[x] اغلاق
لستُ خَيَارَكِ الأخير
19/6/2014 17:55

لستُ خَيَارَكِ الأخير

بقلم: مَارون سَامي عَزّام

طيلة مسيرتي الإبداعية، لم أشتبه بأي فتاةٍ كانت تُلقي عليَّ التّحيّة، لعلمي أنّها معجبة بكتاباتي... أمّا أنتِ آنستي فقد مررتِ من جانبي عدّة مرّات، دون أن تُلقي عليَّ التّحيّة، لكنّي كنتُ أرى الابتسامة تعشقُ وجهكِ، ونظراتكِ كانت تلتفتُ نحوي بهدوءٍ عفوي، ولم أفهم من المقصود، أنا؟ أم أن نظراتكِ تقصد آخر؟ بدأت ألاحظ مدى فضولكِ، رغم أنّي بقيت غير مُبالٍ لكِ... حاولتِ استفزاز قلبي، ووجدتِهِ حياديًا معكِ.

صارت ابتسامتكِ تعاكسني في أيّ مكانٍ عام رأيتِني فيه، وبقيتِ على هذا الحال مُدّة طويلة. بدأت أشكّ أنّك تبغين من وراء كواليس هذه الابتسامة "الاستعراضيّة" غرضًا ما!! لذا قرّرت أن أقطعَ مشوار صمتي الطويل، لأفهم ماذا تعنين عندما ترسلين لي إشاراتكِ هذه؟!! أهي إشارات مرور لدخول قلبكِ، أم مؤشّرات وهميّة، ارتفعت فجأة عن غير قصد في بورصة تطلعاتكِ؟!

قرّرت التّوجّه إلى مبعوثٍ خاص للشّؤون الخصوصيّة، وأوكَلتُ إليه مهمّة حلّ لُغز إشاراتك الغريبة التي ترسلينها، وأنت تسيرين وحدك يوميًّا على كورنيش مرحكِ... قدّمتُ له مُذكّرةً خاصة وملخّصة جدًا، كي يسلّمها لسُموّكِ، فنفّذ المهمّة كما أمَرتَهُ... طال انتظاري لردّكِ، بحجّة، أّنّك ما زلتِ تدرسين الأبعاد المستقبليّة لمذكّرتي... أرجأتِ الرّد عدّة مرّات، لأعذارٍ واهية لم أصدّقها بتاتًا.

خلال استنزافكِ لصبري لم تتوقّفي عن هذه المناورات بل تابعتِها كالبلهاء، لماذا استنزفتِهِ حتّى آخر قطرةٍ منه؟! لا أدري، رغم أنّي لم أشارككِ في مناورات ابتساماتكِ ونظراتكِ التي أجريتها يوميًّا في محيط حياتي. أدخلتِ سفينة توقعاتي في بحر تسكّعكِ الصّاخب، وكان دائمًا في حالة مد وجَزر، تارةً توصلينها إلى حافّة تردّدك، وتارةً أخرى تجرّينها إلى عُمق هذيانكِ، ولم أعرف بالضّبط إلى أي جهةٍ أُديرها.

ذات يوم أخبرَني مبعوثي الخاص، أن مندوب قصر كبريائها رفض مذكّرتي، ولم أكن أبدًا خيارَها الأخير، وخبّأتُ تساؤلاتي في خندق تعجّبي الكبير. لو أدركتُ منذ البداية أن قصّتي معها ستنتَهي بهذا الشّكل، لتنحيّتُ عن دربها دون أن أزعج معاليها... بما أنّها تملك حق الامتياز الحصري باختيار الشّخص الأقوى منّي على اختراق الغلاف الفكري المتصلّب لعقليتها الماكرة.

اسمعيني جيدًا آنستي: "أقول لكِ بمنتهى البساطة، أنا لم آتِ من وحي أسطورة "أليس في بلاد العجائب"، حتّى تنفعلي من شكلي الخارجي، إلى أعلى درجات الإعجاب المشبع بالابتسامات!! تحسبينني رفيق طفولتك، ومدخلكِ الوحيد إلى أيّام مراهقتك، لتداعبي دمية صمّاء، مثل فتاةٍ طائشةٍ!! آنستي... أنا أرفض مثل هذه الإيحاءات، ويجب أن تفهمي أنّني أتمتّع بطبيعةٍ بشريّةٍ، من لحمٍ ودَم.

من الذي دفعكِ نحوي؟ طالما أنّني لست خياركِ الأخير، لماذا أوقفتِني إذًا طيلة هذه المدّة في مخفر زمنك؟! إلى أن أجهضتِ ولادة جنين تفاؤلي، قبل أن يفتح عينيه على فرحه بكِ، ألهذه الدّرجة أثَرتُ حب استطلاعكِ؟! ألَيس من الأجدر بكِ أن تُطلقي سراحي من مخفر زمنكِ المخيف، وبأسرع وقتٍ ممكن؟! لذلك راجعي تصرّفاتكِ، ألَم تلاحظي كيف بدأت ابتسامتكِ تفرض وجودها عليّ أكثر، حتّى لسَعَتني كالدّبّور.

عندما اتخذتِ قرار تجاهل خياري، أرسلتكِ عبر بريد النّسيان المستعجل إلى حيِّ شعبي معروف، اسمه "الماضي"، لأحافظ على الأمن الاجتماعي الذي كان سائدًا بيننا، ما قبل بدء مناورات ابتساماتك ونظراتك، لأحافظ أيضًا على أبعد مسافةٍ ممكنة تفصل ما بين كوكب جدّيّتي الثّابت، وكوكب عقليتك السيّار... ألا تكفيني دورة شمس آمالي حول الطّويلة، حول قمر سهركِ الشّاحب، أنا أعمل منذ الآن على إبعاد الكوكبين، عن مسار التقائهما ببعض، تحسّبًا لأيّ تصادم بينهما، قد يُحدِث دمارًا شاملاً في بنيتكِ الاستعلائيّة، فتضطّربين اجتماعيًّا.

ألا تريدين الاعتراف، بأنّ مِعراج نظراتك وابتساماتكِ، رملي، صخري وخطير للغاية، أنت حرّة، فهذا شأنك الخاص، ولكنّي لست مخوّلاً أن أُحلّل جيولوجيّة تضاريسه، فهذا ليس اختصاصي، هناك من هُم أكفأ منّي في ذلك، لذلك دعيني أقول لكِ:" سلامي لكِ أيّتها الآنسة الجالسة لوحدها حول مائدة ابتزاز طيبتي وعفويّتي، تحدق النّظر في فنجان خيبتها.