[x] اغلاق
حيفا مركز الثقافة العربية.. فهل من مجيب
25/6/2014 11:37

حيفا مركز الثقافة العربية.. فهل من مجيب

زياد شليوط

"ماذا مع حيفا وهي المدينة المشتركة وقد شهدت أعمالا ثقافية كبيرة ومنوعة، تؤهلها لأن تكون عاصمة للثقافة العربية مع أنها ليست مدينة عربية؟" هذا التساؤل طرحته في إحدى مقالاتي قبل عدة أشهر، عندما ناقشت مقولة على لسان مسؤول سابق في مدينتي شفاعمرو، حيث تفاخر حينها ولأسباب بعيدة عن الثقافة بأن شفاعمرو "عاصمة للثقافة العربية". واليوم عاد هذا التساؤل يلح على ذهني وأنا أتابع عن قرب جملة من النشاطات الثقافية المتتالية في مدينة حيفا العربية (إن جاز التعبير)، وأتساءل أين شفاعمرو، بل أين الناصرة من حيفا ثقافيا وفنيا؟

واذا أردت تعداد الفعاليات الثقافية والغنية التي أحيتها وتحييها المدارس والهيئات الدينية والمجتمعية والجمعيات والمسارح في الأسبوعين الأخيرين لن تتسع هذه المراجعة لها جميعا. لكني أتوقف عند بعضها وأهمها. في 11 حزيران، قدم طلاب مدرسة عبد الرحمن الحاج أمسية فنية رائعة بعنوان "لوديع الصافي تحية" على خشبة المسرح البلدي، أظهرت مواهب وطاقات فنية طلابية نادرة وجميلة، ويستحق هذا العرض أن يقدم ثانية وثالثة للجمهور الواسع. وفي اليوم التالي كانت المدينة على موعد مع أمسية مع الأديب والمربي فتحي فوراني بمناسبة توقيع اشهار كتابه الجديد " بين مدينتين" وهو عبارة عن سيرة ذاتية، في قاعة كنيسة القديس يوحنا المعمدان للروم الأرثوذكس، مقر نادي حيفا الثقافي، بحضور كوكبة من الكتاب والشعراء والمثقفين العرب من حيفا والمنطقة. وشهدت نفس القاعة بعد أسبوع أمسية اشهار كتاب سيرة آخر للناشط السياسي والاجتماعي فهد عبود. وقبلها بيومين أقيمت أمسية فنية منوعة "فنجان، ايقاع وابداع" والتي تنظمها مؤسسة الأفق للثقافة والفنون. ويوم الإثنين الماضي تم في قاعة مسرح الميدان حفل اطلاق خريطة حيفا العربية ومعرض صور فوتوغرافية من اعداد الباحث الدكتور جوني منصور وبرعاية جمعية التطوير الاجتماعي. وأمس الخميس أقيم معرض صور آخر "حيفا العروس" أعدته الناشطة روضة غنايم الى جانب القاء الشعر وعزف الموسيقى. هذا ناهيك عن محاضرات في النوادي والمؤسسات الثقافية وأعمال فنية أخرى.

نشاطات جمة متتالية خلال أيام معدودات، لا نجدها في أي مدينة أو قرية عربية في البلاد بهذا الزخم والمستوى والتألق والحضور، وقد كان من حظي أن أحضر وأشارك في تلك النشاطات والأمسيات، فهل هناك من ينافس حيفا على لقب "عاصمة الثقافة العربية"؟ 

عود على شفاعمرو والثقافة

في المدينة المجاورة والطامحة للحصول على لقب " عاصمة الثقافة العربية" شفاعمرو، تتعطل لغة الكلام والفن والثقافة عندما تسيطر على أجوائها لغة الكرة والمونديال! نعم في شهر المونديال لا راية ترتفع على رايات أعلام الدول المشاركة في المونديال.. لا صوت يعلو على أصوات المشجعين والمحتفلين بفوز "منتخبهم" القومي.. ولا صورة تسيطر على المشهد الشفاعمري، إلا صورة ألعاب الكرة في المونديال.. حتى الأعراس تتوقف في بلدي خلال فترة المونديال.. ومن يرغب باحياء أي مناسبة اجتماعية يرصد مواعيد ألعاب المونديال قبل فترة طويلة، كي يتحاشى موعد المناسبة مع موعد مباراة من مباريات المونديال.. وإلا سيشهد كما شهد من سبقه بسنوات، مغادرة المدعوين لقاعة الفرح قبيل بدء مباراة للبرازيل! هكذا في شفاعمرو، بينما في حيفا لم يتم تأجيل موعد أي أمسية ثقافية أو فنية، وحضر المدعوون والمشاركون من مثقفين وكتاب وفنانين ومتابعين للحياة الثقافية، فهل يمكن لغير حيفا أن يحصل على لقب "عاصمة الثقافة العربية"؟

قاعة متواضعة بامكانياتها .. غنية بنشاطاتها

إنها قاعة كنيسة القديس يوحنا المعمدان للروم الأرثوذكس، في شارع الفرس في البلدة التحتا بالقرب من حي وادي النسناس العريق، والتي تستضيف عددا كبيرا من الأمسيات الثقافية وكان لها "حصة الأسد" في الفترة الخيرة من تلك النشاطات. يتخذها عدد من المثقفين الحيفاويين مقرا لهم ينشطون تحت إطار خاص بهم أسموه "نادي حيفا الثقافي" إلى جانب لجنة النشاطات الثقافية والاجتماعية التابعة للمجلس الملي الأرثوذكسي الوطني الذي يرعى كل تلك الأعمال الثقافية بمحبة ودعم معنوي كبيرين.

تدخل الى القاعة الرحبة الحديثة فتشعر بالراحة، لكن سرعان ما يبدأ الهمس واللمز، كيف لقاعة حديثة كهذه أن تكون مقاعدها من مخلفات المقاعد المدرسية الخشبية التي أكل عليها الدهر وشرب أو من المقاعد البلاستيكية المتعبة إذا ما جلست عليها ساعة وأكثر! وفي الصيف كنت تعاني من الحرارة المرتفعة في ظل عدم وجود المكيفات، حتى الأسبوع الأخير حيث بشرنا رئيس المجلس الملي عن تركيب أجهزة مكيفات جعلت الحاضرين -خاصة من النساء- يشعرون بالبرودة الشديدة متسائلا احترنا معكم! ورغم امكانيات القاعة المتواضعة إلا أنها تشهد اقبالا ملحوظا من قبل جمهور المثقفين على النشاطات الثقافية والمشاركة فيها، وهو أمر يدعو للفخر بعد الحيرة، وهنا يحضرني تساؤل بعد ملاحظة رئيس المجلس الملي: هل إذا أحضروا المقاعد الجلدية أو القماشية المريحة للقاعة سيتناقص عدد المشاركين في الأمسيات يا ترى؟ 

مثقفون يساهمون في تردي الثقافة

وكي يكتمل المشهد الشفاعمري، يطل أحد المثقفين المعروفين ويستل قلمه ليدبج مقالة طويلة ليدافع بها عن شخص ما تحت حجة الرد على مقال لي يتعلق بالمشهد الثقافي في مدينتي، وليس فيها من مناقشة ثقافية قدر ما فيها من دفاع شخصي لأسباب شخصية والتزامات سياسية محلية، والمكتوب يقرأ من عنوانه حيث يعنون ذاك المثقف مقالته " ليس دفاعا عن .....، بل دفاعا عن حقنا بمركز ثقافي."وظننت لأول وهلة أني لا أفقه شيئا بالثقافة أو كأنني أدعو الى هدم المركز الثقافي! وما دام بعض المثقفين المعتبرين - في بلدي - يدافعون عن نقائص "مناقصات" نعرف كيف تخاط من وراء الكواليس، وما دام بعض الكتاب- في بلدي- يجيدون المبالغة وتشويه المعلومات وقلب الحقائق لغايات وأغراض ضيقة. فليس من المستغرب أو المستهجن أن تبقى بلدي قرية صغيرة تبعد مسافات طويلة عن لقب "عاصمة الثقافة العربية" الذي تستحقه حيفا العربية بجدارة.

غضب "المتفسبكين"

 

وصلتني ردود عديدة شفهيا وكتابيا حول مقالتي الأخيرة "أين نحن من غنائم الفيسبوك". ومعظم تلك الملاحظات تؤيد ما جاء في المقال وتحييني على ذلك وإن أخذ عليّ البعض أنني كنت "قاسيا" بعض الشيء. وهناك من غضب من المقال ولم يعجبه طريقة تناولي للموضوع. ومع أني أتفهم المنتقدين والغاضبين، إلا أنني لم أقصد الدخول الى الحياة الشخصية لأي شخص، فان ما عرضته هو توصيف لحالات ظاهرة وليست مخفية، ومن يبحر في صفحات الفيسبوك يشاهد عشرات الأمثلة على ما ذكرته، وليس مثالا واحدا محددا، لذا لم يكن المقصود شخصا بعينه، انما الهدف هو التنبيه الى استهلاكنا لسلبيات ما يأتينا من الغرب وابتعادنا عن الايجابيات. ألا هل بلغت؟