[x] اغلاق
موسيقى الغياب
22/12/2014 10:31

موسيقى الغياب

للكاتبة الفلسطينية: سعاد شواهنة - جنين

عطر مساءه العابق بأمطار الشتاء، ورحيق الصيف، لها صورة لم تغادره، ضحكة لم ترسم لغيره، على مسافة منه هي، ويحب تحايلها عليه، على اللغة وبريق عينيها الذي تجمله عبارات العتاب واللوم، الذي لا تقوى على البوح به. لا يذكر أنها غابت عنه عن ذهنه لحظة، لكن مرورها هذا المساء أمام عينيه، أعاده عمرا إلى الوراء، التفت إليها، بعيون ضاحكة محتفية بصدفة مذهلة. لا شيء تغير، لا زالت تضع العطر ذاته، وتزين وجهها بمسحوق برونزي، لا زالت على مسافة منه، تبتسم راسمة على شفاهها بعض كلمات، وتمر سريعا كما يغيب الحلم ساعة الاستيقاظ.

على مساحة الطريق مرت سريعا، وفي مساحة روحه وقفت شمعة تعيد للروح دقائق، لحظات، وأيام، فبعض اللحظات وتخطط مساحة من الحلم يتيه فيها..

عاد إلى منزله منتشيا بصورتها، قامتها المتناسقة، شعرها الكستنائي، الطويل المتعرج، تجاوز صورة زوجته، وهي تشاهد عرضا تلفزيونيا تحبه دخل غرفته شاكرا لها عدم التفاتها إليه، أراد اليوم أن يتنفس مساحة الهواء المتبقية التي جمعته بها.

عاد إلى اسطوانته الموسيقية القديمة، لم تكن الأولى؛ لكنه ادعى ذلك أمامها،"هذه أول الهدايا تحت سقف المحبة. "استرسل يستمع إلى موسيقاه واثقا أن زوجته لن   تقتحم عليه معبده فهي لا تفضل هذا النوع من الموسيقى ولا تجدها مناسبة للرقص..

غاب مع موسيقى في رحيق الذاكرة، يذكر أنه أحب فيها كل شيء، وأنها لم تكن تتشكل إلا بين يديه، هو الذي أحب كثيرا أن يلاحقها بعدسته، وهي التي لم تفلح يوما في التقاط صورة ما، كان له أن يحتال على عينيها، على خيالها السارح، ويستقي شيئا من ضوئها يزين به عدسته، ويجعل منها صورة يوقظ رماد ذاكرته، وأحلامه.

قلب الصور، ابتسم لكل صورة استرجع في كل صورة حديثا اختلس لها منه صورة ما.

عمره معها حروف، وكلمات، كان يعلم أنه لا يحترف التصوير ولا يدعي ذلك لكنها في عينيه وعمره محبة، قلب الصور وتذكر في واحدة نكهة لألم صار صعبا أن تتجاوزه يومها قالت له بنبرة حازمة واثقة: "أنت لم تعد قادرا على احتوائي في صورة ما."

تقدم عاجلا بكفه ليكون ستارا يسدل على محيط شفتيها مهدئا روع لم تلك..

"نغادر الأماكن، ننفي أنفسنا عن الذاكرة، نخال أننا نبتعد عنها، وتبتعد عنا، ونعود لنجدها تحيا فينا، ولا نحيا إلا بها، وتحت ضوئها الخافت" سجل تلك العبارات على مساحة صورتها وخرج متنكرا بذراعين تطلبان عناقا غامرا!