[x] اغلاق
كأنك لم تكن، تُنسى
18/9/2014 20:58

كأنك لم تكن، تُنسى

محمد جمال صبح

بعض الحقائق تأتي كما لو أنها متأخرة الولادة، كما لو أنها جاءت ما بعد ذاك الوقت الإضافي للشوط الثاني من مشوار الحب الذي أصبح كـ اللعبة، مرة تنتصر ومرات تهزم بفارق الضربات الترجيحية، البعض، يجيد تصويب كرات غيابه لمرمى قلبك ويخرج من ملاعب وقتك الخضراء منتشيا بالنصر، إنتصاره على حبك الذي كان أكبر منه، يظن أنه أنتصر، هزيمة نكراء أن تتخلى عمن يحبك أكثر.

          الحالمون، أناس ضاق الواقع عن إحتضانهم، لذا، يحاولون بذل قصارى جهدهم حتى يجدوا لهم وطن، يحلمون وكل ما لديهم منافي، على الحالمون أن يعرفوا أن هنالك من عبروا الحكاية دونهم  وتركوا لهم الرؤى الضبابية.

         لزمني دهر من غياب حتى أدرك أنني كأعمى، اقود المفردات وتقودني، وأن كلانا كالعميان، لا نعرف أين يلقي بنا طريق لا نراه، وحتى أعرف أكثر أن الحقيقة، بقدر ما تحرر، تحرق وأكتم الأه، وحاولت جهدي أن اضع بعض من الوان زاهية في وجه الحقيقة البشعة، أن أحاول بقدر المستطاع أن أجعل مذاقها المر مستصاغ، قدر البعض أن يكون ذاك الوميض او ذاك الحريق الذي ينير دياجر العتمة للبعض الأخر حتى فوقه يعبروا، ثّم أن كثر عبروا، كثر لم يأبهوا، لم يلتفتوا خلفهم، جل ما فعلوا أنهم هرولوا خارج وقتك وكأنهم يفروا من طاعون، واصبحت أعرف أكثر أنه يحدث أن تخرج من رحم تجربة ما كخبر عاجل اسفل شريط الذكرى، خبر لا يثير لدى البعض سوى قليل من شفقة ربما ولا يستوجب أكثر من دقيقة صمت واحدة أحترام لما كان.

        جيد أن تخرج من حالة حب كـ وردة في الثلج، بكامل لونها الزاهي، بكامل عطرها، لا ضير، عليك أن تعرف أن الثلج والبرد نصيب البعض، نصيبه المنقوص أو الكامل، وعليك أنت المشنوق بحبال الأسئلة التي لن يكلف البعض نفسه عناء الرد الباهت عليها، عليك أن تعرف أن ما اجتاز حالة حبك سوى شخص أقل منك حب، أن ما أستطاع نسيانك سوى شخص لم يراك حقيقة، شخص لم تشكل لديه ما يستحق الوفاء أو البقاء أو الإحسان، عليك أن تعرف أن أخر الوقت، عرشهم الغياب وعرشك الهوامش وما بينهما قصة تحتضر، لن تلبث أن تموت. يحدث أن تأخذه الحياة بنزهة قصرية بعيدا عن الذكرى، ويحدث أن يصاب ببعض الصمم عن سماع تلك الموسيقى التي تأتي من بعيد، أن لا يلتفت لشكل الزهر الغافي فوق أعتاب شرفته، أن لا يشتم ذاك العبير الخجل لزهرة تفتحت رغم أنف البرد والشتاء والعناصر، لكنه، كلما أرخت الحياة قبضتها لبعض الوقت عن عنقه، يا أله السماء كم أنه يلتفت لكل شاردة وواردة، كم أنه لا ينسى، حتى يذكر نفسه قال:

 على القبلة أن تعرف طريقها، أن لا تحلم بالإنزلاق في كروم الكرز، أن تعرف حدها ومداها، أن تعيد ترسيم حدودها إن لزم، أن لا تحلم بأن تخرج في نزهة فوق التلال، عليها أن تبقى رهينة محبس الشفاه.

       هكذا قال عاشق أودت به قبلة لم يستطع كبح جماحها، كان النسيان الدرس الوحيد الذي كلما بدأ به عاد منه كأنه لم يكن، كأنه لم يفتح دفتره وكأنه لم يقرأ منه صفحة واحدة، الدرس الوحيد الذي لم ولن يفهمه، كلما درسه من جديد نسي أن ينسى.

       كل فراق وأنت إنتظاري، هكذا قالت الذكرى، هكذا قالت الزهرة الغافية فوق الثلج، هكذا قال الليل للنهار، هكذا قالت الفصول كل للأخر، وهكذا تقول الرؤى والصور وكل الأحلام، كل فراق وأنت إنتظاري، عليك أن تعرف، عليّ أن ادرك ولو متأخرا، أنني وكل من هم على شاكلتي، كأننا لم نكون، ننُسى، أمر ليس بالعادي، العادي أن نذكر ولو بغمرة أو نظرة أو قبلة، قبلة إمتنان لا أكثر، فمرور البعض في حياة البعض، حدث لو أن البعض الأخر يدرك، وننُسى.