[x] اغلاق
بين الغرق في الأمطار والغرق في الأفكار..
6/11/2014 10:10

بين الغرق في الأمطار و"الغرق" في الأفكار..

زياد شليوط

بوركنا الأسبوع الماضي بهطول كميات كبيرة من الأمطار، وتبين لنا أن الله لم ينس عباده كما ظن كثيرون، ولهذا كثيرون لم يستعدوا لموسم الأمطار بعد سنوات من المطر الشحيح. جاء المطر سريعا مفاجئا وفيرا. تعرضت بلدان عديدة قريبة وبعيدة الى فيضانات و"غرق" بعضها بالسيول الجارفة، تضررت بيوت وأماكن عامة، طغت المياه وضربت، انزعج البعض وفرح البعض، لا شك أن الفلاحين سروا بهذا المطر الوفير الذي طالما انتظروه، وشكروا الله على نعمه وعطاياه.

وفي بلدي شفاعمرو وربما في بلاد أخرى، جعلنا من المطر والمياه الغزيرة حلبة للتناكف السياسي وحولنا الموضوع الى ائتلاف ومعارضة أو مؤيد ومعارض.

وقف الفريقان مقابل بعضهما البعض على أتم الاستعداد، والجمهور يشاهد مباراة في التناكف والتجاذب والتلاسن الذي يصل الى حد الشتائم أحيانا.

شعر معارضو الادارة الحالية للبلدية وخاصة من مؤيدي الادارة السابقة، بنشوة كبيرة وتمنوا لو أن المطر يشتد ويقوى والسيول تزداد، لتلحق أضرارا أكبر في البيوت والأحياء. لكنهم اكتفوا بالكميات التي هطلت فهي جلبت الكثير من الأضرار، وهنا وجدوها فرصة ليناكفوا مناصري الادارة الحالية باللسعات والكلمات الجارحة والمستفزة، وليذكروهم بما كانوا يقولونه قبل عام أو أكثر في مثل هذه الظروف، فالمعارضون اليوم هم مناصرو الأمس والعكس بالعكس يذكر.

أما المناصرون للادارة الحالية فقد أسقط في أيديهم، واحتاروا وتلبكوا ووقفوا مرتبكين أمام هذا الوضع الذي لا يحسدون عليه، فقد شعروا أنهم أدخلوا أنفسهم في "ورطة" لا يعرفون كيف يخرجون منها، فها هم معارضو اليوم يستعملون كلماتهم وعباراتهم ووسائلهم التي استعملوها هم عندما كانوا في المعارضة. ويجدون أنفسهم في دوامة المناصرين كما كان خصومهم من قبل، ولا يملكون اجابات شافية ووافية.

هي لعبة أشبه بلعبة كرة القدم، فيها يتبادل الفريقان الأماكن والاتجاه والمرمى ما بين الشوط الأول والثاني، والفريق الأول يأخذ بشن الهجمات على المرمى الذي كان يدافع عنه ويصونه، وهكذا يفعل الفريق الثاني، والجمهور تارة يصفق استحسانا وطورا يصفر غضبا واحتجاجا، ويقف الحكم حائرا أمام المخالفات العديدة للطرفين، ويبقى الحظ سيد الموقف في الملعب.

نسي الفريقان كما نسي المتضررون أن يستعدوا لموسم الشتاء كما يجب. وهنا تصدق "نظرية" فيلسوفنا جبران خليل جبران، والتي يعيد احياءها بمنظار عصري البروفيسور النصراوي مروان دويري، بأن الضحية تتحمل قسطا من المسؤولية عن "الحدث" الذي حصل. وعلى المتضررين أن يسألوا أنفسهم أين أخطأنا وبماذا قصرنا، فلا يكفي أن تلعنوا السلطة أو البلدية أو الطقس وتقف عاجزا حائرا ضعيفا أمام حدث صغير كهذا، وتتنصلوا من المسؤولية.

لقد أظهرت السيول الأخيرة كم نحن مدللين فعلا، حتى أننا لم نعد نحتمل الخيرات السماوية اذا جاءت وفيرة أكثر مما توقعنا. نريد كل شيء بحساب وبمقدار معين وبتوقيت مناسب، واذا لم يحصل نغضب ونعاتب ونلوم غيرنا طبعا. ألا نعيش في بلاد "النعيم والخيرات"، فلماذا لا نحتمل ما زاد من تلك الخيرات؟

لا شك أن السلطة المحلية والقطرية تتحمل قسطا من المسؤولية وقسطا كبيرا. ولا شك أني أتعاطف مع المتضررين وأصحاب البيوت التي نالت نصيبها من السيول والجرف المائي. لكن من يتحمل مسؤولية الفيضانات والسيول في مخيمات اللاجئين السوريين في الدول المجاورة؟ من يتعاطف مع طفل اكتست ثيابه بالوحل القاتم بدل أن تكتسي بالثلج الأبيض؟ من ينقذ عائلة جرفت السيول خيمتها/ بيتها المؤقت وباتت في العراء؟ من يقف الى جانب عروس حلمت بيوم زفافها واذ بالعواصف والرياح العاتية تحمل أحلامها الى حيث لا عودة؟

فكر بغيرك وأنت تجلس في بيتك مساء وتعد فنجان الشاي الساخن.. هو المطر يحمل الخيرات والويلات في آن، وكأني به وجهان لطقس واحد.

 

(شفاعمرو)