[x] اغلاق
طُغــاة الشــوارع
22/7/2013 12:02

طُغــاة الشــوارع

بقلم: مارون سامي عزّام

"اللي عم ينقتلواعالطرقات أكثر من اللي عم يستشهدوا بالحرب" جملة في محلها، ما زالت عالقة بذهني، تذكرتها الآن، قالها الفنان دريد لحام في مسرحيته الشّهيرة، "كاسك يا وطن"، هذه الجملة، ما زالت سارية المفعول على ما يجري اليوم في شوارع المدن من حوادث سير، وحوادث طرق بشعة. حقًا لقد غدت ظاهرة حوادث الطرُق كابوسًا مقلقًا، يراودنا ليس في منامنا، بل يطاردنا خلال سفرنا اليومي. لقد انتقلصراع البقاء من عالم الحيوان، إلى عالم الإنسان،بعض السّائقين المنحرفين اجتماعيًا يصارعون أهواءهم،سياراتهم باتت رهينة أمزجتهم، زمامير السيّارات القادمة، تُنذرهم بقُرب حدوث الأسوأ، ولكن سائقيها عديمي الإحساس.

حوادث الطرق تحدث في بعض الأحيان، نتيجة تصادم سلسلة من الضغوطات اليومية بعضها ببعض في رأس السّائق، توتّر أعصابه، ويتحوّل في لحظات إلى أحد طغاة الشّوارع عن غير عمد، فيتصرّف على الشّارع بوحشية، دون أن ينتبه لما يدور حوله... دون الإذعان إلى شارات المرور... يدهَم مجال الرؤية المحدود عن غير وعي، إلى أن تباغته السيّارات القادمة قبالته، فينزل هذا الطّاغية عن عرش سيارته، إمّا جريحًا أو قتيلاً، هكذا تحولت السيّارة من وسيلة نقل مريحة، إلى آلة حيوانيّة، تسير على الشوارع.

باتت أخبار حوادث الطرُق تلاحقناعبر الإذاعات والصحف الأسبوعية والمواقع الإلكترونية المحليّة،التي تنشر وتذيع يوميًا عن مصابين بجروح متوسّطة أو بالغة، تنشر الصحافة يوميًا، بل كل لحظة، خبرًا عن قتلى مسحتهم الشوارع خلال ثوانٍ، بدون عناء، لم تستوعبهم المستشفيات، رغم أنّي أعتبر السّائقين المتهوّرين جَرحى نفسيًا وعقليًا، ينزفون آراءً مُسبقة فاسدة عن أصول قيادة السيّارات.

"شوارع الموت الرهيبة آخذة بالطول والأعمار آخذة بالقصر"، هذه معادلة العصر...فسيفساء الحياة،رصفت على جدران العُمر، صورًا رهيبة تحكي عن ضحايا الحوادث، سواء من الأطفال أو الشباب أوكبار السن، الذين ما زالوا يعانون إلى هذا اليوم أو ربّما مدى الحياة من إعاقة مستديمة، نتيجة الحوادث،وهُم يصرخون:"كفى أيها الطغاة، أوقفوا بطشكم الأخلاقي على الشوارع".

موضة شُرب قسم من الجيل المراهق المشروبات الروحية في الحفلات والأعراس،تُفقدهم الإحساس بالواقع، وتجعل من عقلهم مسرحًا مترنحًا، فيركبون السيّارات،وغشاوة الخمرة تحجب عنهم معالم الطريق، ويبدأ الخطر يتربّص لهم، وهُم يرفعون شعار "תןגז"،شيفرة تدهور السيّارات، وتهوّر أرواح هؤلاء الشّبان نحو جحيم الموت، مقابل متعة التحرّر النفسي من "الترسّبات الإرشاديّة" لمُعلّم السياقة!! فقط هكذا يُطيحون بها، مقابل التضحية المجّانية بآلة حديديّة اسمها السيارة!!

رحّبوا كلّكم بملوك الشوارع الجُدُد، افتحوا لهم أرقى الشّوارع السريعة!!... لبّوا أيها الأهالي متطلباتهم العصريّة، ثم إيّاكم أن تعصوا أوامرهم... اهدوهم أثمن ما عندكم من سيّارات، قبل أن ينكّلوا بتوصياتكم التربويّة، ولكن... هؤلاء الملوك العُراة أخلاقيًا، يتجاهلون أن هذه السيّارات، كلّفت أهاليهم مبلغًا طائلاً، ناهيك عن تعليمهم أيضًا للسياقة، التي كلّفتهم مبلغًا كبيرًا، حتّى يتباهوا بها عبر موقع الفيس بوك، بلافتة "נהג חדש"، ينسى بعض المراهقين أن أهاليهم علّموهم السياقة، رغمًا عن ظروفهم الماديّة.

إن لهفة بعض الشبّان الصّغار المراهقين، المتشوقين لرؤية الرخصة بين يديهم،جعلتهم ينالون ليس فقط مفاتيح سيارة والدهم، بل نالوا مفتاح "الأنا الأجوف"،الذي حرّرأقدامهم من متعة رياضة السير ولو لبضع أمتار!!يجب ألاّ ننسى حرقة بعض الطلاب على دراسة السياقة نظريًا في سن مُبكّر جدًا، أحد ابتكارات وزارة المواصلات، التي تسمح لطلاّب المدارس بدراسة قوانين السير نظريًا، كم أحَب على قلبي لو أن بعض هؤلاء الشغوفين بقيادة السيّارات، أن يهتموا بقيادة فكرهم نحو دروب الثقافة، وأن يتوقّفوا لحظةً عند شارة القراءة... أن يوجّهوا دفّة تركيزهم باتجاه دراستهم، لا أن يوجّهوها فقط نحو التركيز المطلَق في مداعبة الهواتف الذّكيّة، ليلاً نهارًا.

وزارة المواصلات ما زالت تسن تشريعات قانونيّة غير مقبولة بنظري، تحت رعاية الكنيست، للأسف الإحصاءات الأخيرة تُشير أن ثلث حوادث الطُرُق سببها الجيل المراهق، وهذه "الشرعيّة الرّسمية"تعني أن وزارة المواصلات هي الطّاغية الأكبر، وليس فقط البنى التحتية السيئة للشوارع في إسرائيل عامّة وفي الوسط العربي خاصّةً، المتّهم دائمًا أن أغلب حوادث الطرق تحدث عند العرب!!

التوتر العصبي، وهموم الإنسان ومشاغله، جعلته ليس فقط يسابق الزمن، بل يسابق أيضا طرُق الحياة التي أمسكته بقبضتها قائلة: "اصحَ، فِق واخرج من بحر يأسك هذا، وواجه الأمور بعقلانيّة واتزان فكري"، لأنه بعد حين سيجد نفسه داخل سيارته، منطلقًا كالحصان الجامح، ليتحرر من ضغوطاته، المحتاجة لصمام أمان يردعها.

إن بعض سائقي السيارات العموميّة، وسيارات الأجرة،حلفاء الشاحنات بالقيادة الجنونيّة، يقتلون أصحاب السيارات الصغيرة،فإنهم يشكلون أيضًا محورًا رئيسيًّا في تسببهم لحوادث الطرق، رغم خبرتهم الطويلة بالقيادة...لأن بداخلهم ينغل حب المبارزة والمباهاة بسياراتهم الضخمة، التي تزاحم السيّارات الخصوصيّة على الطرقات، فتدحرهم إلى الهاوية...يجب ألا ننسى البيلفون أحد المسببات للحوادث، وذلك عندما يرفعه السائقون لمحاذاة آذانهم ويقودون السيارة بيد واحدة،أحد توصيات وزارة المواصلات، لجميع وكالات السيارات، أن تستورد السيارات وبها تقنية البلوتوث، التي توصل الهواتف الخليوية تلقائيًا، إلى الآن لم يتم المصادقة النهائية عليها.

طرق المكافحة التي تتبعها الشرطة،بإنزال أقصى العقوبات الغرامات المالية ضد هؤلاء السائقين لم تردعهم، وسائل الحذر والتحذير، المجهّزة بقسم من السيّارات الجديدة، لم تعُد مجدية بشكل كاف. وزارة المواصلات توقّفت عن بث التوعية في وسائل الإعلام!!لم يعُد لنشاطات المؤسسات والهيئات أي تأثير على السائقين،لأنه يوميًا نرى فاجعة جديدة،فنسمع صفير سيارات الإسعاف، تجمع أشلاء الجثث، وذلك السائق الطّاغية "داعس بسيارتو" نحو منحدر الموت السريع،كي يسير أهله في طريق الآلام الفظيعة.