[x] اغلاق
ثــورة الأم العصــريــة!!
19/3/2015 16:09

ثــورة الأم العصــريــة!!

بقلم: مارون سامي عزّام

الاحتفالات بيوم المرأة العالمي انتشرت في مجتمعنا ومؤسّساته، كما وثّقتها صحافتنا المحليّة بالخبر والصّورة، عبر مواقع الإنترنت، لأنّ ثورة المرأة نجحت في قمع استغلال المجتمع لحقوقها، استطاعت أن تقيم منظومة نسائيّة حرّة، مستقلة، ذات سيادة!! كما أن التّحوّلات الاجتماعية، التي مرّت بها الأم، والتي نكاد لا نشعُر بها، رفعتها من مرتبة الأم المنزليّة التقليديّة، إلى مرتبة الأم العاملة العصرية، فغدت اليوم دويلة معترف بها في قلب الدّولة العائلية، وثارت على مفاهيم الأمومة المعروفة.

لم يكُن للثّورة الأنثويّة النّاعمة التي قادتها الأم العصرية أي ضجّة إعلاميّة، فقط ضجّة عقائديّة وفكريّة، قد ضاجت في رأسها منذ زمن طويل، حثّتها على نبذ المعتقدات القديمة التي غدت لا تلائم ميولها التقدّميّة! إذ نراها تخرج من المنزل إلى عملها، ممّا جعلها تتعلّق به، وفرض عليها قيود رسميّة ممنوع تجاوزها، تُسيّرها كيفما تشاء، فأصبحت الحكومة حاضنتها الرّسمية، فهي التي تُغذّيها اقتصاديًا، لأنها دمجتها في حقل العمل، تُقوّيها ماديًا، لأنها أدخلتها في دائرة موظّفي الدّولة... تُساندها صحّيًا، لأنّها أدخلتها في ميدان التأمين الصّحّي... ترعاها مستقبلاً، حيث منحتها كنزًا تقاعُديًا، يَضمَن لها معيشةً محترمةً مدى الدّهر.

الأم العصرية غيّرَت من أساليب تعاملها اليومي مع أطفالها، منذ أن بدأت تعمل، فإمّا تجعلهم في سن معيّنة، يعتادون على البقاء لوحدهم في المنزل، أمّا إذا كانوا صغارًا، فإنّها توكل رعايتهم إلى حضانة خاصّة، أو مدعومة من قِبَل مؤسّسة حكوميّة، منذ الصّباح لغاية عودتها من العمل، والحضانات باتت منتشرة في كل مدينة وقرية وحتّى حارة، لأنّ مردودها المادي جيد، وأيضًا تُقدّم الدّعم التّام، لمساندة الأم المناضلة في استكمال ثورة استقلالها!! إن هذه التربية لا تمد الأطفال بالحنان الذي يريدونه، لأنّ الأم تُمضي معظم وقتها خارج المنزل، ولا تمنحهم الاهتمام الكافي، فتعود إلى البيت متعبة منهكة، ليس بمقدورها فِعل شيءٍ.

الانهماك الدّائم لبعض الأمهات في عملهن، سيؤدّي بهن إلى التقصير الاضطراري في الشئون العائلية، فهذه الثورة الأنثوية، تكاد تؤدّي ببعضهن إلى التقصير في متابعة تصرفات أبنائهنّ في المدرسة والصّف وحتّى في الحارة!! بل أكبر من ذلك، إذ تؤدي ببعض الأمهات العاملات إلى التقصير في مراقبة كيفيّة تحضير أولادهن للواجبات المدرسية اليوميّة، ممّا سيؤثر حتمًا على مستوى تحصيلهم، ومن هنا نرى بعضهن يُلقين باللوم على الهيئة التدريسيّة، ويتجاهلن دورهن كمُدرّسات أيضًا.

لذلك يجب على بعض الأمهات المنهمكات بأمورهن العامّة قبل العائليّة، أن يرعين أبناؤهن تربويًا وتعليميًا، أن يكُنّ قدوةً لهم، ولينلن تقدير أزواجهن، يتوجّب على بعض الزوجات الحديثات والمتطورات اجتماعيًا!! أن يكُنَّ طاهيات بارعات... لطيفات المعشر معهن، وأن يعرفن المحافظة على قوامهن الرّشيق، بالتّردّد على معاهد اللياقة البدنية التي انتشرت كثيرًا في مجتمعنا، تدعوهن للاهتمام أكثر بتقليم أنوثتهن، دون أن يفقدن من بريق نجاحهن في مهنتهن، مع أن بعضهن للأسف يهملن مظهرهن الخارجي، على حساب حياتهن العامة.

تُواصل بعض الأمهات ثورتهن الأنثويّة، حتّى طالت الواجبات المنزليّة، وخاصةً في مجال الطّهي، لأن بعضهن يبحثن دائمًا عن سيّدات يُتقنّ فن تحضير أي وجبة غذاء، أو يُجِدن إعدادها الأوّلي، مقابل مبلغٍ من المال، كي يُكملن لاحقًا تحضير كافة مقاديرها ليلاً، بعد أن يرتحن من عناء رحلة العمل المنهكة! وذلك لن يتم، إلاّ بعد أن ينعقد المجلس الوزاري المصغّر... عفوًا، انعقاد المجلس النّسائي العائلي المصغّر، الذي يبحث يوميًا في شؤون السّاعة المصيرية المطروحة على مائدة الطّعام!!.

مهنة الطّاهيات البديلات، باتت مهنةً معترفًا بها من قِبَل معظم نساء المجتمع، وهي إحدى ترسّبات عصرنا النفّاث الذي نعيشه... غدت رقمًا محفوظًا في هواتف الأمهات الخليوية أو المنزليّة... باتت مُلصقًا تجاريًا على البرّادات... تبنّونها كثقافة تغذية لذيذة وحصريّة لا بُد من تعميمها على جميع الفتيات المقبِلات على الزواج!! إن هذه الصّرعات الاجتماعية الحديثة التي تُطلقها بعض الأمهات، نمّت في بناتهن المتزوّجات نزعة الاتكالية... جعلت المأكولات التقليدية تفتقد إلى نكهة أصالة الماضي.

ما زالت ثورة الأمومة مستمرة، حتّى طال زحفها مجال الترفيه الحديث والمحبب، من خلال استعمال بعض الأمهات للإنترنت، بشكلٍ لافت، من حيث إلمامهن بمحتوياته، ولم يَعُد اليوم فنجان القهوة الصّباحي يكفيهنّ، بعد أن كان يفتتح نشرات أخبارهن المستعجلة حتّى ينقلنها لجاراتهن أو لصديقاتهن، لأنه اليوم أصبح لبعضهن صفحةً على موقع الفيس بوك، فوسّعن نشاطاتهن الإعلاميّة! فتحوّلت الدردشة الفَمَويّة إلى دردشة كتابيّة، فإمّا يتحدّثن مع أبنائهنّ ليطمئنّن على سير دروسهم في الخارج، أو يدردشن مع أقاربهن الذين يسكنون داخل المدينة أو خارجها، ليطمئننّ على أخبارهن المنوّعة والشيّقة!!

هذه أهم إنجازات ثورة الأمهات الصّغيرات والكادحات خصوصًا!!... ثورة لم يكُن بها صراعات أو مواجهات مع نظام أمني فاسد، بل صراعات ومواجهات مع نظام الكبت الاجتماعي الرّجولي، الذي أسقطته قوى الأنا والاعتزاز بالنّفس والكبرياء، الموجودة بداخل كل أم عصرية، رفضت الحياة التقليدية... وتقبّلت الحياة المتطوّرة تقنيًا والمريحة حضاريًا ولكنّها متعِبة جسديًا.