[x] اغلاق
أيها الحب... لا تُودِّع نزار قبّاني
29/4/2013 15:38
أيها الحب... لا تُودِّع نزار قبّاني

بقلم: مارون سامي عزّام

أيها الحب، لا تودع نزار الذي أخرج من ثرى حروف اللغة العربية، أجمل رياحين الإبداعات الشعرية الملونة بجرأتها...الذي حَطّم أصنام الخنوع بزلزال شعره، فإن لك معه زمالة طويلة جدًا عمرها خمسون عامًا. أيها الحب أتَذكُر كم كنت تلاحق مضاجع المغامراتالنسائية لنزار، أرغمته أن يحوِّلها إلىشِعرٍ سلس وجميل.

كنتَأيها الحب رفيقطفولة نزار، راقبتَ التحرّكات الأنثوية للفتيات، تجولتفي أزقة الأحياء الدمشقية، حتّى أنّك شجّعتهن على قراءة أشعارهالممنوعة من المطالعة آنذاك. بعد أن وطّدت في نزار موهبته الشعرية،التي تطورت مع الزمن بأشكال إبداعية ذات زوايا موضوعية متعددة، منحنا صورًا شعرية غنيّة بالأحاسيس،اختلف النقاد في تحليلها.

التحولان العظيمان اللذين غيرّا مجرى حياة نزار،هُما نكبة الخامس من حزيران، عام 1967، واغتيال زوجته بلقيس... جنّد حينها جام غضبه، عندما رأى معسكرات كرامة العرب تنهار أمام شعوبها،خلَت من فِرَق النصر... هربت من عارها، استغلها نزار، وأقام مكانها مُعسكرًالشعره السياسي الثائر، ولكنّه لم يُهملك أبدًا أيها الحب.

كلمات نزار النّارية قصفت ثكنات تخلّفالوطن العربي، بقذائف قصائده الحارقة، لأنهللأسف وُلد متخلفًا عقليًا، يعاني من حمّى الأميّة المزمنة، وما زالت نسبة حرارتها مرتفعة...لميتكامل التفكير المنطقي للوطن العربي، لأن الحكام العرب لم يُحسنوارعايته فكريًا، فأصبح ورقةً بالية،لا قيمة دولية له.

أيها الحب، استطعت أن تُخرج من فم نزار حقيقة شعوره تجاه مصير العشّاق، لا تنكر أنه منحك دفيئة الإبداع، لتصون فيها غراميّات الشبّان، لئلا تتعرّض لغزو جراد الحسّادالذييُتلفمحاصيل تفاهمهم...أيها الحب، العمرهو الحد الفاصل بينك وبين نزار!!فتَحمّلالنقد الجارح... دافع عن الحرية... رأى بعينه عيوب الأنظمة العربية الفاجرة والفاسدة.

لقد أصبحت يا نزار نزيلاً في مأوى النازحين عن الوطن، كنت ترتاح فيه من عناء التنقل كالرحالة،في غربة لا تعترف شوارعها وأضواؤها بوجودك، إلا الجاليات العربية فقط الهاربة والمهجّرة من أوطانها،فجَمَعَ شِعرك شتاتهم، ووحّدهم تحت سقفندوةً شعرية، تحت الرعاية السامية لحليفك الأزلي الحب.

بعد أن قطع نزار والحب، مسافة نصف قرن من الزّمن، وتعرّفنا من خلالهما على أكوان لغوية وإبداعية لم نعرفها من قبل، كانت مفقودة في مجرة مفردات اللغة العربية، اصطدمت مركبة نزار الشعرية بصخرة الموت، لكنها لم تتحطم... لمتفنَ في فضاء الأدب العربي، لأنها مُصانة ومحفوظة في معرض الأدب العربي العريق، وفي أعماق وجداننا وذاكرتنا، فلذلك أطلب منك أيها الحب ألاّ تودعه الوداع الأخير... ألاّ تتركه وحيدًا في دنيا الخُلد.