[x] اغلاق
ستبــقى عبيــر الذّاكــرة
23/11/2012 22:35

 

ستبــقى عبيــر الذّاكــرة

لذكرى رحيل الطالبة عبير أكرم عبّود

بقلم:مارون سامي عزّام

تلطّف بنا أيها الموت... لماذا لا تُسمعنا صفّارة إنذاركَبقرب وقوع مأساة ما؟!لقد احتللت مشهدنا اليومي... أصبحت شريكًا على مائدة أحاديثنا،ورغم ذلك ما زلت تتحكّم خفيةً بمصائرنا... لجمت ضحكاتنا، فثار عليك فرس الانشراح... عطّلتحركة سير حياتنا اليومية، فتزاحمنا على بيوت العزاء.أنت سيد المآسي، تماديتَ على الطالبة عبير، اختزلت شبابها وحيويّتها...قصّرت مسيرتها التعليميةبلا رحمة... قتلت طموحاتها المستقبليّة عنوةً.

خلال مكوثها بالمستشفى تقاسم أفراد العائلة الحِمل المأساوي الذي لا يُحتَمَل، فواسوا أهل الفقيدة معنويًا، ولم يفارقوهم في أحرَج اللحظات، منتظرين حدوث أعجوبة ولادتها من جديد، فحَمَلوا مشاعل الرّجاء أمام مغارة الآمال، لكي يطردوا من أمامها خفّاش الفراق القبيح، ولكن مشيئة الرّب كانت أقوى.

عبير لم تكن مجرّد طالبة في المدرسة الأسقفيّة لتتعلّم، وتحصل على شهادة التخرّج بتفوّق، بل كانت طالبةً في مدرسة الأخلاق والتّربية أيضًا، لم تنَل شهادة حسن السلوك فقط من إدارة المدرسة، وإنما أيضًا من أهلها، وخاصّةً والدها السيد أكرم الذي ما زال يضحّي في سبيل طموحات أبنائه، ليمنحهم دروع الأمان، ومظلاّت الحنان والعطاء والرّخاء.

رحيلعبير سوف يبقى جرحًا أبديًا في حياة والدتها المفجوعة السيدة سمَر، التي لم تصدّق أن عبير زهرتها قد تطاير، وأصبح عطرًايعبق رحاب الحياة الأبدية، مع أنها تعلم أن أعضاءها حيّة، وقد تقبّلتها أجساد المرضى المحتاجة إليها... بعد أن اتخذ أهلها أصعب وأجرأ قرار في حياتهم، وهو الموافقة أن يتبرّعوا بأعضاء عبير، فهذه أعظم هِبَة إنسانيّة قدّمها والديها على طبق التضحيّة، فغدت اليوم مليكة القلوب الرحومة التي خفّفتمن عذابات المرضى. 

شقيقها البكر كريم كان متعلقًا جدًا بشقيقته عبير، فكانت مرآته التي رأى من خلالها كيفية انصهار لحظاته معها... أدركَ أن سر ابتسامتها الدّائمة،سواء في المدرسة، أو في المنزل، أو مع صديقاتها، لأنّها أحبت الجميع،فابتسامتها جمعت قلوبهم في بستان التفاؤل،وكانت تلك الفتاة التي تمشي على بلاط الطّاعة والاحترام.

كذلكتدرّبت على رقص الباليه، لأن حركاتها كانت رشيقة،تألقت أيضًا في عدّة مجالات رياضيّة، كالسّباحة وهواية التجديف بالقوارب، لأنّها أحبت تحدي تيّار المياه... من هواياتها أيضًا ركوب الدرّاجات، لأنها عشقت تحدّي اتجاه الرياح...وعشقت ركوب أمواج المستحيل والانطلاق نحو أفق الحريّة والمغامرة، لأن الرب كان حارسها الأمين.

مشاركة أهل البلد في الجنازة المهيبة، تدل على تعاطفهم مع الأسرة المحزونة... جميع المعارف والأصدقاء تضامنوا عبرموقع التواصل الاجتماعي الفيس بوكمع آلام الأسرة الكريمة، فكانوا مذهولين من شراسة الرّحيل، ووضعوا صورتها الرائعة، على جدران الموقع لعدّة أيّام، وكتبوا لها كلمات وفاء لذكراها، لأنها حقًا تستحق الذّكرى.

ما زال أثر ذكرها موجودًا إلى هذا اليوم على موقع "الفيس بوك"، وهذا يدل على أنها ما زالت حيّة في ذاكرة النّاس عامّةً وفي ذاكرة زملائها وزميلاتها في المدرسة خاصّة، الذين تقرّبوا منها، فأحبّوا وفائها لصداقتهم... أعجبهم تسامحها، فأحبّوا مسامحتها... غمرهم أدبها الاجتماعي بلطفها، فنالت استحسانهم.

سارت عبير على خطى تعاليم السيد المسيح، فحفظت وصاياه وحافظت عليها لشدّة إيمانها المترسّخ في أعماقها، وتعاملت مع الجميع بمنتهى الإخلاص، فكرّمها الرب واستقبلها في ملكوته... إلاّ أنّها تبقى في ذاكرة المدرسة أيقونة الاجتهاد، وفي ذاكرة الطلاب رمزًا للنشاط والحيوية... لتبقى في ذاكرة ذويها الحلم الوردي الواعد.