[x] اغلاق
شرود البنفسج
9/10/2012 10:54
شرود البنفسج
 
صفعتها الرياح الباردة حال خروجها من مكمنها الدافئ .. تسلل البرد الى مساماتها فأنكمش وجهها و ارتعشت مفاصلها فعانقت قلقها بذراعيها و شدت معطفها البارد على احلامها و أخذت تقطع مسافات الخيبة بمثابرة و تصميم و مقاومة ...ثلاث مبادئ رضعتهم مع حليب والدتها ... تسللت المثابرة الى اعماقها و تدفق التصميم في عروقها و استوطنت المقاومة بين ضلوعها ... هي لم تعرف يوماً معنى كلمة استسلام و لم تظن ابداً انها كلمة يمكن تنفيذها فعلاً .. حتى و هي صغيرة تأتيها صورة مبهمة لها و هي تقع لتقف مباشرة .. فوقوعها على الارض اهانة لجسدها الصغير الذي لا يتحمل قسوة الارض ...تحرم من علبة شوكلاته فتبحت عنها لساعات دون كلل او ملل و رغم معرفتها بعاقبة الامور و تلقيها تأنيب شديد من والديها لكنها لا تتوقف حتى تحصل على ما تريد ... تذكر انها تسلقت ذات يوم خزانة عالية و لم تستطع النزول ,, رفضت مساعدة والديها و صممت رغم خوفها ان تنزل لوحدها حتى لو وقعت ... تذكر حين اضطرت مرة ان تأخذ حقن علاجية عند الطبيب .. اشفق على صغر سنها فسألها : هل أنت خائفة ؟؟ اجابته : نعم .. قال لها : استطيع ان اعالجك بطريقة اخرى لكنها ستأخذ وقتا اطول ....... قالت له : انا خائفة لكني لا اسمح لخوفي ان يتحكم بي ... انا سيدة نفسي و لن اسمح لأي شئ ان يرغمني على  عدم فعل ما يتوجب علي فعله .... عشرون حقنة مؤلمة لم تمنعها من الاعتراف بشجاعتها ... فقط الاستسلام كان مبهم التفاصيل بالنسبة اليها و لم تحاول تفسير اسباب حدوثه او نتائج الوقوع بين برائنه .
دفعتها نفسها التواقة لتحليل ما يتحكم بالبشر من اهواء ان تجلس امام نافذتها المطلة على الشارع كل صباح ... مع فتجان قهوة صباحي و صوت فيروز يغمر روحها .. تشرد عيونها نحو الشارع تراقب مع كل رشفة حارة من فنجانها تصرفات البشر العشوائية في الشارع .. الكل يمشي غارقا في تفكيره لا يدركون ان وراء نافذة تجلس هي تراقب حركات اجسادهم .. تعابير وجوههم نظرات عيونهم التائهة ابتسامتهم الخاوية و خطوات اقدامهم المسرعة نحو المجهول ....
من احدى السيارات يخرج رجل اعمال ثري مستعجل وراء جشعه ناسياً ان يركن سيارته بشكل سليم ... يراه شاب متجها الى عمله ماشياً غير مستعجل على شقائه يردد بينه و بين نفسه لا استطيع ان اركن قدماي بعيداً عن احلامي و طموحاتي .. فيجب ان اقف في مكاني المناسب تماما .
امراءة تشد اولادها ورائها .. احدهم يبكي و الاخر يشكي و الرضيع لا يعرف سوى انه جائع .. جائع ... جائع في دنيا لا تطعم ابناءها ما يكفي من كرامة و حب و أنتماء .
منظر اخر يشد قلبها ... صبية تذهب الى جامعتها كل صباح و شاب يخرج من محله ليستقبلها بأشواق لا تعبر عنها سوى عيونه الخجلة و هي تستقبل اشواقه بصمت لا يعبر عنها سوى شبه ابتسامة على ثغرها و خطوات مسرعة نحو الشارع المعاكس له... لم  نضطر لمشاهدة الورد و هو يذبل ؟؟ لم لا تسقيه اعماقنا سوى الحزن و التردد و الاختباء وراء ابتسامات شبه سعيدة و نظرات لا تجرؤ ان تنظر الى ما هو ابعد من أمنية ....؟؟
 
تبرد القهوة و تتوقف فيروز عن الغناء لكن البرد يستمر بصفع احلامنا كل نوبة شجن .... اتسمر مكاني حتى تصلني ارتعاشة و تدفعني همسة ما ان اقفز من مكاني و اتجه الى صفحتي و اخط عليها ما يمليه عليه قلبي ..... قلبي ذلك المخلوق المسكين العالق ما بين موجة برد و شعلة نار تعده بدفئ قريب
 
// محمد جمال صبح
أرجوا النشر في صحيفة يوم الجمعة