!! ألا يكفي أن أحياء المدينة غدت مخازن لبيع أنواع وأشكال متعدّدة من الألعاب النّارية في هذا اليوم المميّز ليس دينيًا بل المميّز تجاريًا!!

صدى زعيق ودوي هذه الألعاب أزعج معظم النّاس، هزّ أركان بيوتهم، ورغم ذلك استمرّ بعض الشبّان بقصف جلَد السّماء، بألوان الحماقة والرّعونة إلى ما بعد منتصف الليل!! ولم تتدخّل عناصر الشرطة وأتباعها، لتطبّق قانون منع الضجيج بعد الساعة العاشرة ليلاً، حسب القانون وزارة حماية البيئة، الذي صدر في عام 1992 وتم تعديله في عام 2011.

تحت غطاء الاحتفال بعيد الصّليب، شوه بعض الشبان الصغار كالكبار معالم البيئة شبه النّظيفة!... تحت غطاء هذا التقليد الدّيني الرّمزي اشترى بعض الأهالي لأولادهم مفرقعات بمئات الشواقل، فتطاير شرر تصرّفات أولادهم فوق الذّوق العام والخاص! لاسعًا جفون النّاس التوّاقة إلى راحة الأعصاب والسكون الليلي.

إنّي أستغرب من انزعاج بعض النّاس من ضجيج بعض الورشات الليلية القريبة من البيوت، أجدهُم يهرعون ليقدّموا شكوى للجهات المختصّة من أجل إيقافهم عن العمل، وأؤيّدهم في هذه القضيّة، فلماذا لم يستاؤوا من المفرقعات الاحتفالية؟!... لماذا لم ينزعج البعض من أصوات لعلعة الرّصاص المفرحة في الأعراس؟!! ألا تُوتّرهم وتؤرّق نومهم؟!! حقًا إن طِباع النّاس عجيبة! إلا أنّهم يعتبرون هذه حالات خاصّة، فيتسامحون مع الاحتفالات الموسميّة... يفرحون لفرح أبو فلان الذي أطلق 21 طلقة لاستقبال وفود المدعوّين إلى العرس، لذلك يغضّون الطّرف عنها، لأنه لا تتم أفراحهم إلا بوجود هذه الذخيرة العسكريّة!

أليست هذه التّظاهرة الاحتفالية المبالَغ بها بعيد الصّليب، تُعتبر جزءًا من العنف الفكري المكبوت في نفسيّة قسم كبير من الشّبّان الصغار وحتّى الكبار، إذ يُفرغون هذه الطّاقة الهائلة خلال ساعات معدودة، وما تبقّى من هذه الاحتفالات فتات طيش يفترش الأرض، وتناثُر شظايا كبريائهم في الجو.

ما تبقّى من هذه الاحتفالات سوى رماد أسود غطّى عقول شبّان الجاهلة الرافضة معرفة أن عيد الصليب هو تكريم للفادي الإلهي الذي عُلّق عليه... كما نأت مفاهيمهم عن رموز العيد، فالشعلة أضاءت لحاملي الصليب درب عودتهم من بلاد الفرس لئلاّ يتوهوا ليلاً، أكواز الرّمان تدل على إيمان المؤمنين بوحدة الكنيسة، لكن مع الأسف الشديد، فهذه الرّموز لم تكُن حاضرة في أذهان هؤلاء الشّبّان خلال سباق التزوّد بكميّات كبيرة من المفرقعات، لكن يكفي أن نيران المنافسة تأجّجت، حتّى أشعلت فتيل النخوة، فانتصروا فقط على عجزهم الثقافي!!.