[x] اغلاق
الأعراس فزّاعة الصّيف الموسميَّة
27/6/2013 23:38

الأعراس فزّاعة الصّيف الموسميَّة

بقلم: مارون سامي عزّام

يقرع شخصٌ ما أبواب بيوتنا، فصرنا نخاف أن نفتح له البّاب، لاعتقادنا أنه متسوّل، يطلب صَدَقَةً، أو نعتقد أنه أحد الباعة المتجوّلين، يبحث عن رزقه عندنا... أو نعتقد أن الشّخص الذي يدق الباب هو ساعي البريد، ليسلّمنا المكاتيب الرّسميّة، لكننا نكتشف أن الذي قرع الباب هو ساعي الأفراح، الذي يسعى جاهدًا لإيصال الدّعوات إلى كل بيت دون أن يغلط، بعد أن ائتمنه صاحب الفرح على أن يُسلّمنا دعوته باليد مبتسمًا، فنبادله ظاهريًا بالمِثل، ولكن باطنيًا كنّا نتمنّى لو لم يدعونا إلى الفرح.

بهجة الأفراح، لم تعُد مصدر انبساط كما في الماضي، لأنها كثرت في السّنين الأخيرة، لم يعُد بمقدور عامّة الشّعب، تحمّل أعباءها الاقتصادية، لأن الإجراءات الاحتفالية للأعراس باتت مستنسخةً ومملةً...باتت تتصدّر أحاديث المجتمع والنّساء أيضًا، يعني موسم الأعراس أصبح حرب استنزاف جماعية لا تنتهي، تستنزف جيوبنا... تتخطّى حدود المعقول، فرضناها على أنفسنا مُكرهين!!

فصل الصّيف، فصل الانشراح والترفيه، صرنا نتجنّب قدومه، لأنه يجلب معه سربًا مخيفًا من جراد الأعراس، يتزايد سنويًا أكثر فأكثر... يهاجم محاصيلنا الاقتصادية... يقضي على ثمار تعبنا طوال السّنة،لأن الأعراس أصبحت فزّاعةً مزروعةً في حقل حياتنا، باتت تُخيف طيور راحتنا... تُخيف طيور صفونا وهدوئنا،فيهربون من رؤوسنا.

نشكو سنويًا من الأفراح... ولكن لا شيء يتغيّر ولن يتغيّر أي شيء، صالات الأفراح ما زالت كما هي... الوجبات الفاخرة ما زالت كما هي!!... مضمون دعوات الأفراح معروف ومألوف للجميع!! الذي تغيّر هو تحوّل مفاهيمنا التقليدية الشرقية للأعراس، إلى مفاهيم غربيّة دخيلة، نلاحظها من خلال تفاقم إنفاق أهل أحد العروسَين المهول جدًا على لوازم ومستلزمات زينة الأفراح داخل الصالات والبيوت، وأعتبرها كماليات آنية وزائلة... لأن البعض لم يفهم إلى الآن أن صلاحية هذه الزّينة لها مدّة زمنيّة محدّدة، ينتهي رونقها مع انتهاء العُرس، ولكن الشيء الذي لا تنتهي صلاحيّته هو مطالبة أصحاب محلاّت الزينة، لبعض النّاس،أن يدفعوا عاجلاً أو آجلاً فاتورة البهرجة غير الملحة.

فزّاعات الأفراح موجودة في كل مكان، خاصّة في قاعات الأفراح، فعندما تبدأ السّهرة الطربية! لا تفزع عيوننا من رؤية أعضاء الفرقة الموسيقيّة التي تجلس خلف المغنّي! بل نفزع من انتشار الفزّاعات الإلكترونيّة من حولنا، أقصد مكبّرات الصّوت، المنصوبة على أرضيّة القاعات مثل منصّات الصواريخ، تقصف آذاننا بوحشيّة... فتتطاير ذبذباتها في أرجاء القاعة... تحمل معها فزّاعة أبشَع، وهي أصوات بعض المطربين، الذين يغنّون بنشاز مقزّز،لا نفهم كلمات أغانيهم، فقط نسمع زعيق أصواتهم، يستغيثون بنا أن نتحمّلهم!!...

... لذلك نضطر مجبرين إمّا أن نجلس في مكان أبعد، أو نترك الفرَح بعد برهة من الزمن، بعد تلبيتنا لنداء الواجب الاجتماعي، وتحديدًا بعد تقديم الوجبة الملوكيّة الأخيرة!! وقرأت مؤخّرًا أن وزارة حماية البيئة ستفرض قريبًا على أصحاب القاعات والمراقص الليلية، أن يُركّبوا جهازًا يقيس نسبة الضّجيج، فعندما يتجاوز مستوى الضّجيج الحد المسموح به، يتم فصل التيّار الكهربائي تلقائيًاعن نظام مكبّرات الصّوت.

هناك ظاهرة أخرى تزعج العديد من النّاس، وهي تلقّيهم دعوات لعُرس ما، دون أن يكون لهم أي صلة قرابة، أوصداقة تربطهم مع صاحب الفرح، يعني فقط علاقة عمل سطحيّة، أو مجرّد علاقة تصب في خانة المجاملات، تفرضها ضرورات الذّوق العام. تحضير قائمة المدعوّين إلى العرس، تتم في بعض الحالات عشوائيًا، وبشكل غير مدروس، حرصًا من صاحب الفرح أن يُذكّر هؤلاء المدعوّين العشوائيين، بأنّه لم ينسَهم، وأنهم دائمًا في البال، لئلاّ يلقوا بظلال العتَب عليه لاحقًا.

يتعامل بعض أصحاب العُرس مع قائمة المدعوّين، كأنّها سِجِل النّاخبين، إذ يسجّلون أسماء المصوّتين... عفوًا المدعوّين حسب المناطق السّكنية،ليتحوّل الفرح إلى مجسّم مصغّر لانتخابات البلديّة، ليتمتّع مقر أهل العريس، بلحظات العجقة الاجتماعية، يعتقدون أنه كلّما ازداد عدد المدعوين، يكسبون احترام النّاس، ويكتسبون رضاهم!!... هذا منطق أهوج وغير سليم، لأن البعض يتجاهل التبعات الأدبية اللاحقة لدعوته العشوائيّة،فعندما يزوّج ذلك المدعو العشوائي ابنه أو ابنته، يتذكّر أن "أبو فلان" دعاه يومًا ما إلى عرس ابنه أو ابنته، فمن هذا المنطلق،يجب تحديدعدد المدعوّين، وأن تُقتَصَر القائمة فقط على الأقارب والمقرّبين وبعض الأصدقاء.

فزّاعة الأعراس الصيفيّة، هي صُنع أيدينا، ولم تهبط علينا من فضاء العدَم، فكلّما اختصرنا الطقوس الاحتفالية غير الضّروريّة، كلما ازداد رونق الفرح، فتخِفّ صاعقته الماديّة على النّاس، وتتألّق ملامحهم، ولن يكون لفزّاعة الأعراس أي تأثير، ليدخلوا منطقة الأعراس منزوعة المزاج،بلهفة ووِد، وبدون أي تكلُّف أو مجاملة. معظم الذين يشاركون النّاس أفراحهم، يضعون على وجوههم مكياج التّصنّع، فقط لإتمام معاملة الفرح، وليس لإتمام الواجب، وكأن العُرس بات مؤسّسة حكوميّة رسمية مقيتة! المطلوب من أصحاب العرس الشعور بالمسئوليّة تجاه أنفسهم قبل الآخرين، أي عندما يجلسون حول مائدة مناقشة أمور العُرس، يجب الأخذ بعين الاعتبار الترتيبات العقلانية وليس التدابير التشريفيّة الخياليّة!!