[x] اغلاق
ما هو المطلوب من المسيحيين العرب في الدول العربية؟
9/11/2012 11:19

 

ما هو المطلوب من المسيحيين العرب في الدول العربية؟

زياد شليوط

 ما زال موقف المسيحيين العرب من الانتفاضات الشعبية في الدول العربية، يثير الاهتمام والبحث والمراجعة. سواء من خلال المؤتمرات كتلك التي يعقدها مركز "اللقاء للدراسات الدينية والتراثية" في بيت لحم وغيره من المؤسسات، أو من خلال الدراسات والكتب كما فعلت دار " ديار للنشر" في بيت لحم، التي أصدرت مؤخرا كتابا بعنوان "الربيع العربي ومسيحيو الشرق الأوسط" ضم مقالات متعددة حول الموضوع حرره واشرف عليه القس د. متري الراهب. وكذلك من خلال عشرات المقالات والتقارير التي ظهرت في وسائل الاعلام المختلفة.

ومثلما اختلف الباحثون حول تسمية ما يجري في بعض الدول العربية، هكذا اختلفوا واحتاروا في مسألة موقف المسيحيين العرب من تلك التحركات. فالبعض يرى أن ما يجري "ثورة"، والبعض "ربيع" والبعض "انتفاضات شعبية" (انظر مثلا العدد الأخير من مجلة العربي، جورج قرزم-"الحضور المسيحي في الشرق العربي" اكتوبر 2012) وهكذا يرى البعض ان المسيحيين في الأقطار العربية شاركوا في الهبات الشعبية والبعض يرى انهم لم يشاركوا، والبعض يعتقد أن الكنيسة لم تشجع أبناءها على الانخراط في الانتفاضات انما البقاء جانبا الى أن تظهر النتائج.

وبعد متابعتي للموضوع سواء من خلال ما نشر أو من خلال مشاركتي في ندوات ومؤتمرات، خرجت بسؤال أساس: ما هو المطلوب من المسيحيين العرب؟ وأطرح هذا السؤال لأن نظرة الباحثين اليه غير مستقرة، وغير متفق عليها. وكأني بالباحثين أصابتهم عدوى السياسيين. فالسياسيون يريدون موقفا من المسيحيين ورؤساء الكنيسة يتناسب مع أهوائهم ومصالحهم. والباحثون يبحثون عن موقف للمسيحيين يريحهم من عناء البحث والتحليل.

هناك من فئة الباحثين، من ينظر الى المسيحيين العرب كأقلية، وهي نظرة خاطئة ومخطوءة كما يرى غالبية الناس، ويحكم على سلوكهم من ذاك المنظار. وهناك من يرى في المسيحيين العرب مواطنين عاديين ومتساوي الحقوق والواجبات، وهي نظرة صحيحة مبدئيا ومتفائلة واقعيا، لأنه ينقصها الكثير حتى يصبح المسيحيون متساوون في المواطنة. والبعض ينظر الى المسيحيين على أنهم كتلة واحدة وعليهم التصرف ككتلة. وهناك من يظن ان الكنيسة تملك مفتاحا سحريا تستطيع من خلاله توجيه أتباعها من العلمانيين كيفما تريد، وهذا أيضا أمر غير صحيح. فالكنيسة لا توجه ولا تأمر اتباعها سياسيا، انما تشجعهم على الانخراط في العمل السياسي والمجتمعي كمواطنين وأفراد، وقد جاء في رسالة بطاركة الشرق الكاثوليك الثانية "ان المسيحيين والجماعات المسيحية يندمجون في صميم حياة شعوبهم. وهم "آيات" إنجيلية بأمانتهم لوطنهم وشعبهم وثقافتهم الوطنية، ومع الاحتفاظ بالحرية التي أكسبهم إياها المسيح." ( راجع الأب رفيق خوري - سداسية لأزمنة جديدة، ص148). كما يظهر هذا الموقف الكنسي

في محاضرات البطريرك ميشيل صباح، بطريرك اللاتين السابق في القدس، التي قدمها في أكثر من مؤتمر وندوة.

علينا التأكيد أن المسيحيين العرب في أوطانهم، هم مواطنون وليسوا رعايا أو أقليات وهكذا يجب التعامل معهم. فهل هذا هو الوضع القائم؟ بالطبع لا، فالمسيحيون في الدول العربية ما زالوا محرومين من حقوق كثيرة في الدول التي يعيشون فيها ويعتبرون مواطنون فيها، أما في سوريا فالوضع مختلف جدا، ويعترف بذلك أحد المعارضين للنظام الحاكم الذي يقول " ومن المعروف أنه بين مختلف الدول العربية، يتمتع المسيحيون في سوريا (الذين يشكلون 10% من بين 22مليون سوري) بأفضل الأوضاع." (القس د. فيكتور مكاري- مواقف مسيحيي الشرق الأوسط من الربيع العربي، في كتاب " الربيع العربي ومسيحيو الشرق الأوسط"، ص136)

من الطبيعي أن يتردد المسيحيون السوريون في اتخاذ موقف من الثورة ضد النظام، وأن يتساءلوا حول مصيرهم اذا ما انحازوا الى هذا الطرف أو ذاك، وأن يقفوا أمام ضمائرهم في حال العداء للنظام الذي أكرمهم واحترمهم ووضعهم في مصاف المواطنة المتساوية، فلماذا ينقلبون على هذا النظام؟ وهل يمكن الطلب الى جميع المسيحيين في سوريا أن يكونوا ذوي رأي سياسي واحد، في الوقت الذي يطلب منهم أن يتصرفوا على أساس أنهم مواطنون متساوون؟ بالطبع لا يعقل، وهل يمكن الطلب من المواطنين المسلمين أن يتخذوا نفس الموقف السياسي؟ وبما ان المسيحيين فعلا مواطنون متساوون، من الطبيعي أن تتمايز آراؤهم مثل المواطنين المسلمين، فهناك من يدعم النظام لأته يتفق معه سياسيا وعروبيا، وهناك من لديه تحفظات على بعض ممارسات النظام الداخلية، وهناك من يطالب بمزيد من الديمقراطية والحريات. وتلك المواقف لا تنبع من كون المواطن مسلما أم مسيحيا، انما لقناعات شخصية وسياسية.

لكن وعلى ضوء ما حدث في مصر والتي يسكن فيها اكبر تجمع مسيحي في دولة عربية، وعلى ضوء التجربة القاسية لأشقائهم في العراق المجاورة، يحق للمسيحيين السوريين خاصة والعرب عموما، أن يقفوا ويسألوا أنفسهم: أي مصير نريد لأنفسنا ولأولادنا؟ هل يمكن لمسيحي عربي أن يفكر مرتين إلى أي نظام ينحاز، إلى نظام قومي عروبي منفتح ويحترم الديانات وأتباعها، أم الى جانب نظام قادم قائم على النظرة الاسلامية السلفية المنغلقة والتي لا تعترف إلا بالاسلام دينا وشريعة ولا تتعامل بالديمقراطية ولا تعترف بها أصلا؟ ماذا يطلب المواطن المسيحي العربي في دولته أكثر من أن يعيش بأمن وسلام وطمأنينة واحترام، وأن يحترم معتقده الديني ويسمح له المجال لممارسة شعائره الدينية بحرية والحصول على عمل يكفل له معيشة محترمة؟ أليست هذه القيم والحقوق والضمانات أهم له بكثير من نشر الديمقراطية السياسية- على أهميتها؟ أليس بقاء واستمرار النظام أهم له من تغييره خاصة بالعنف، من أجل مستقبل مظلم؟

لا يفهم من هذا القلق المشروع أن المواطنين المسيحيين يرفضون العيش في ظل حكم اسلامي، فهم سبق وعاشوا في دول اسلامية أو تعتبر الشريعة الاسلامية مصدر التشريعات المدنية، وعاشوا خلال عصور وقرون تحت الحكم الاسلامي، وكانت تلك التجارب في معظمها ايجابية. لكن عندما تنهار الدول والنظم الحاكمة والتي ضبطت الشؤون الداخلية كما يحدث في المرحلة الأخيرة، وتقع اعتداءات منظمة ومدبرة ضد المقدسات المسيحية من كنائس وأديرة وغيرها، أو اعتداءات وأعمال خطف وقتل لكهنة ورهبان وراهبات، كما حصل مؤخرا في سوريا وسبق أن وقع كذلك في العراق ومصر. فهل نتوقع من المسيحيين أن يكونوا مطمئنين ومتجاهلين لهذا الأمر الواقع ويفرحون، بل ويسعون، لسقوط أنظمة كانت تحميهم وترعاهم وتحافظ عليهم وعلى مقدساتهم؟ أم نتوقع منهم أن يقفوا الى جانب تلك الأنظمة، ويصلوا من أجل حمايتها، خاصة وأنه لا توجد منطقة وسطى ما بين التأييد والمعارضة؟

(شفاعمرو/ الجليل)