[x] اغلاق
نسمات شفاعمرية
5/4/2013 13:52

 

 نسمات شفاعمرية

زايد خنيفس

فاضلة.. وعبد ارملي وحرقة الغربة

تقول الحكاية الشعبية : مر احد الحكماء الصالحين بغابة تشتعل فيها النيران وشاهد الحيوانات البرية تهرب في كل اتجاه ما عدا السلحفاه التي تقوقعت على نفسها والتصقت بالأرض وهنا تعجب الحكيم وسأل السلحفاه :" لماذا لا تهربين من النار كبقية الوحوش ؟" فقالت السلحفاه جملتها المشهورة :  حرق الابدان ولا مفارقة الاوطان وتقول الحكاية : استجاب الله لدعاء الحكيم الصالح فالبس السلحفاه ترسا قويا يحميها من الاعداء وغيرها .

هذا الاسبوع علق في ذهني وفكري وعواطفي مشهدان من بلدي ,الاول والثاني فراق قريبة فاضلة بكل معاني الكلمة وهي العمة (ام حسين) حلوة صالح خنيفس والمشهد الثاني فراق الصديق عبد ارملي والذي توفي اثر نوبة قلبية وهو في المهجر وبعيدا عن زقاق ضم طفولتنا ,وعندما كانت ارجلنا تأخذنا نحو ثانوية في الشرق لنعود في ساعات المساء نبحث عن زوايا السهر. وفي المشهدين بلد تعرف قيمة الراحلين عن وجهها وذكرياتها وفي الصور الباقية  بصمات لفاضلة تركت زادها معها وتركت زادها للذين بقوا بعدها من الشباب الاخيار واحفاد عرفوا احرف الواجب. وعبد ارملي يحاول العودة من مهجره وغربته لتضمه وجوه الاصدقاء وزقاق غاب عنه والموت والرحيل في المهجر صورة قاسية في حرق الابدان لان مفارقة الاوطان اصعب صورة في المشاهد الاخيرة.

رامة الشاغور عروس تناديكم .

 

لا اعرف اذا كانت صورة الشاعر سميح القاسم المرسومة بريشة الفنانة  ايرينا كركبي المعلقة بغرفتي منذ سنوات طويلة  , وحملت اللوحة الجميلة عنوان" قلم روته اقدم زيتونات الجليل " اوحت لي ان ارفع وجعي والمي على قرية ضمها الجرمق لحضنه الاخضر فنامت وتعبت من نعسها على وجنتاه الحمراء مثل تفاح قريب في كروم  الجولان ,ولا اعرف اذا كانت الرسائل القديمة في ملف والدي رحمه الله والاتية من شخصيات شكت همها لمن حملوا هموم الناس في سنوات الخمسين والستين ليكون هذان المشهدان حافزاً في خاطري لاكتب وجعي والمي على اهل رامة الجليل وقلب الشاغور ومنارته , فمن هناك خرجت الشمس في مشاورها اليومي وعادت اليه في تعبها اليومي واستفاقت الرياحين على كتف جبالها ونامت الطيور باعشاشها ,  فكانت الرامة عنوان الجليل وقلمه وفكره وثقافته ,وكانت الرامة وجه سميح القاسم وكل كروم الزيتون في عيونه الدافئة فصولا تتجاوز عامها .

بكت الرامة الدكتور مجدي ابو لطيف وبكت من قبله شبابا كل ذنبهم بانهم عاشوا في حلقات العنف والدم , وكل ذنبهم بانهم حلموا بمستقبل اخر , وغيمة تعرف المطر واوقاته وبكت الرامة كل شبانها فانكسر الضوء وانقشعت  هزيمتنا في الموت البطيء .

لا اعرف ماذا ننتظر وماذا تخبئ الاقدار لقرية كانت وادعة على كتفها , ولا اعرف ماذا يفكر العقلاء في مواقف الجرأة وقول الحقيقة ,  ولا اعرف لماذا لا تخرج مظاهرة من شوارع الرامة القديمة وزقاقها لتصرخ بوجه العنف وايادي القتل على الهوية , ولا اعرف لماذا لا يبادر عقلاء الطائفة من قيادة روحية ودينية ومجالس محلية لفحص اسباب القتل المتكرر, وتغير الحال على بلد كان عنوانها الثقافة  والعلم والتربية لتصبح على موعد بل تهوى احصاء موتاها وعريسها وقول الشاعر القاسم  " الى اين وحتى متى سنبقى تائهين وسنبقى غرباء " .

كلمات جريئة تعرف طريقها من الجبل المطل تبحث عن الرجال بضوء القناديل , وكيف نعيد للرامة وجهها القديم فوجه الشاعر يطمئن بامتداد الزيتون , وترك اهل الرامة يسبحون بدمهم خطيئة كل المجتمع العربي , وعودة رسم وجه الرامة بيد الفنانة ايرينا كركبي وكل الفنانين تحتاج لسلام الاهل ونداء الرئيس فيه بصيص يحمل الامل من جديد .