[x] اغلاق
خطوة سينمائيّة محليّة نحو العالميّة
30/5/2014 8:26

حول فيلم "الـمُخلِّص":

خطوة سينمائيّة محليّة نحو العالميّة

بقلم: مارون سامي عَزّام

وجود سينما فلسطينيّة، تحكي عن واقعٍ فلسطيني نجهله، وبالأحرى الجيش الإسرائيلي لا يُريد أن يعترف بالأعمال القمعيّة التي يقوم بها، هي سينما هامّة، كادت تصل إلى العالمية لصِدقها،بينما العرب الفلسطينيين داخل إسرائيل،يفتقرون إلى سينما لها أهميّتها وتأثيرها علىالمُشاهِد، بسبب عدم وجود تمويل خارجي، أو دعم من صندوق السينما الإسرائيلية،فجرأة المخرج يوسف قمر الذي تبنّى اسم روبرت سافو، نَجل المخرجالتلفزيوني فيكتور قمر، جعلته ينفذ مشروعًا سينمائيًّادينيًّا محلّيًّا ضخمًا، عن حياة السيد المسيح بعنوان"المخلّص"،برؤيةعربيّة الأصل، تعتبر خطوة في غاية الأهميّة، لِما في الفيلم من مؤثّرات سينمائيّة تقنية، تؤهله بالوصول إلى العالميّة.

شارك في فيلم "المخلّص"، ممثّلين فلسطينيين من داخل إسرائيل والأردن، وأيضا ممثلين من العراق ومصر وسوريا ودول اجنبية أخرى، فقد أدّوا أدوارهم بحرفيّة عالية، وكان اختيار بعض الشخصيات الأساسيّةموفّقًا، وقد لفتني دور النّجم الأردني زهير النّوباني الذي اشتهر بأدوار الشّر، إذ لعب دور أحد رؤساء الكهنةوأدّاه كما يليقوذلك لأن ملامح وجهه الخبيثة، ساعدته على إتقان الدّور، والنّجم محمّد بكري، الذي قام بدورينالشيطان والملك هيرودس، وفي دور الملك أظهر براعته، بانسجامه الكلّي في الشخصية،كما تجلّت أمامنا قدراته التمثيليّة، التي نعرفها.

الممثّل شريدي جبّارين، الذي لعب دور المسيح، كان أداؤه جيدًاوصادقًا، منح المشاهِد قدرة على التفاعل معه إنسانيًا، كذلكملامحه الشرقية المتسامحة، توحي بأنّه وُلِدَ في مدينة بيت لحم الفلسطينيّة وليس اليهوديّة،كلامه الهادئ كان طاغيًا على نبرته طوال الفيلم، حتّى عندما طَرَدَ الباعة من الهيكل، لم يكُن صراخه حقيقيًّا، كما لم تُعجبني ربطه لشَعره، فشَعر السيد المسيح كانمُسدلاً على كتفيه، لأنه هكذا انطبعت صورته في أذهاننا، وتغيير تسريحة شَعره، أفقدَت قليلاً من هيئته.

الرّوح الفلسطينيّة التي أظهرها المخرج في شخصية السيد المسيح، طغت كليًّاعلى الرّوح الأوروبيّة المعهودة.دور الحاكم بيلاطُس، أداه النّجم الأردني غسّان المشيني بدقّة، إذ لاحظت اللؤم في نظراته ووجهه، وهو شقيق الممثّل نبيل المشّيني، الذي عرفناه من خلال سلسلة "حارة أبو عوّاد" الشّهيرة، التي ما زالت تُعرَض على بعض الفضائيّات المتخصّصة.

ميزانيّة الفيلم تجاوزت 3 ملايين دولار، بينما التحضير للفيلم استغرق سنوات عديدة والمدّة الحقيقيّة لسيناريو الفيلم الأصلي وصلت نحو(3) ساعات، إلاّ أن المخرج روبرت سافو اختصرها لساعَتينوتغاضى عن بعض المشاهد الأساسية المهمة للفيلم،مثلاً، عندما قدّم المجوس الهدايا للطّفل، وظهور الملاك لهم ثانيةً،الذي منعهم من إخبار الملك هيرودسعن مكان المولود، أيضًا هروب يوسف ومريم والطفلإلى مصر، لئلاّ يقتلههيرودس.سيناريو الفيلم مبني على نَصٍ كتبه الأمريكي فيليب دور، الذي عاش فترةً طويلة في غزّة والضفّة الغربيّة، والده اشتغل جرّاحًا في أحد المستشفيات، استند المؤلّف في كتابة أحداث الفيلم، إلى إنجيل لوقَا.

المخرج لم يصوّر عجائب السيّد المسيح المعقّدة تقنيًّا،تفاديًاللتكاليف الباهظة،وعوّض المُشاهِد بعجائب صغيرة، لا تحتاج إلى تقنيّة تصويرية، بل إلى تقنيّة تمثيليّة بسيطة، من قِبَل المجاميع، وهُم يُعرفون حسب اللغة السينمائية بالكومبارس وكانوا بلغاريين...لأن غالبيّة أماكن التصوير تمّت في استوديوهاتبلغاريَاالضّخمة، وقسم تمّ في الأردن، واستمرّ التصوير (27) يومًا.

فيلم "المخلّص"، لم يعتمد على العجائب التي صنعها السيد المسيح بالأساس، بل تعمّق جيدًا في التفاصيل الصغيرة لحياته على الأرض، فوجدتها تأخذجانبًا إرشاديًا هامًّا، كي يُبرِز المخرج للعالم العربي المعاني السّامية الموجودة في تعاليم السيد المسيح،لذااختار مسارًا روائيًّا دراميًّا تصاعديًا، منخلال سَرد الرّاوي للقصّة، الذي أداه الممثّل يوسف أبو وردة، فكان حلقة الوصل المثيرة بين مَشهد وآخر.

المشاهد الأخيرة للفيلم، خصوصًا تسليم يسوع إلى رؤساء الكهنة، فرأينا كيف خطّطوا المؤامَرة بالاستعانة بالتلميذ الخائن يهوذا الإسخريوطي، كي يُسَلّمه لهم، هذا المشهد كان رائعًا ومُفصّلاً، بهدف الوصول إلى ذروة الإثارة الدراميّة وليس إلى ذروة التقنية التصويرية،ممّازاد أكثر من عنصر التشويق واعتبرته المحطّة التي مهّدت لبداية مراحل آلام يسوع.

عندما حمَل المسيح الصّليب، حذَف المؤلف الجملة الشّهيرة التي قالها للنساء اللواتي بَكَينَ عليه وهذا الأمر منحني شعورًا بأن الممثّل شريدي لمتكُن قواه منهكةتمامًا من التعذيب ومن ثِقَل وزن الصليب، فلو قال جملة المسيح الشّهيرة، لَسمِعتتأوّهاتهمن الآلام وأيضًا من ثِقَل الصليب...عندما حمَل سمعان القيروانيالصّليب أحسست أنّوزنه خفيف بعض الشّيء، هكذا لاحظت خلال مُشاهدتي للفيلم.تقنيّات التّعذيب المستخدمة في تصوير مَشاهِد الصّلب، كانت على مستوى عالٍ يوجد بها مصداقيّة فنيّة.

مشهد رَفع الجنود السيد المسيح على الصّليب، كان مؤثّرًا وجميلاً، إنّما تعليق اليافطة فوق رأسه، كانت غريبة ومستهجنة جدًّا، فكُتِبَ عليها: "يسوع المسيح ملك اليهود" بخطٍّ طباعي عصري وباللغة العربيّة،هل كان الهدف تأكيد عُروبة العمَل؟!!لأنه حسب إنجيل لوقَا كُتِبَ على اليافطة "هذا هُو ملِك اليهود"، بثلاث لغّات العربية والآراميّة والعبرية.

 

رغم بعض تحفّظاتيعلى الفيلم، لكن مُشاركة فنّانين مسيحيّين ومسلمينودروز في هذا العمل،عزّز روح التعاون والأُلفة بينهم، كما طَغَى على التحيُّز الدّيني. فيلم المخلّص بمضمونه العام، لا يدعو إلى خلاص طائفة بذاتها، بل يدعو إلى خلاص العالم والأمّة العربية تحديدًا،من عذابات طُغيان دعاة الديموقراطيّة الإرهابيين المفتَعَلين.