[x] اغلاق
بمناسبة تعيين البروفسور زاهر عزّام نائبًا لعميد كليّة الطب التّابعة للتخنيون
22/2/2013 11:20

 

بمناسبة تعيين البروفسور زاهر عزّام نائبًا لعميد كليّة الطب التّابعة للتخنيون

الجالــس فــي ملكــوت الرِّفعَــة

بقلم: مارون سامي عزّام

بدون تردُّد أو توانٍ، وجدت أفكاري تدعوني لأمسك بالقلم، لكتابة مقال صغير، بحق البروفيسور زاهر شفيق عزّام، فقُلت ماذا يمكنني أن أكتب بعد بحق هذه الشّخصيّة الإنسانيّة والعلمية المعروفة؟... ماذا بمقدور كلماتي البسيطة أن تفعل أمام هذه الجموع الغفيرة، من شفاعمرو وخارجها، الذين حاصروا البروفسور بتهانيهم وحبهم له، سواء عبر موقع الفيس بوك أو عبر مواقع الإنترنت؟ لا شيء سوى أنّ أؤازره، وأن أشد على يديه.

بللت دموع مدادي وجنة إبداعي، وانهمرت منها تعابير جميلة، تتناسب مع هذا التعيين المشرّف. اشتعل فيَّ الحماس ورُحت أسطّر له هذه المقطوعة الصغيرة، لعلّها تُعبّر عن هذا الفرح الذي غمر عائلتنا وكل المنطقة مُجدّدًا، بعد أن فُجِعنا برحيل زوجته السيدة المميّزة أمل عزّام، التي كانت حكيمة بتعاملها مع زوجها، وكانت المستشارة الأقرب إلى قلبه، لأنها تفهّمت طبيعة عمله، ودعمت أهم قاعدة آمن بها، وهي كفاحه في سبيل تقدّمه.

منذّ مطلع شبابه، عَشِق البروفيسور زاهر عزّام، أمرين أساسيّين هامّين في مسيرته الحياتيّة: العِلم والثّقافة، فبقي أسيرًا للعلم، وعبدًا للثقافة العامّة. هذا ليس غريبًا عليه، فوالده الرّاحل الأستاذ شفيق عزّام كان كذلك، إذ عَشِقَ العلم والثّقافة، بالإضافة أيضًا إلى مهنة التعليم، فخلال أوج عطائه التعليمي، عندما كان في أواسط الأربعينيات من عُمره، توجّه إلى جامعة حيفا، ليدرس الأدب الإنجليزي، وحصل على اللقب الأول أي البكالوريوس.

من هنا ترَسّخ في أعماق البروفيسور زاهر، هذان المساران، إذ تعمّق أكثر في مجال الطب الرَّحب، ولم يكتفِ بمجال الأبحاث العلمية، وما زال يدأب على قراءة الكتُب باستمتاع. لم يتوقّف عن مزاولة عمله المهني المنهِك في المستشفى والحِمل الثقيل الذي رَبَضَ على أكتافه، كرئيس لقسم الأمراض الباطنية "ب"، لكنّه رغِبَ أن يُقدّم لطلاب الطب تجربته العلمية الواسعة، لتمسّكه بمبدأ العطاء، فحقنهم بمصل منهاج خبرته العملية ليكونوا أصحّاء مهنيًا وليس فقط نظريًا.

لم يقِس البروفسور سعادته، من خلال نجاحه بتشخيص حالة مرضيّة أو بتقديم المساعدة العلاجية لأي أحد، في المشفى، ولم يُفكَّر أن يستغل مكانته المرموقة، لينتفع ماديًا، بل كانت سعادته الحقيقيّة، أن يرى ثمار جهده التعليمي، تُثمر في طلابه، ليتأكّد من أحقيّته في التعليم وأن أسلوبه مقبول على الطلاب، ليستفيدوا منه، وهُم لا شك فخورون به إلى حد الإعجاب بهدوئه وبسعة صدره لهُم، وهُم يسيرون على نهجه التعليمي، ويوميًا يكتسبون من تجربته، فهذا النجاح التعليمي يعتبره البروفسور زاهر أعظم تكريم حصل عليه، لأنه يُثري حياته العامّة... يُجدّد فيه النّشاط.

لقد كانت عُملة البروفيسور زاهر عبارة عن أوراق نقدية، عليها صور رائعة من عرفان النّاس له، بعد أن خفّف آلامهم في المستشفى. هذه العُملة التي كان وما زال يتداول بها معهم، وتبادلوها معه بكل احترام وتقدير، حوّلوا هذه الأوراق النّقديّة إلى شهادات اعتماد، يكفلها مدى الدّهر تعامل زاهر الإنساني، لأنها استمدت صلاحيتها من تواضعه.

منصب نائبًا لعميد كلية الطّب في التخنيون لشئون التعليم، الذي حصل عليه البروفسور، يُعتبر من أصعب المناصب، ويترتّب عليه مسؤولية كبيرة مُلقاة على عاتقه، يتطلّب منه الصّدق والدّقة في تقييم الطلاّب، وفحص امتحاناتهم، وقدراتهم المعرفيّة، لكي يمنح كل طالب العلامة التي يستحقها دون تحيُّز، يعني منصبًا يتطلب حسمًا حقيقيًا وثقة متبادلة تربطه بالطلاب.        

لا يمكن القول أن تعيين البروفسور زاهر شفيق عزّام، يُعتبر سياسة انفتاح عِرقي تجاه العربي في هذه البلاد... ولا يمكن القول أنه إرضاء له أو للأقليات غير اليهوديّة، كما باتت تسمّينا الدّولة!! لا... لا أبدًا، هذا اعتراف من إدارة التخنيون بقيمته العالية، لأن الأطبّاء الذين يصلحون لهذا المنصب، هُم قلّة في التخنيون، فاستحق البروفسور زاهر هذا التعيين عن جدارة واستحقاق لكفاءاته القديرة... ليكون قد حقّق جزءًا من طموحاته، وكلّي ثِقة أن ثَباته سيبقيه جالسًا في ملكوت الرّفعة.