[x] اغلاق
جثة الطفل السوري، طائر البجع وسقوط الانسانية
3/9/2015 17:59

جثة الطفل السوري، طائر البجع وسقوط الانسانية

بقلم حاتم حسون

ما زلت أذكر كيف حبس العالم أنفاسه في النصف الثاني من العام واحد وتسعين، إبان حرب الخليج، وهو يراقب عملية إنقاذ طائر بجع لوثه البترول على شاطئ الكويت، ورفعت الصلوات والابتهالات تدعو لسلامة هذا الطائر المسكين ضحية حرب الخليج. ربما كانت صورة طائر البجع وباقي الكائنات المائية سببا في التحول الى طور العمل وتغيير وجهة تلك الحرب. ولعل ما يلفت النظر كيف ان الإنسانية تجلت آنذاك بأبهى صورها وكيف انتفض الضمير العالمي امام عدم قدرة هذا الطير بالتحليق وكيف تعاون العالم لحل مشكلة تلوث الخليج وخطره على الطيور والكائنات البحرية ومن ثم لإنهاء الحرب.

واليوم، ونحن في النصف الثاني من العام الفين وخمسة عشر، نرى وبكل حرقة صورة طفل سوري، تغفو عيونه على شواطئ الموت، شواطئ تركيا، التي هرب منها مع اسرته لينجو من الحرب ليجد موته بين أمواج البحر العاتية، لم اشاهد أقسى من هذه الصورة التي تبدو سريالية ناعمة لأول وهلة، فكيف تستوعب ان هذا الملاك النائم على رمال الشاطئ  ليس الا جثة هامدة قذفتها أمواج البحر علها تيقظ الضمير العالمي من سباته العميق إزاء هذه المعاناة الطويلة  ولتعبر أكثر من ملايين الكلمات عن الأوضاع المأساوية التي يمر بها أبناء الشعب السوري منذ أكثر من أربع سنوات ولا نرى نهاية لها في الأفق القريب.

انتشرت صورة الطفل الغريق سريعاً على مواقع التواصل الاجتماعي حيث عبر أفراد رواده عن تأثرهم لهذا المنظر الحزين، ولا بد للإنسان ان يتساءل، كيف يمكن للإنسانية ان تسمح في القرن الواحد والعشرين لمثل هذه الأمور البعيدة كل البعد عن كل حضارة ورقي وإنسانية ان تحدث.

غرق هذا الطفل السوري هارباً من الموت، شهادة على موت الضمير العالمي والعدالة الانسانية. سيتباكى "الرؤساء"، وستعلو الأصوات المطالبة بمد يد العون والمساعدة للاجئين، لكن" ايلان"، الطفل السوري الغريق سيدفن راسه أكثر في رمال الشاطئ كي لا يسمع هذه الأصوات المنافقة التي لم تسعفه عندما كان بحاجة الى اسعاف وعون.

مع اشتداد المعارك في سوريا، فإن الأسابيع القادمة ستشهد تزايداً ملحوظاً في أعداد اللاجئين السوريين المتدفقين على الشواطئ الأوروبية عبر البحر، وقد لا تكون صورة ايلان هي الصورة الأخيرة التي نراها على شاشات التلفاز وشبكات التواصل الاجتماعي، وتبقى الأسئلة تطرح نفسها بإلحاح: هل ستغير صورة الطفل السوري مجرى الاحداث في سوريا كما غيرها طير البجع؟ هل ستتظافر الجهود الدولية لمحاربة الإرهاب ودحره وإعادة السيادة السورية الى سابق عهدها مع إصلاحات تعطي المواطن السوري حقه وكرامته في العيش كباقي أبناء البشر؟ هل ستهز صورة الطفل ضمير العالم، ام أن هذه الصورة ستمر بصمت كون الضمير العالمي نائم نوم أهل الكهف.