[x] اغلاق
زمن الغزوات التكنولوجيّة
4/9/2014 15:04

زمن الغزوات التكنولوجيّة

بقلم: مارون سامي عزّام

قبل سبع سنوات قامت جميع شركات الهواتف الخليويّة، بش غزوٍ تقني شرس على العالم بأسره، حتّى تحوّل تلقائيًّا، إلى حربٍ تسويقيّة عالميّة بينها، راح ضحيّتها حب الاستطلاع البشري، الذي أغرته هذه الغنائم التقنيّة التي خلّفتها وراءها، فوَقَعنا في أسْرها الجَبري ومنذ ذلك الحين لم تُعلِن هذه الشّركات عن هُدنة تقنيّة، لأنها ما زالت مستمرّة بحربها بشكلٍ مكثّفٍ وفرضت علينا تجنيدًا تكنولوجيًّا، فصِرنا جنودها، نطيع أوامرها... صرنا حُماة منتجاتها الذّكية، لذا أجمعت كافّة الفئات العمريّة، على قبول شروط هذه الحرب.

قسم لا بأس به من البالغين في السّن، انضمّ إلى نادي "التّعدُّديّة التكنولوجية"، أي باتوا يحملون الهواتف الذّكية... أصبح لديهم صفحةً رسمية على موقع فيسبوك، بعضهم ينشر صورًا من مناسبات خاصّة... بعضهم يتقن فن الدردشة عبر موقع فيسبوك. إن محاولة كبار السّن إدخال فِكرهم التقليدي من بوّابة التطوّر التكنولوجي الواسعة، هي للبحث عن رفيق تكنولوجي دائم يسلّيهم بشكل متواصل، كي يقصّروا مسافة الملل التي تفصل بين أوقات فراغهم والتزاماتهم اليوميّة الرّوتينيّة. إن المعلومات الأخيرة من فيسبوك العالميّة، تُشير إلى حصول تراجُع في نسبة الشبّان المنتسبين إليه وذلك بسبب انضمام أهاليهم إليه، خوفًا من أن يكتشفوا ماذا يكتب أبناؤهم على صفحاتهم.      

إن الشخص الذي لا يحمل هاتفًا ذكيَا، بنظر البعض يعتبر شاذًّا اجتماعيًّا وليس شاذًّا تكنولوجيًّا! لأن هذه الهواتف احتلّت كل شِبرٍ من أوقات فراغنا. من ترسّبات الهواتف الذكية، أنّها من جهة عطّلت أي تناغم أخوي أو أي انسجام عائلي بين أفراد العائلة الواحدة، إذ تجِد كل حاضنة... عفوًا كل فردٍ منهمك بملاعبة رضيعه الآلي الشّخصي، الذي منحهُ عالمه الخاص.

من جهة أخرى نجد اليوم بعض المحلاّت التجاريّة، قد أعلنت عن جهوزيّتها التجاريّة العالية، لتلبية احتياجات زبائنها من اللوازم أو الكماليّات الخليوية الذّكيّة المعروفة للجميع، كما انتشرت في مجتمعنا محلاّت تصليح جميع أجهزة اللمس التي لمست عقولنا بأسعارها المعقولة، فنطلب من أصحاب المحلاّت أن تُصلّحها بأقصى سرعة، من أجل ألاّ ينفصل تفكيرنا عنها لمدّة طويلة، رغم أنّنا انفصلنا كليًّا عن واقعنا.

أنامل بعض الشبّان والفتيات، رُوِّضَت على ملامسة وجنات الهواتف الذّكيّة أو الحواسيب اللوحيّة، كي تقوم عِوَضًا عنهم بزيارة بعض الأصدقاء، أون لاين وليس من خلال الزيارات اليومية. لأننا بعصر الإعلام الاجتماعي الجديد المعروف باسم New Social Media. اليوم تخلى العديد منّا عن الملاحة الاجتماعية الهامّة، التي كانت بالماضي تمُر باطمئنان بين النّاس، عبر قنوات اللقاءات اليومية والأسَريّة، فانقطعت حبال العلاقات الاجتماعية التي كانت تربط الناس ببعض وتحوّلت إلى علاقات ظاهريّة، أو ما يُسمّى Virtual Relationship.

أقول بكل بساطة، حتّى وزارة المعارف فشلت كليًّا بمقاومة هذا الاحتلال التّقني، فتبنّت بعض مزاياه الإيجابيّة، كتجربة تدريسيّة مستقبليّة في بعض المدارس اليهوديّة. هذه التعدّديّة التكنولوجيّة، التي تشغل بال النّاس حوّلتهم لا شعوريًّا، إلى تطبيقات دردشة!! الفَم تحوّل إلى "كي بورد" أو الأصح لوحة مفاتيح مدموجة بالهاتف الذّكي، المشاعر والأحاسيس تحوّلت إلى أيقونات مصغّرة، غير نابعة من القلب، نرسلها كنوع من التسلية، من خلال الكومبيوتر اللوحي أو الشخصي أو الهواتف الذكية، يعني مشاعرنا باتت عديمة الإنسانيّة.

يعيش أغلب الفتيات وشبان اليوم، حالات حب غير مألوفة، من خلال اندماجهم المفرط في الأجواء الخليوية المخدّرة لعقولهم، لكنها غير آسرة لقلوبهم، إلى أن تجذّرت اجتماعيًا وحتّى منزليًا وقضت على رومانسيّة العشق المتيّم، دفعت بلوعة قسم من أبناء هذا الجيل إلى فتح قنوات اتصال سريّة متعدّدة في آن واحد مع من يحبّون، يرافقونهم إلى أي مكان يريدون.

هذه سلسلة من العقوبات الجماعية المجتمعيّة، فرضها علينا مجلس الإنترنت العالمي من خلال عولمة مفاهيمنا الاجتماعية التي نشأنا عليها، يجهل البعض أن هذه التطوّرات التقنيّة تتبدّل يوميًّا بسرعة هائلة سِرًّا، حتّى بدّلت أخلاق بعض الشبّان الصّغار، فجعلت تصرّفاتهم انفعاليّة أكثر، تصادمت فكريًا مع أي شيء تقليدي، الذي بات مقيتًا عليهم، نتيجة تسرّعهم، يطالبون أهاليهم بتلبية مطالبهم بشكل فوري وكأنهم آلات وليسوا بشرًا، هذه إذًا إفرازات العصر، الذي وضَعَنا طرفًا رغمًا عنّا في قلب الغزو التكنولوجي الذي لن يُحسَم يومًا ما.