[x] اغلاق
فصول كوميدية بيضاء نقيّة
3/5/2013 12:30

حول مسلسل "الفصول الأربعة"

فصول كوميدية بيضاء نقيّة

بقلم: مارون سامي عزّام

على الفضائيات العربية لا أجد أي عمل كوميدي اجتماعي يستحق المتابعة...ولكنّي تابعت عمل سوري كوميدي استوقفني جدًا، من جميع النواحي، قيمةً فنيّة وكتابةً وتمثيلاً، وأنا لا أبالغ، وقد تابعته منذ عشرة أعوام وأكثر، وعُرض مؤخّرًا على إحدى الفضائيات اللبنانيّة، بعنوان "الفصول الأربعة"، من إخراج الممثل والمخرج المعروف حاتم علي،من تأليف الكاتبتين دلع ممدوح الرحبي وريم حنّا، ومن تمثيل مجموعة من أبرز الممثلين السوريين، منهم: سلمى ومها المصري، خالد تاجا، بسام كوسا، جمال سليمان وآخرون.

 المسلسل مؤلّف من جزأين وكل حلقة منفصلة عن الأخرى، تحكي عن قضايا واقعنا اليومي،وهو المسلسل الوحيد في العالم العربي الذي حمل نمطًا دراميًا كوميديا جديدًا في عالم الكوميديا العربية.إنه يجمع أربع عائلات، تبدأ بأسرة الفنان"خالد تاجا" المكونة من زوجة حكيمة خفيفة الظل لعبت دورها الفنانة نبيلة النابلسي والعمة التي لعبت دورها الفنانة هالة شوكت والابنة العزباء يارا صبري (ابنة الفنان سليم صبري) وتدرُس علم نفس، إذ تحلل الأمور من جوانب نفسية، أعتقد فيها الكثير من المنطق. هذه العائلة هي المجمّع العائلي الرّئيسي، الذي يجتمع في العائلات الأربعة، في المناسبات، وكما نسمّيه باللغة العاميّة "بيت العيلة".

أما العائلات الأربعة فهي، عائلة برهوم الذي لعب دوره الفنان "أندريه سكاف" وهو شخصية قنوعة بما قسم الله لها، يُعتبر من عامة الشعب الدرويش البسيط، يهوى كتابة الشعر. العائلة الثانية عائلة مالك بيك والذي لعب دوره الفنان "سليم صبري" وهو رجل سطحي لا يعرف في حياته اليومية سوى السعي وراء الصفقات التجارية والمكسب المادي، لا يهتم لمشاعر زوجته الشفافة، يجهل مناغشتها بالكلام الرقيق الذي تحبذه النساء، رغم أنها تعترف في المسلسل بأنها تحبه إلى أقصى الدرجات، وهو يبادلها الحب ولكن حسب مفاهيمه!!

العائلة الثالثة عائلة "نجيب" والذي لعب دوره الفنان بسام كوسا، وهو شخصية مبدئية ملتزمة، لا يحيد عن مبادئه، يكره الزيف الاجتماعي والرياء الحياتي. والعائلة الرابعة عائلة المحامي عادل والذي لعب دوره الفنان "جمال سليمان" وهو أرمل، يعيش مع ابنته نارة التي لعبت دورها الممثّلة المعتزلة روعة السعدي. عادل شخصية هادئة مثقّفة،يتعمّق جدًا في معالجة الأمور، غير متسرع في اتخاذ القرارات، وهو المرجعيّة الوحيدة لحل مشاكل العائلات في المسلسل.

القاسم المشترك بين العائلات الأربع هو التواصل الأسري العميق بينهم، وصلة الرحم التي تربط الأخوات ببعض، بحيث لا يفترقن عن بعض أبدًا، ويؤلفن محورًا اجتماعيًا جميلاً بين "العدايل"، يعني عائلات نموذجيّة جدًا موجودة في كل بيت. رغم أن حلقات المسلسل غير مترابطة ببعض،إنّما هناك استمراريّة اجتماعيّة بين العائلات، تُظهر لنا الجوانب البسيطة لحياتهم اليوميّة، بصورة طبيعيّة، جدًا بدون مبالغة، ترافقنا خلال جميع حلقات المسلسل.الكاتبتان دلَع ممدوح الرحبي وريم حنّا تدفع انني إلى إظهار جانبين أخلاقيين غير متواجدين في كافة الأعمال الكوميدية العربية، الأول: انعدام الصراخ، ثانيًا: انعدام الكلام البذيء والشتائم.

أول مرة عمل درامي كوميدييتناول عدة جوانب هامّة، منها الجانب السياسي التربوي الذي يزرع في الأطفال الوعي المبكر على أهم قضايا الأمة العربية وهي القضية الفلسطينيّة، والجانب الثقافي الذي يشجّع الأجيال الشابةعلى قراءة الأدب، وذلك من خلالحلقة عن نزار قباني، بقالب كوميدي محبّب ولطيف، يعني هذا المسلسل شمل عدّة مواضيع منها الفنيّة والعالمية والسينمائية، والأمر الآخر الذي ميّزه، أن لكل حلقة مفرداتها الثقافية الخاصة بها

الجانب الاجتماعي الإرشادي كان له الحصة أيضًا في المسلسل، وأريد التوقف عند حلقة اجتماعية عالجت قضية المسلسلات المكسيكية، (التي كانت موضة في أواخر تسعينيّات القرن الماضي) ومدى تأثيرها سلبًا على العلاقات الأسرية. هذه الحلقة تنطبق أيضًا على الحمّى التركية التي أصابت مجتمعنا، ومدى تأثيرها السلبي على نفسية الأطفال.

هذه كوميديا تدخل البيوت، بأدب واحترام شديدين، بحيث تستطيع جميع العائلة الجلوس لمشاهدتهادون حرج. هناك نقطة ضعف صغيرة وهي عدم تطور الشخصيات دراميًا خلال المسلسل (في الجزأين)،هذه النقطة لم تؤثر على المستوى العام للمسلسل،إنه لا يؤذي آذان المشاهدين بالكلام الجارح، لا تُذهل نظراتهم المشاهد الفاضحة. يجب ألا أنسى الموسيقى الافتتاحية للمسلسل،هي للموسيقار العالمي فيفالدي، واسمه مأخوذ من سيمفونيته الشهيرة "الفصول الأربعة"، كي توحي للمُشاهد أن هذاالمسلسل تحديدًا يختلف دراميًا ونصًا عن بقيّة المسلسلات الكوميدية،لأنه حقًا عبارة عن فصول كوميدية ثلجية بيضاء بمضمونها.